الإفادة من تجارب الآخرين الإجرائية، والبدء من حيث انتهوا، وربما من حيث يطمحون أيضاً، هو هدي من جعل الحق ضالته وغايته، وفي سبيل ذلك يسر الله إبان تكليفي أميناً للجنة العليا للتخطيط الاستراتيجي لديوان المظالم، زيارة محاكم سنغافورةوماليزيا مع فريق من الزملاء القضاة. وقد لاحظ الجميع أن النظام المعمول به في البلدين هو القضاء الموحد وفقاً للنظام «الإنكليزي» وهو مختلف عن القضاء السعودي إلا أن تجربة البلدين في تطوير القضاء متشابهة، ما يُمّكن من الاستفادة من تجربة البلدين في شكل مباشر. وقد كتب لي في هذه الزيارة اللقاء بوزير القانون السنغافوري ورئيس مجلس القضاء الماليزي، ولاحظت اشتراكهما في هم تحقيق العدالة الناجزة، إذ عنيت المؤسسات القضائية في هذين البلدين بدرس أسباب التأخر، ودرس الإجراءات والمدد التي تمر بها القضية لدى المحكمة، ثم التعرف على أكثر الإجراءات التي تستغرق وقتاً أكثر طولاً، وتم وضع خطط علاج طويلة على مراحل للتخلص من أسباب التأخر في القضاء، وقد تحسن الوضع في ماليزيا مثلاً لينخفض معدل نظر القضايا من خمسة أعوام إلى أقل من ستة أشهر. ومن أمثلة ذلك أنهم لاحظوا أن القضية تأخذ أكثر وقتها في المواعيد عند القاضي وتكرار الجلسات في تقديم مذكرات الردود بين الخصوم، فتم علاج ذلك بنقل هذه المرحلة وجعلها سابقة لنظر القاضي، ولا ينظر القاضي القضية إلا بعد اكتفاء الأطراف وتقديم مذكراتها، وهو على غرار المعمول بها حالياً في لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية بالمملكة. ويلاحظ أن هذا العمل اختصر إجراء واحداً فقط من إجراءات سير القضية، وهو الإجراء الذي يأخذ أطول وقت في عمر القضية، وهو إجراء سماع الأطراف وتبادل المذكرات. ولا يخفى أن هذا الإجراء هو أحد أطول الإجراءات في القضاء السعودي، فمن خلال التحكم في إجراء واحد - بعد درسه - تم اختصار مدد طويلة، ووضع وابتكار الحلول لمعالجته، ومثل ذلك يقال عن باقي الإجراءات، إذ تم سنّ أنظمة للإبلاغ، وتم وضع مدد كحد أعلى لكل رد، وتم درس كل إجراء ومعالجته بهذه الطريقة. كما أنهم وجدوا أن من أسباب تأخر القضايا كتابة الحكم، فعولج ذلك بأن القاضي لا يسبب كل أحكامه ويطيل فيها، بل يذكر الحكم وملخص الأسباب، وإذا كان هناك اعتراض فإن القاضي يفصل في ذكر الأسباب كما في سنغافورة. ومن محاور الإصلاح التطوير التقني، إذ تم التطوير وفق خطوات واضحة ومدروسة وبخط مستقل تماماً عن خط تطوير سرعة الإنجاز، وكذلك خط تطوير مستقل للإجراءات وفق خطوط واضحة للتطوير يتم انجازها في شكل متواز ووقت واحد، وكل خط مستقل عن الآخر، ولا يوجد تداخل بينهما، وكل خط عبارة عن مشروع له أهدافه وفريق عمله، وهناك تنسيق بين الأطراف، وجميع ذلك تمّ دمجه في خطة موحدة للتطوير واضحة المعالم ومستقرة، وهذا السبب الذي يجعل مسؤول القضاء في كلا البلدين عندما يتحدث عن خطة أو إجراء يقول في ثقة: «سيتم تطبيق هذا الإجراء أو العمل به في وقته المحدد». [email protected]