دعني أيها القارئ الفاضل أحدثك عن قصة إنسانية لإحدى زميلاتي التي انفصلت عن زوجها ومعها طفل عمره شهران، واحتبست لأجل صغيرها سبعة أعوام، وتجاوزت ذاك الحين ربيعها ال30، وامتنعت من الزواج خوفاً من أن يأخذ المطلق ابنه، علماً بأنه لم ينفق على الطفل كل أعوامه السبعة، وحين قررت الارتباط برجل آخر أمضى طليقها تهديده، وقرر أن يأخذ ابنه، ورفع بذلك للمحكمة، وقضى القاضي بالابن للأب، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه أبو داود، وحسنه الألباني: «أنت أحق به ما لم تنكحي»، لكنها رفعت بنقض الحكم عند محكمة التمييز (الاستئناف) في خلال المدة المتاحة للطعن في الحكم وهي 30 يوماً من علم المدعى عليه، وحكم القاضي في التمييز بنقض الحكم وانتقال الابن منها إلى أمها (الجدة) ما دام أنها في عصمة الجد، استناداً إلى دليل حكم فيه أبو بكر - رضي الله عنه - بالحكم نفسه في حال مشابهة. أوردت هذه القصة كمقدمة مهمة للمطالبة بحقوق نساء يسمعن كثيراً عن جمال التشريع وروعته، ويكتوين بسوء تطبيقه، ولا قيمة لحق لا ينال رعاية وحماية. إن المحضون ذكراً أم أنثى له حقوق كفلتها الشريعة الإسلامية، وعليه القضاء في المملكة العربية السعودية ضماناً للطفل الذي تعني الشريعة بنموه في بيئة عادلة منصفة، تجعل منه فرداً قوياً لا ضعيفاً ولا ناقماً، وحماية لحق الحاضنة المادي والمعنوي حتى لا تهدر كرامتها لأجل اجتماعها مع ابنها، وتصير ضحية رجل ظالم متسلط لا يتقي الله في أبنائه، ومنعاً للظالم من أن يستغل ضعف من أمامه، أو جهله بالقضاء وآلية الحصول على الحقوق، فيجني على حياة المرأة الاجتماعية ويلحقها الأعباء المادية لتنفق عن أبناء تخلى عن تربيتهم. وسأسوق لك بالاختصار والإيجاز بعض حقوق المحضون - ذكراً كان أم أنثى - على الأب إذا طلق الزوجة، وكان المحضون عند والدته أو جدته: أولاً: حق النفقة على المحضون بالمعروف، والنفقة تقدر بحسب حال عسر الأب ويسره، إن كان غنياً فنفقة الأغنياء، أو فقيراً فنفقة الفقراء، والله تعالى يقول: «وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ»، وقد أخذ العلماء من ذلك أن نفقة الولد الصغير على أبيه، لأنه إذا لزمته أجرة الرضاع، فبقية النفقات الخاصة بالصغير تقاس على ذلك. ويعد الحكم بالنفقة من الأحكام المستعجلة كما نصت على ذلك المادة ال199 من نظام المرافعات، في الفقرة (ب) بأنه «يجب شمول الحكم بالتنفيذ المعجل بكفالة أو بدونها حسب تقدير القاضي، إذا كان الحكم صادراً بتقرير نفقة، أو أجرة رضاع، أو سكن، أو رؤية صغير، أو تسليمه لحاضنه، أو امرأة إلى محرمها، أو تفريق بين زوجين. وفي الفقرة (ج) بأنه «إذا كان الحكم صادراً بأداء أجرة خادم، أو صانع، أو عامل، أو مرضعة، أو حاضنة». وجاء في اللائحة التنفيذية ما نصه: 73/1 «إذا تضمن التنفيذ تسليم أموال تستحق دورياً كالنفقة وللمنفذ ضده حساب بنكي بأمواله فيأمر قاضي التنفيذ الجهة المحفوظ لديها الأموال بالخصم مما لديها بقدر المستحق وتقيد في حساب طالب التنفيذ». 73/2 «إذا كان المنفذ ضده ليس له حساب بنكي ولديه أموال لدى جهة أو شخص فيأمر قاضي التنفيذ الجهة أو الشخص الذي لديه أموال المدين بالحجز على أمواله بقدر المبلغ المستحق وتقيد في حساب طالب التنفيذ». وفي هاتين الفقرتين من اللائحة ما يضمن وصول النفقة للمرأة في شكل مباشر بالخصم من حساب المحكوم عليه بالنفقة، ولا تحتاج - والحال هذه - إلى مراجعة أي جهة، بل يخاطب القاضي المصارف وغيرها بالتحويل مباشرة، وهذا فيه توفير للجهد، ومنع لكثرة المراجعة والمشقة في الحصول على النفقة. كما نصت الفقرة 73/4 : «إذا كانت النفقة حالة التسليم فتقدم على بقية الديون». وهذه الفقرة تجعل النفقة مقدمة على ما سواها من الديون الثابتة في ذمة المحكوم عليه، وفي هذا ضمانة لثبوت النفقة واستمرارها، ومنع للاحتيال في إسقاطها أو التقليل منها. ومن رام الاستزادة فليراجع حقوق المرأة في الأنظمة القضائية السعودية عبر موقع وزارة العدل. ما زالت المقالة في الحق الأول من حقوق المحضون، وسيرد تباعاً في مقالات قادمة تفصيل لحقوق أخرى تستند على كتاب الله، وصحيح سنة رسوله، وعليها نظام المرافعات الشرعية في المملكة العربية السعودية، لكنها تغيب مع جهل الثقافة الحقوقية لدى بعض النساء، أضف إلى ذلك عدم وجود مدونة تقرب كثيراً من الأحكام القضائية للعامة ليسهل الرجوع إليها، ونلتقي في مقالات قادمة تحمي حقوق كثير من النساء اللاتي يعانين هشاشة التطبيق. * داعية، وأكاديمية سعودية. [email protected]