بات تطوير الخدمات القضائية الإلكترونية وهندسة إجراءاتها وأتمتت عمليتها ضرورةً تفرضها طبيعة التطور التقني والمعلوماتي الذي يشهده العالم؛ ولا سيما في خضم تسارع المعلومات وتضخمها، وتزايد الدعاوى المقامة أمام المحاكم وتنوعها، وحاجة الإجراءات التي يسير عليها العمل للتطوير المستمر، كما يتفق ذلك مع الحرص على إنجاز معاملات الخصوم والبت فيها على وجه السرعة؛ لذلك كله كان من الواجب تضمين الخطط الاستراتيجية التطويرية فكرة الاستعداد لإيجاد منصة قضائية إلكترونية متكاملة تكون جاهزة للانطلاق عند اعتماد التوقيع الإلكتروني، توفّر أعلى درجات الأمان والدقة، حتى يصبح بإمكان الخصوم إنهاء عدد من إجراءات التقاضي إلكترونياً عن طريق هذه الخدمة الإلكترونية ووسائلها المتنوعة؛ ما يتيح للخصوم تسجيل الدعوى وتقديم بياناتها ومستنداتها وسماع الشهود ومناقشة الخبراء وحضور جلسات المحاكمة التي يمكن عقدها عبر هذه الوسائط الإلكترونية. كما يتيح هذا النظام من خلال خدماته الإلكترونية سرعة الحصول على المعلومات التي تحتاج لها المحكمة أو يحتاج إليها الخصوم من دون عناء، إضافة إلى عرض ملف القضية على قضاة المحكمة آلياً من دون الرجوع إلى الملف الورقي، وكذلك أرشفة نسخ إلكترونية من ملفات القضية والأوراق المتعلقة بها، وتسهيل عملية استعادتها واستعراضها وإدارة الجلسات القضائية وتنظيم مواعيدها، وكذا تسهيل إعداد البيانات المطلوبة لإدارة التفتيش القضائي إلكترونياً. وفي الواقع نلحظ تحركاً نشطاً على هذا الصعيد في القضاء العام والقضاء الإداري يستحق الإشادة والتقدير، مثل تجربة كتابة العدل الرائعة في تسجيل الوكالات إلكترونياً ومعرفة حالتها وإلغائها. والمؤمل أن تتكل هذه الجهود الخيرة بالنجاح وأن يجني المتقاضون آثار ذلك بإذن الله. ومما يقترح هنا إنشاء بنك للمعلومات والتطبيقات القضائية مدعوماً بالسوابق والمبادئ لغرض الإفادة منه في الدعم القضائي للقضاة بما لا يؤثر في استقلالهم، وتفعيل التدريب القضائي التطبيقي الذي يجب أن يبقى ويستمر على رأس العمل. وكذلك تفعيل الخدمات المعرفية الرقمية مثل مكتبة القاضي الإلكترونية ونحوها. بل يمكن أن تمتد الخدمة الإلكترونية لتحقيق المعاونة والمساندة القضائية المحترفة للمحتاجين لها داخل المحاكم، وبما لا يؤثر في مبدأ الحياد الذي تلتزمه المحكمة. وأختم حديثي هنا ومن خلال تجربة شخصية تشرفت فيها بالاطلاع على عدد من التجارب القضائية في دول العالم بالحث على الإفادة من كل التجارب الدولية المتاحة لإنشاء بنية تقنية حديثة وكاملة، والبدء من حيث انتهى الآخرون في هذا الخصوص أو حتى من حيث يطمحون. وبالمقابل أتمنى لو تضمنت تلك الخدمات ترجمة دورية لأهم وأبرز الأحكام القضائية لبعض لغات العالم الحية مثل الإنكليزية والفرنسية وغيرهما. * محامٍ ومستشار قانوني. [email protected]