بعد تسع سنوات على الزلزال الكبير الذي هز لبنان باغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري من خلال تفجير إرهابي استهدف موكبه بنحو طن من مادة «سي فور»، فأودى بحياته وحياة 21 آخرين بينهم الوزير باسل فليحان وفريق أمن الحريري الشخصي، وهو الزلزال الذي شطر الحياة السياسية في البلاد إلى نصفين وترافق مع هزات ارتدادية أمنية متكررة اغتالت المزيد من الشخصيات، تنطلق اليوم في لاهاي محاكمة خمسة رجال ينتمون إلى «حزب الله» متهمين بالتورط في اغتيال الحريري ومن قضى معه. وتجري محاكمتهم غيابياً من قبل محكمة دولية خاصة بلبنان تعتبر الأولى في العالم لمحاكمة الإرهاب. والمتهمون هم: مصطفى أمين بدر الدين (52 سنة)، سليم جميل عياش (50 سنة)، حسين حسن عنيسي (39 سنة) وحسن صبرا الأسد (37 سنة) وحسن حبيب مرعي (49 سنة) الذي وجهت إليه التهمة العام الماضي وقضيته مفصولة حتى اليوم عن قضية المتهمين الأربعة على رغم ترابطهما. وعشية بدء المحاكمة، شدد الرئيس اللبناني ميشال سليمان «على التزام الدولة اللبنانية الشرعية الدولية وقراراتها وفقاً للدستور»، ورأى في هذه الانطلاقة «الخطوات الأكيدة نحو معرفة الحقيقة والعدالة في الجرائم المرتكبة من جهة، وعدم إشعار المحرضين والمرتكبين بأنهم عصاة على العدالة من جهة ثانية، وتالياً على المحاسبة على الجرائم والأعمال التي ارتكبوها وعبرة لبعض ينوي القيام بها». ولفت سليمان في موقف وزعه المكتب الإعلامي في قصر بعبدا إلى «أن ميزان العدل يبقى أقوى وأفعل من يد الإجرام والقتل، ويبقى أيضاً عنوان الحفاظ على سلامة الأفراد والمجتمعات ومرجعها الوحيد وملاذها الآمن». وأمل الرئيس المكلف تشكيل الحكومة تمام سلام في بيان «ان يؤدي هذا المسار القانوني إلى إحقاق الحق وبلسمة جراح عائلات الشهداء وكل اللبنانيين التواقين الى وضع حد لمسلسل الاغتيال السياسي الذي عانى منه لبنان طويلاً». وتمنى «أن تعيد هذه المحاكمة الاعتبار إلى مفهوم العدالة كحق إنساني مطلق، وإلى تكريس المبادئ الأساسية التي تعتبر القتل جريمة يعاقب عليها القانون وليست أداة مقبولة من أدوات العمل السياسي». ولفت الى أن «هذه المحاكمة مناسبة للتفكّر في ما عاناه اللبنانيون نتيجة الصراع السياسي الحاد في السنوات الماضية، وللتبصّر في المسار الذي نريده لوطننا ولأجيالنا المقبلة». وفيما توجه إلى لاهاي المتضررون من الجريمة وذوو الضحايا وعلى رأسهم الرئيس السابق للحكومة سعد رفيق الحريري، ومنسق اللجنة المركزية في حزب «الكتائب اللبنانية» النائب سامي الجميل شقيق الوزير السابق بيار الجميل الذي اغتيل (2006) في العام الذي تلا عام اغتيال الحريري (2005) إلى لاهاي لمتابعة افتتاح جلسات المحكمة، قال الأمين العام ل «تيار المستقبل» أحمد الحريري ل «رويترز»: «يوم الخميس انتظرناه وقتاً طويلاً، إنه شيء جديد للبنان. لمدة 40 سنة لم يكن لدينا العدالة والحقيقة عن أي اغتيال». وأضاف: «حتى لو لم يتم القبض على المتهمين أبداً، فان