قبل اعوام قليلة أصدر الشاعر السوري مروان علي مجموعته الشعرية الأولى «ماء البارحة» (دار الغاوون – 2009)، وكان واضحاً أنها قصائد تتجاوز البدايات وتحمل نضجاً فنياً وفكرياً عالياً يعكس تجربة شعرية تأتي من موهبة وتميز. مروان علي في مجموعته الثانية «غريب .. لا شيء عنكِ في ويكيليكس» يمضي أبعد في رسم حزنه قصائد وإن هذه المرَة بتكثيف أشد يقتصد في الجملة والعبارة والكلمات. في المجموعة الجديدة «غريب .. لا شيء عنكِ في ويكيليكس» (دار مسعى المنامة – البحرين – 2013) نحن أمام «لقطات» أقرب إلى صور ولكنها ليست أبداً صوراً فوتوغرافية جامدة، بل مشاهد تحمل حيويتها وحركيتها. هي جزئيات الحياة اليومية وعصف الوجد والحنين الذي يجعل القصيدة ملامسة حية لعوالم ومآلات ينجح مروان علي في ابتداع علاقتها الوثيقة بالجمال الفني. ليست القصيدة هنا «قولاً» سياسياً أو فكرة تنتمي للفكر بشكل ما من أشكاله، بقدر ما هي تعبير جمالي عن إرهاصات الحزن والغربة الطويلة وما يحوم في مخيلة الشاعر من رؤى وأحلام وإن صدرت من تخوم السياسة وتفرعاتها: «بينما كان والدك الكومنيست يحدثني من طريق الشعب للوصول إلى السلطة، كنت أفكر في إيجاد طريقة لسرقة قبلة منك، كي لا أعود حزيناً ووحيداً إلى البيت». قصيدة النثر التي يكتبها مروان علي تحترف البساطة وتحافظ على تشكيليتها في الوقت نفسه، وهي هنا بالتحديد تكتسب ميزتها الأجمل والأهم: نلحظ في قصائد المجموعة أن اللغة البسيطة، بل وحتى المباشرة والسردية تنجح في التوحد مع شغف الشاعر في رسم مشاهد حية في كل مرة ما يجعل القصائد شهادات سردية على غاية من الجاذبية. مهم أن نتذكر هنا أن مروان علي يأتي من ساحة شعرية جاءت منها تجربة الراحل محمد الماغوط الذي أفرد ظلاله طويلاً على تجارب الشعراء السوريين الشباب، ولكن مروان الذي يستفيد بالتأكيد من تجربة الماغوط الشعرية ينجح في امتلاك صوته الخاص ولغته الخاصة المميزة، خصوصاً أنه ابتعد تماماً من تجارب السبعينات وما حملته من تغير لعل أبرزه صوت نزيه أبو عفش. في «غريب .. لا شيء عنكِ في ويكيليكس» وجع يشتعل بالشعر وشعر يشتعل بالوجع، وفي الحالتين تتبسَط التعبيرية الشعرية إلى حدود بعيدة فالشاعر «يروي» مرة، ويعتمد الإستعادة مرات أخرى، ولكنه في أحواله الشعرية كلها يمسك بالصورة ويحافظ على جدَتها وحيويتها. الرَسم بالكلمات هاجس أساس في قصائد هذه المجموعة وهو رسم لا يتنازل عن صلته الوثيقة بمضمونه الحيوي وبأهمية أن تأتي الصورة حسيَة يمكن للقارئ استعادتها في مخيلته ومحاولة رسمها من جديد. ربما لهذا السبب بالذات تبدو قصائد مروان علي هنا قادرة على «توريط» القارئ في لعبة الشعر ذاتها، فهي قصائد لا تتطلع الى قارئ «محايد» يقف خارج النص، بقدر تطلعها الى قارئ آخر يشتبك مع القصيدة وتشتبك القصيدة معه: «بيتكِ/قريب جداً وأنا أعلم/قدميَ النسيان» أو: «لا أحد يلتفت لألمي/لا أحد يرى معاناتي/كلَ يوم عليَ أن أنتظر/ليلاً كاملاً لأقول لكِ: صباح الخير». مروان علي في مجموعته الشعرية الثانية يبدو أكثر ثقة بقصيدته وشعريته، وهو يفعل ذلك خصوصاً بثقته في كتابة قصائد قصيرة جداً وإن تبوح كثيراً.