أوضح الكاتب أحمد صادق دياب أن إقدامه على كتابة الرواية وراءه رغبة جارفة لإلقاء الضوء على ما لم يكتب عنه التاريخ عن المهمّشين، والكتابة عن التكرار الدائم الذي يحاصرهم، مضيفاً أن مدينة جدة أنانية لا تعطي كل ما لديها دفعة واحدة. وقال أحمد دياب الذي صدرت له رواية «آمنة.. حكاية مدينة» عن دار جداول، في حوار مع «الحياة»، إن الكُتاب مقصرون في الكتابة عن مدينة جدة، مؤكداً أن لديه رواية أخرى ستصدر قريباً، ويواصل الكتابة على واحدة جديدة. إلى نص الحوار: ما الأفكار التي راودتك قبل أن تُقدم على إصدار «آمنة»؟ - ربما كانت رغبة جارفة لنقل «حكايات» عن الماضي السحيق سمعتها من والدي وجدي وغيرهما، ربما أردت أن ألقي شيئاً من الظلال عن المعاناة التي عاشها أجدادنا، ولم نحس بها ولم نعشها.. وربما كانت محاولة لإلقاء الضوء على ما لم يكتب عنه التاريخ عن المهمّشين في الحياة، الذين ولدوا وعاشوا وماتوا ولم تتغير حياتهم اليومية عن التكرار الدائم الذي كان يحاصرهم كل وقت. لا أعتقد أن «الحكاية» يجب أن تؤخذ على أنها مستند تاريخي بقدر ما هي مستند اجتماعي، وهناك فرق كبير بين الاثنين. أعتقد أنها رواية عن الذين عاشوا وماتوا بعيداً من التأثير والتأثر الذي نعيشه، ومحاولة لفهم التركيبة الاجتماعية لحقبة من الزمن تم إهمالها بالكامل.. ولا أدعي أن الأحداث كلها صحيحة من الناحية التاريخية، ولكنها جزء من واقع الحياة. هل يمكن الحديث عنها، عن جمالياتها والرؤية الفنية، شخصياتها؟ - أعتقد أن الحديث عن الجماليات والرؤية الفنية ليس مهمة الكاتب، ولنترك ذلك للقرّاء والنقاد، فهي باختصار شديد تحكي عن معاناة أهالي مدينة جدة قل أكثر من 100عام وعن حياتهم اليومية بالتفصيل، وتتحدث عن أحد أحياءها الشعبية، وعن ظروفهم المعيشية ورغبتهم الشديدة في الحفاظ على ما يعيشونه من حياة، على رغم كل مصاعبها، وما يتخلل ذلك من مشكلات حياتية غير عادية خلال أسبوع واحد.. ربما كان العمل كلاسيكياً في أسلوبه لكنه مليء بالأحداث المتداخلة التي تفرض نفسها على كل البيوت في المدينة، وكيفية تعامل الإنسان مع أقداره بحسب ما تقتضيه مصلحته الشخصية.. يمكن أن يكون المحور الأساسي هو توق الإنسان على رغم بدائية الحياة إلى السيطرة على مقدراته كنوع من الاستقلال عن الظلم الذي يُمارس عليه، وأعتقد أن هذا هدف للبشرية منذ آلاف السنين. الشخصيات الرئيسة في العمل أعتقد أن بطلة الرواية آمنة المتفتحة في زمن مغمض العينين من ركائز العمل، وكذلك أبوها الرجل الطيب الذي يعمل في مجال البناء التقليدي، الهش داخلياً على رغم قوته البدنية الطاغية خارجياً، وعمدة الحي من الشخصيات الرئيسة المؤثرة في السياق، فهو يمثل المسؤول الذي عليه أن يتحلل من كثير من قناعته أمام واجبه، وكذلك شخصية القائد التركي «جميل» من الشخصيات التي تقدم نوعاً من القدرة على التحكم في الأمور. لماذا جدة القديمة دوماً تمارس غواية على الأدباء والمثقفين؟ - ليست جدة القديمة إنما جدة بشكل عام، حال من الإدمان لدى من يعرفها وعاش تفاصيلها.. فجدة ليست مجرد مدينة، بل هي كائن بشري قادر على احتواء الذين يمرون على أرضها، وربطهم بها. جدة يا سيدي ملهمة للجميع، وأعتقد أنه على رغم كل ما كُتب عنها لا تزال تبحث عن المزيد من الأوفياء الذين يمكن أن يلقوا عليها شيئاً من الظلال، حتى يتمكن الآخرون من فهمها، فهي إذا صح القول «أنانية»، لا تعطي لشخص واحد كل أبعادها وتوزع مفاتنها بين الذين يحبونها فعلاً. هل عدت إلى مراجع بعينها لتكتب الرواية؟ - كما سبق وأن قلت الرواية ليست مرجعاً تاريخياً، واعتمدت كثيراً على الحكايات الشعبية التي سمعتها بحرص من والدي وجدي وأخي محمد رحمه الله، وكونت الحبكة القصصية بحسب الروايات المتناثرة.. يعني أن مصادري في الرواية هي غير المكتوبة. إلى أي حد كانت رواية «مقام حجاز» للراحل الكبير محمد صادق دياب حاضرة في ذاكرتك خلال الكتابة؟ - أولاً ليست رواية «مقام حجاز» لأخي محمد صادق دياب - رحمه الله - من أثرت في ما كتبت، أو التوجه الذي اتخذته، وذلك لسبب بسيط وهو أني كتبتها قبل تلك الرواية بعام، لكن لضخامة العمل أخذ وقتاً أطول من توقعاتي، لكن من المهم أن أقول أن تأثير محمد كشخص عليّ كان أكبر من كتابته، فهو كان رجلاً بمعنى الكلمة، وعلى رغم تعليمه العالي إلا أنه كان يمثل ابن الحارة الأصيل الذي لا يتوانى عن المساعدة بكل طيب خاطر، وقدرته الرائعة في التواصل مع الآخرين على شتى مستوياتهم تؤكد أنه كان مميزاً جداً في داخله، بالنسبة لي هو أخ وأنموذج وقدوة وليس كاتباً فقط. كيف ترى الروايات التي كتبت عن جدة، إلى أي حد أنت راض عنها؟ - الروايات التي كُتبت عن جدة ليست كثيرة بالفعل، فذاكرة هذه المدينة تحتفظ بكثير من الأسرار التي يمكن أن تتحول إلى عمل إبداعي رائع، لكننا مع الأسف مقصرون جداً في هذه الناحية. وأتمنى أن أعمل الجزء الثاني من «آمنة.. حكاية مدينة» قريباً. كيف تتوقع استقبالها لدى القراء؟ - أنا متلهف جداً لسماع رد الفعل، وأتمنى أن تجد صدى طيباً، لكن وبكل الأحوال هو عمل أخرجته، ولن أعود عنه وأنا سعيد برد الفعل في المجتمع الصغير الذي اطلع على الرواية.. وهي لا تتحدث بلغة صعبة، بل إنها بالكامل يمكن أن تُضاف إلى سلسلة الأعمال الشعبية، فاللهجة المستعملة في الحوار بسيطة جداً، والسرد القصصي بأسلوب بسيط للغاية يعتمد على المباشرة والسرد. كيف توفق بين الرياضة والأدب؟ - ليس الأمر بالصعوبة التي يتصورها البعض، فكلا الحقلين جزء من الحياة الاجتماعية، ولا أرى تضارباً كبيراً بين الاثنين، فكلاهما عمل إبداعي. وربما كانت الرياضة بالنسبة لي احتراف والأدب هواية. كيف كان تعاملك مع الناشر؟ - أعتقد أنني وفقت جداً في التعاون مع دار جداول، فقد كانوا محترفين جداً في تعاملهم وأمناء في عملهم، وقاموا بجهد كبير معي وتحملوا تدخلاتي العدة بصدر رحب. شكراً محمد السيف وعماد عبدالحميد، وهذا قليل في حقكما. ما العمل المقبل؟ - هناك رواية تحت الطبع عن طريق جداول أيضاً هي «لاشيء يهم.. لا شيء»... وأتوقع أن تكون جاهزة قبل معرض الكتاب الدولي بالرياض، وأعمل الآن على عمل روائي آخر اسمه «تين الشوك».