رغم دخول الثورة عامها الرابع، لا يكاد المواطن السوري يجد منبراً إعلامياً سورياً واحداً يغطي الحدث «وفق الحدود الدنيا من الموضوعية والمسؤولية والشمولية». ويقول أحمد، وهو شاعر سوري مقيم في المنفى: «عندما أريد متابعة ما يحدث هناك أتصفح إحدى الصحف العربية أو أشاهد نشرات الأخبار التي تبثها الشبكات الفضائيات الكبرى، فأنا لا أشعر بالثقة بأي المنابر الإعلامية الوطنية، القديمة أو الجديدة». واعتاد المواطن السوري على «خشبية» الإعلام الرسمي وشبه الرسمي، لكن قطاعاً واسعاً من السوريين استبشر بقدرة الثورة على إفراز سلطة رابعة حقيقية تنوّرهم وتنقل معاناتهم دون تمييز. ويرى الإعلامي عبسي سميسم، رئيس تحرير صحيفة «صدى الشام»، أن «معظم المنابر التي نشأت بعد الثورة تفتقد إلى سياسة تحريرية تعرف من خلالها شكل الخطاب الذي ستتوجه به الى جمهورها المفترض»، وأنها بمعظمها «مشاريعٌ جمهورها المستهدف هو المنظمات الداعمة». ويعكس هذا الواقع هشاشة المشهد الإعلامي السوري البديل، الذي نشأ في ظلال الثورة السورية، وعدم قدرته على اكتساب المصداقية، والتحول إلى إعلام شعبي مكرّس قادر على تشكيل الرأي العام والتأثير به. العامل الأمني تعتبر سورية اليوم البلد الأخطر على الصحافيين، بحسب نسخة عام 2014 من «التصنيف العالمي لحرية الصحافة» الذي تصدره مؤسسة «مراسلون بلا حدود». وتجاوز عدد القتلى من الصحافيين فيها 240 منذ قرابة عامين، وفقاً لإحصاءات «رابطة الصحافيين السوريين». وتشكل الحالة الأمنية البالغة الخطورة التحدي الأكبر أمام الإعلام المهني في سورية. ويقول سميسم إن «هذا التحدي الأمني يمنع الوكالات الإعلامية الناشئة والصغيرة من افتتاح مكاتبها في سورية، أو المجازفة بحياة مراسليها، وكل ما يمكنها فعله لتغطية أخبار سورية هو الاعتماد على النشطاء الإعلاميين، والإعلام البديل». وهو ما يمكن أن يتسبب، بحسب سميسم، في «انخفاض مصداقية المادة الإعلامية، وتحجيم ظاهرة الإعلام الاجتماعي، وتحويل دورها من التكامل مع الإعلام الاحترافي، إلى بديل منه، أقل كفاءة وخبرةً وتأهيلاً». ووفقاً للتقارير التي أصدرتها منظمة «مراسلون بلا حدود»، يشكل النظام السوري وبعض التشكيلات العسكرية المعارضة على السواء، «كيانات معادية للصحافة، ويشكل ناطقوها الإعلاميون الرسميون المنفذ الوحيد لمعرفة ما يجري»، وهو ما يتسبب بإلحاق الخبر بجمل من نوع «ولم يتسنّ لنا التأكد من الخبر من مصادر مستقلة»، ما يفقد المعلومة موضوعيتها ووثوقيتها. سياسات الممولين واعتمد كثير من المكاتب الإعلامية التي أسسها ناشطو الإعلام الاجتماعي، في تمويلها، على الشبكات الإعلامية العربية والمحلية؛ وتحولت إلى مكاتب غير رسمية لهذه الشبكات. ويرى الإعلامي والناشط صبر درويش، الذي ساهم في تغطية الثورة إعلامياً في دمشق وريفها، عبر تأسيس مكتب «شرارة آذار»، أن هذا الواقع «تسبّب في تعزيز الطموح الفردي لأفراد هذه المكاتب، وغياب روح العمل الجماعي عنها، وارتهانها للشبكات الإعلامية الراعية». ويضيف درويش أن «هذه الشبكات الإعلامية اعتمدت على مخاطبة الغرائز وشحن الأحقاد، عبر التركيز على مشاهد العنف والأكشن، وهو ما أدى إلى توجّه إعلام الثورة للعمل في فلك تلك الاستراتيجية، وإهمال تغطية إرادة السوريين في صنع الحياة». أما المشاريع الإعلامية الطموحة والمستقلة فتصطدم برغبات الممولين وسياساتهم وارتباطاتهم، كما يبدو. فوفقاً لسميسم، تتلقى معظم الفعاليات الإعلامية الناشئة دعما من مؤسسات غربية، «وغالباً ما تكون هذه المؤسسات جاهلة بالمحتوى الذي تدعمه، ما يؤدي إلى غياب المعيار المهني عن معايير اختيار المشاريع التي تدعمها». وعلى خط مواز، تضجّ الشبكات الاجتماعية اليوم بالحديث عن ارتباط بعض الجهات الداعمة والممولة بأطراف استخباراتية ومحاولتها تجنيد الإعلاميين في الاستقصاء الاستخباراتي وبناء قاعدة بيانات أمنية. ويرى كثيرون أن السياسات التي حكمت رأس المال الوطني المشتغل في قطاع الإعلام عملت وفق الإيقاع المتذبذب للسياسة لتغيب عنها الرؤية المتوازنة ولتخضع لحسابات اللحظة الراهنة، وهو ما أدى إلى تقارب هذه الوسائل الإعلامية مع الإعلام الرسمي الذي ضاق السوريون به وأطلقوا ضده الشعارات خلال احتجاجاتهم. كما أن الطموح السياسي لدى بعض رجال الأعمال الداعمين لبعض الوسائل الإعلامية، تسبّب في تآكل مصداقية بعض هذه الوسائل. فرامي، وهو مواطن سوري يعمل في مجال الهندسة المعمارية، يقول إن «بعض المنابر الإعلامية تسير على هدى رأي مالكها السياسي وتقلباته، فما أن يتقارب مع سياسي ما يفرد له الزوايا على منابره العديدة، ولكن ما أن يختلفا تجري أبلسة ذلك السياسي، صديق الأمس». وفي الوقت الذي يجري فيه الكلام عن غياب البديل من الرئيس بشار الأسد، في حال سقوطه أو رحيله، يبدو أن قيادات المعارضة السورية لا تبالي بأي دعم جدي ومسؤول للمشهد الإعلامي، ولا تبالي، بالتالي، بالرأي القائل إن الإعلام هو «أداة يستخدمها مهندسو التغيير» على حد تعبير البروفيسور الأميركي لورنس بنتك، المساهم في كتاب «الإعلام الجديد وعملية التغيير الاجتماعي والسياسي في العالم العربي»، وأنه الأقدر على تشجيع المبادرات السورية الجامعة، وتمهيد الطريق لها للمساهمة في انتشال سورية من الأزمة التي تفتك بها.