حكم المحكمة ضدهم سيضر حزب الله». وشدد على أن «العدل يمكن أن يأتي بطرق مختلفة». إخراج شهود من الملف وفي تطور لافت عشية المحكمة، عقد المحامي رشاد سلامة مؤتمراً صحافياً أمس، في بيروت، تحدث فيه عن دعوى رفعها في أيلول (سبتمبر) الماضي إلى «المحكمة الدولية الخاصة بلبنان»، بوكالته عن 13 مواطناً لبنانياً طاولتهم «التسريبات الإعلامية»، مؤكداً في دعواه «حقوق الموكلين في حدود ما لا يشكل عرقلة لمسار المحكمة ولا يعرض منظومة الشهود للانهيار». وطالب المحكمة ب «إخراج إفادات المدعين، مكتوبة أو مسجلة صوتياً من ملف المحكمة، وعدم إدراج المدعين في قائمة الشهود المطلوب مثولهم أمام المحكمة وحفظ حق الموكلين بطلب العطل والضرر». وحضر المؤتمر وزيران من «حزب الله» هما محمد فنيش وحسين الحاج حسن، ونواب من قوى 8 آذار: مروان فارس، عباس هاشم، الوليد سكرية، نوار الساحلي، ورئيس المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع عبد الهادي محفوظ، الوزيران السابقان وئام وهاب وطراد حمادة، النواب السابقون: نجاح واكيم، زاهر الخطيب، ناصر قنديل وأمين شري، المسؤول عن العلاقات الخارجية في «حزب الله» عمار الموسوي، اللواء علي الحاج وزوجته سمر، أمين الهيئة القيادية في حركة الناصريين المستقلين - المرابطون مصطفى حمدان، العميدان المتقاعدان أمين حطيط والياس فرحات، بسام الهاشم ممثلاً «التيار الوطني الحر»، ومهتمون. واعتبر سلامة أن ما يقوم به ليس «محاولة استباقية غايتها «التشويش» على انطلاقة المحكمة، إذ لا تأثير إطلاقاً لموضوع الدعوى، على العملية القضائية التي تقودها المحكمة»، معتبراً «أن التسريبات طاولت مضامين التحقيق، وشملت وثائق ومستندات، كان من واجب التحقيق أن تظل محصنة بقاعدة السرية، ولكنها بدلاً من ذلك تحولت إلى مادة علنية، تم تداولها، بوسائل النشر، مكتوبة - بل الأدهى - مسجلة بصوت شخصيات معروفة وبارزة في الساحة السياسية، على نحو ما شاهده اللبنانيون من سلسلة «الحقيقة ليكس» ولا حاجة لدي إلى التذكير بوجوه تلك الشخصيات، ولا بأسماء «أبطالها» وأعني أصحابها». وقال: «عند انتهاك قاعدة السرية، يصبح السؤال مبرراً عن مدى مراعاة العدالة الدولية لمفهوم أعلى معايير العدالة الجنائية، خصوصاً إذا جرى استخدام الخرق لقاعدة السرية من أجل تحقيق غايات وأغراض سياسية، محلية أو إقليمية». واستند إلى مواد في قانون المحكمة عن أن «تسريب المعلومات يشكل تهديداً خطيراً لسلامة الشهود وعائلاتهم، ولذلك يجب اعتبار إفاداتهم من نوع المعلومات التي لا يمكن استخدامها من دون موافقة مصدرها، عملاً بنص المادة 118 من «قواعد الإجراءات والإثبات»، وتملك غرفة الدرجة الأولى صلاحية شطب الأسماء وبيانات تحديد الهوية من السجلات العامة للمحكمة وعدم الكشف عن أي سجلات تحدد هوية المتضرر أو الشاهد، والموكلون المدعون يفيدون من هذه النصوص وسواها كشهود تحولوا إلى متضررين بسبب التسريبات الإعلامية التي انتهكت قاعدة سرية التحقيق».