استكمالاً للحديث عن هذه الزيارة القضائية وما تضمنته من تجارب إجرائية رائدة يمكن الإفادة منها. أُشير هنا إلى أن التطوير في البلدين أخذ أعواماً عدة ولا يزال. إذ بدأ التطوير منذ ما يزيد على عشرة أعوام، وهذا يعني أن هناك الكثير من المشكلات والعقبات التي واجهها القائمون بهذا التطوير، لكن مع وضوح الأهداف وإرادة التطوير والالتزام بالوقت تحققت النتائج. ولاحظ الزملاء في هذه الزيارة الثقة بالنفس الموجودة لدى القائمين على مرفق القضاء والاعتداد بما تم تحقيقه، الأمر الذي وجدناه منعكساً على العاملين في القضاء والخصوم والمحامين على حد سواء. ونجد هذه الثقة ظاهرة عندما سألنا أحد المحامين في أبرز مكاتب المحاماة عن آماله في القضاء وما يريده من القضاء في سنغافورة، فأجاب بأن ما تحقق كافٍ لنا ونريد الاستقرار على هذا الوضع، وفي الوقت نفسه نسأل القضاة فيذكرون أن هناك مشواراً طويلاً للتطوير وأنهم لا يزالون في بداية الطريق. لا شك في أن هذه التطورات قامت على أيدي رجال لهم رؤية واضحة وغيرة على بلادهم ورغبة في إقامة العدل. ووُفقنا في اللقاء برئيس القضاء في ماليزيا الذي يعتبر مهندس التطوير القضائي هناك، ولا بد من وقفة مع هذا الرجل، إذ سمعنا عن رجل يتمتع بمهابة وقيادة وسلطة وقوة في التنفيذ يهابه الجميع، وكان وراء المتابعة المستمرة للقضايا المتأخرة. وفي الوقت نفسه هو الذي ضغط بحنكة لزيادة رواتب القضاة 40 في المئة، وعندما جلسنا معه في هذا المبنى الضخم المهيب وإذا بنا نجد رجلاً بسيطاً، وبمجرد أن بدأنا الحوار وإذا بنا ندخل في جو من المحبة والأخوة بعيداً عن الرسمية، ونجد الحديث البسيط والغيرة على القضاء والقضاة، والحرص على حفظ حقوق الخصوم، والثقة بالنفس، وجدناه يتحدث عن التطوير وخطواته بفهم دقيق لما يريد، ووجدنا الناس في الشارع والمحامين في الخارج والقضاة يثنون على ما قام به هذا الرجل، مع أنه وضع قيوداً على القضاة وعلى الخصوم والمحامين، إلا أن الجميع يحترمه ويعتبر عمله عملاً مميزاً. ويمكن الاستفادة من التجربة القضائية الماليزية في السعودية، فهناك العديد من نقاط التشابه بين البلدين، مثل عدد السكان وأن المجتمعين مسلمان، وهناك العديد من المحاكم في مناطق متعددة. وكانت أبرز المشكلات لديهم هي تأخر القضايا - مع مراعاة أوجه الاختلاف الأخرى - إن ما تحقق من نتائج وما يهدف إليه العاملون في القضاء الماليزي يعتبر نجاحاً باهراً ويمكن الإفادة منه. وفي الختام أشكر الزميل الكريم فضيلة الشيخ عبدالعزيز الشثري على رصده الدقيق لهذه التجربة وتحويلها لاقتراحات قابلة للتطبيق. * محامٍ ومستشار قانوني [email protected] alsgaih@