رأى الوزير اللبناني السابق جان عبيد، أن استبعاد أي من الأفرقاء المشاركين في الصراع السوري، بمن فيهم إيران، من المشاركة في «جنيف2» أو «جنيف3»، والاكتفاء بأدواته أو حلفائه، عمل لا يؤدي إلى وضع المشكلة الكبرى على طريق التسوية والحل، مشيراً إلى أن الحل في سورية لن يكون بقوة السلاح بل بقوة المصالحة والإصلاح. وأوضح عبيد في حوار مع «الحياة»، أن استباق التحقيقات وإجراءات العدالة مرفوض، وذلك على خلفية اتهامات أطراف لبنانيين السعودية بالتورط في أعمال التفجير في لبنان أخيراً. ولفت إلى أن جميع الأطراف اللبنانيين، بمن فيهم «حزب الله»، تدخّلوا في الشأن السوري، لكن البطل منهم هو من سيخرج أولاً من الصراع. وأشار إلى أن طموح اللبنانيين في المرحلة المقبلة أن يصبح القرار من الداخل لا من الخارج، مؤكداً أنه من الذين يستطيعون خدمة وطنهم من دون أن يَحكموا، ولكن في حال توافرت له الفرصة لخدمة لبنان على المستوى الرئاسي، فإنه لن يقابله بالزهد المصطنع في المنصب، بل يتحمل مسؤوليته مع التهيُّب. هنا نص الحوار معه: في الشأن اللبناني وفي ظل التطورات الإقليمية والدولية، هل تعتقد أن لبنان بانتظار انعكاسات تسوية دولية ما، أم أن القرار من داخل لبنان؟ - أن يكون القرار من داخل لبنان هو هدف رئيس وليس واقعاً، يجب أن يكون طموحنا في المرحلة المقبلة أن يصبح القرار من الداخل لا من الخارج، إضافة إلى كونه قراراً لا يفصل لبنان عن التأثر بمحيطه والتأثير فيه، وإلا فقدنا القدرة على تحصين لبنان وصيانته بالائتلاف الوطني في الداخل، والانفتاح العاقل والسيد تجاه الخارج. كيف ترى تشكيل الحكومة؟ وهل تؤيد حكومة وحدة وطنية أم حكومة أمر واقع؟ - أنا أعتقد أن الانقسام المذهبي والطائفي، وفي بعض الأحيان الديني، تمكن معالجته أكثر بروح الائتلاف لا بروح التنافر والانقسام، ما يحتم أن تكون السلطة في لبنان صورة لما يجمع لا لما يفرّق، وأن تتحول ورشة عمل سياسية وأمنية واقتصادية يشترك فيها الجميع من دون عزل أي فريق عن الاضطلاع بمسؤولية النهوض بالأعباء الكبرى التي يرزح تحتها لبنان. كيف تفسر تراجع «حزب الله» في ما يخص صيغة تشكيل الحكومة؟ - أعتقد أن جميع الأطراف بدأوا يظهرون قدراً متزايداً من المرونة بعد أن كانوا ممعنين في التصلب، وإذا كانت لدي نصيحة في هذا الباب فهي تشجيع الناس على المزيد من المرونة لا التصلب، سواء أكانوا في فريق «8 آذار» أم «14 آذار». نحن لا ندعو الناس بموجب هذا النداء إلى وليمة أو فرحة، بل إلى ورشة عمل يعمل فيها جميع الأعضاء المقتدرين في «8 آذار» و «14 آذار» على السواء، وأرقام التمثيل ليست مقياساً للمكابرة أو الوجاهة، بل للقدرة والرغبة في تحمل المسؤولية وإنهاء المشكلات. كيف ترى الوضع اللبناني في حال شُكلت حكومة حيادية؟ - أُفضل تعبير «حكومة قادرة ومستقلة» على تعبير «حكومة حيادية»، فأن يكون الإنسان قادراً ومستقلاً لا يعني أن يكون حيادياً، بل أن يكون متمكناً من العطاء وقادراً على الإنصاف. سياسة النأي بالنفس التي كانت الحكومة اللبنانية ترددها على الدوام، هل هي مطبّقة فعلياً على الأرض؟ - لا يمكن أن تؤدي سياسة النأي بالنفس إلى هذه النتائج الكارثية إذا كانت نزيهة التطبيق أو سليمة الطرح. منذ عام ونصف العام قلت في احتفال إعطاء جائزة «مؤسسة إلياس الهراوي» إلى رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، إن اللبنانيين ينقسمون فريقين، الأول يدعو نفسه إلى الحريق في سورية والآخر يدعو الحريق في سورية إليه، والحريق في بدايته يلزمه «سطل» من الماء، أما إذا امتد واستمر واندلع فلا يكفيه «سطل ولا حتى بحر من الماء». لم تطبَّق مستلزمات النأي بالنفس، ولذا لم ينفع في إخماد الحريق ولا في الابتعاد منه. الوزير الملك هل يمكن أن يكون جان عبيد (الوزير الملك) في الحكومة التي يجري العمل على تشكيلها؟ - لم يفاتحني بهذا أحد من أهل القرار، وعندما يُطرح الأمر علّي فسأجيب عن السؤال في حينه. إلى أين ترى أن الأزمة السورية ذاهبة؟ وهل تتوقع استمرار حكم نظام الأسد؟ - أعتقد أن الحل في سورية لن يكون بقوة السلاح، بل بقوة المصالحة والإصلاح، وهذا يعني تعذر استطاعة أي فريق حسم الأمر الناشئ والناشب بعنصر السلاح. أتوقع أن انعقاد مؤتمر دولي، وأعني ب «دولي» سوري وعربي وإقليمي، إضافة إلى دول كبرى، يضع المحن السورية وليس الأزمة فقط على طريق المخارج والحلول، فالقادر على المساهمة في النزاع يجب تحويل قدرته إلى المساهمة في التفاهمات، ومن هنا نبدأ. كيف تقوّم الوضع اللبناني في ظل الأزمة السورية؟ - مزيد من تلازم النزاعات السورية واللبنانية، ومزيد من التهجير والهجرة والنزوح المفتوح، ومزيد من الأثقال والأعباء التي لا يمكن لبنان أن يقوى على احتمالها أو حملها. ما موقفكم من دخول «حزب الله» في الأزمة السورية؟ - جميع الأطراف، بمن فيهم «حزب الله»، دخلوا وتدخلوا في الشأن السوري، ولست هنا لأحدد من هو الأول، لكن البطل منهم هو من سيخرج أولاً من الصراع. إذا كان سبب الدخول هو مخاطر التكفيريين ومقاتلتهم، فالرد على هذه المخاطر هو في حشد جميع الأطراف في السلطة، التي يجب جعلها الأداةَ الوحيدة، بجيشها وسلطاتها المختلفة، وليس أي فريق سياسي أو مذهبي، المخولةَ والمنتدبة والمغطاة والمكلفة بإغلاق الحدود ذهاباً وإياباً أمام المشاركين في الفتنة السورية. لبنان كله معني وليس فريق منه، سواء أكان سياسياً أم مذهبياً، في مواجهة مخاطر التكفير، ولذلك يجب حشد كل القوى اللبنانية في السلطة، واستخدام الجيش اللبناني وقوى الأمن اللبناني في مراقبة الحدود ومنع التسلل إلى سورية، في موازاة أن يلعب لبنان بسلطته ودولته دوراً في «جنيف2» للإصلاح والتفاهم والمصالحة. هل الوزير عبيد مرشح توافقي للفريقين «14 و8 آذار»، خصوصاً أنك على مسافة واحدة من جميع الأطراف الداخليين والخارجيين؟ - لا تعني معركة الرئاسة القدرة على أن أكون مرشحاً، فهذه القدرة يملكها أي إنسان يعلن ترشحه، بل تعني القدرةَ على الإنجاز وامتلاك فرصة الوصول إلى الرئاسة في المبدأ. أنا من الذين يستطيعون خدمة وطنهم من دون أن يحكموا، ولكن إذا توافرت فرصة خدمة لبنان على المستوى الرئاسي، فلا أقابل ذلك بالزهد المصطنع في المنصب. أنا لا أتهافت على الرئاسة ولا أتهرب منها، بل أتهيّبها وأتحمل مسؤوليتها إذا تحققت، وفي الأساس أنا ممن يهمّه توحيد لبنان لا تمزيقه، ولملمته لا شرذمته، وعلى ضوء هذه الإمكانات أدرس المسألة الرئاسية. فريق «8 آذار» لا يزال يلوّح بالنزول إلى الشارع حتى الآن، وبدا ذلك واضحاً في الفترة الأخيرة. هل مشهد «7 أيار» الذي شهد نزول عناصر «حزب الله» إلى الشارع بسلاحهم مرشح للتكرار في أي وقت في بيروت؟ - المخاوف من تكرار «7 أيار» قائمة ومنتشرة في لبنان، ولكنها إذا تكررت لا سمح الله، فستكون أسوأ من «7 أيار» على جميع الأطراف وعلى الوطن اللبناني برمته. كيف تصف علاقتك بالأطراف المسيحيين: «التيار العوني» و«الكتائب» و«القوات اللبنانية»؟ - مرّت هذه العلاقة ولا تزال بمراحل عدة من الاتفاق والاختلاف، وأنا اجتهدت وسأظل أجتهد لأكون منصفاً في حق كل منها عندما يحقُّ الحق، ولأكونَ مستقلاً كي أستطيع القيام بدور المنصف. إن قيمة الديموقراطية في لبنان وقوتها، وخصوصاً في الوسط المسيحي، هي في أن يعود التنافس سلمياً ديموقراطياً مشروعاً، وفي أن تسقط نهائياً سياسة الإلغاء والتناحر. هناك حديث عن مفاجآت وأدلة وأسماء جديدة في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. كيف سيتعامل لبنان مع ذلك كله في ظل هذه المرحلة الأمنية المتوترة والخطرة، وفي ظل الحرب السورية التي انعكست آثارها على الوضع الداخلي؟ - مسألة الإفلات من العقاب من خلال المحكمة الدولية مرفوضة، لكنها -كما قلت منذ أعوام- مسألة حق لا ثأر، وعدالة لا انتقام، ويجب إعطاء الفرصة للمحكمة حتى يتبيّن كل شيء. لو تهاونت الدنيا كلها في مسألة العدالة للمظلومين، فيجب ألاّ نتهاون، وأكرر: لأنها مسألة حق لا ثأر، وعدالة لا انتقام، وبمعزل عن موازين القوى والتأثير. الاستباق مرفوض هناك اتهامات خرجت من أطراف لبنانيين للسعودية بالتورط في تفجيري السفارة الإيرانية والرويس. هل للسعودية مصلحة في ذلك؟ - الاستباق والاستخفاف بكل التحقيقات وإجراءات العدالة مرفوض في هذا الموضوع، والاتهام غير المسند بأحكام سابق لأوانه وغير مقبول، وأنا استمعت إلى التصريحات الإيرانية الموزونة التي وضعت استهداف السفارة الإيرانية في بيروت في خانة المخطط الإسرائيلي لا في خانة أي جهة لبنانية أو عربية، سعودية خصوصاً، وهذا هو الأمر الصحيح، ويجب التوقف عنده وعدم إطلاق الأحكام المسبقة من أي فريق لبناني أوغيره. على ماذا يدل توقع إيران شبه الرسمي وجودَ تفجيرات دموية في لبنان خلال الأسبوعين اللذين يسبقان «جنيف2»؟ - أتمنى أن تكون مخاوف لا معلومات، ويجب عدم الوقوف بلامبالاة في معالجة هذه المخاوف إذا كانت معلومات، وعدم التهاون فيها، بل التصدي لها. إذا لم يعقد «جنيف2» أو فشل، فهل يدفع لبنان الثمن مستقبلاً؟ - لبنان متأثر وغير منعزل عمّا يؤول إليه «جنيف2»، وأنا من دعاة دعوة جميع الأطراف المشتركين في الصراع إلى «جنيف2»، ويجب حمل المشترِك في الصراع -بخاصة إذا كان رئيسياً- على أن يشترك في الحل أيضاً، وعلى أن يبذل نصيبه وقسطه وقدرته في الحل وليس في إشعال النزاع فقط. من هنا، يجب عدم إبعاد أو استبعاد أي فريق مشارك في الصراع، بمن فيهم إيران، على أن تشارك أيضاً في إنهاء الصراع المفتوح من خلال «جنيف2» أو «جنيف3». إن استثناء أي فريق رئيس مساهم في النزاع واستبعاده عن «جنيف 2» والاكتفاء بأدواته أو حلفائه، أعمال لا تؤدي إلى وضع المشكلة الكبرى على طريق التسوية والحل. «جنيف2» أو«جنيف3» وسيلة لتحميل المسؤولين والمشاركين في الحرب مسؤولياتهم في ورشة الحل، وليس تعليق «الأوسمة» و«الشارات» و«النجوم» على أكتافهم.