يُعتبر الطلاق من أصعب القرارات التي قد يتخذها المرء، ويعدّ صدمات جسيمة يتعرّض لها الإنسان، سواء كان متقبّلاً لهذا القرار أو رافضاً له. ووفقاً لإحصاءات الطلاق ودراساته العالمية، فإن وصول الطرفين إلى قرار الانفصال يعتبر أمراً نادراً، إذ أنه في الغالبية العظمى من الحالات يكون طرف واحد هو من توصّل إلى هذا قرار، وإن أكثر من 75 في المئة من الحالات تكون بطلب من المرأة، فيما يتردد الرجال غالباً في اتخاذ هذا القرار. وهو ما توصل إليه الدكتور سام مارغوليس بعد 30 عاماً أمضاها في دراسة العلاقات الزواجية، والتي وضع خلاصتها في كتابيه: «الدليل إلى طلاق متحضّر» و»الطلاق دون أن تخرّب حياتك». ويتحدّث خبراء وأكاديميون في الإرشاد الزواجي، عن أن الطلاق أحد الحوادث التي لا يمكن أن تقع فجأة، وأن الوصول إلى القرار النهائي يستغرق سنوات ربما تبلغ نصف سنوات العلاقة، حتى يتخذ أحد الطرفين قراره بالانفصال، ومردّ ذلك هو وجود مؤشرات خطيرة تنذر بعدم نجاح العلاقة، والتي لا يلقي لها طرفا العلاقة أو أحدهما بالاً، طوال سنوات الزواج. وتبلغ نسبة دقة التنبؤ بالطلاق، بناء على ظهور هذه المؤشرات، درجة مرتفعة. فمثلاً، الدكتور غوتمان الباحث والخبير في الإرشاد الزواجي في جامعة ويسكنسون، الذي أنشأ مع وزوجته «مؤسسة غوتمان للإرشاد الزواجي»، وألف أكثر من 40 كتاباً وأكثر من 2000 مقال أو شارك في تأليفها وساهم بها، وعمل مع آلاف المتزوجين والمطلقين، واضعاً خلاصة ذلك في كتبه مثل: «القواعد السبع الأساسية لزواج ناجح» و»ما الذي يجعل الحب يستمر» و»لماذا ينجح الزواج أو يفشل»، توصّل خلال ربع قرن من عمله إلى نسبة دقة تتجاوز 94 في المئة، حول انتهاء العلاقات الزوجية. ويتفق خبراء في الإرشاد الزواجي، على مجموعة مؤشرات للطلاق مع الاختلاف في التعبير، هي: 1 - البدايات المخيّبة للتوقعات، وهي التي يستكشف منها كل شخص تفكير الطرف الآخر، وتعاونه في تذليل العقبات التي تواجه الزواج، مادية كانت أم اجتماعية، وإظهار الدعم والتعاطف للآخر. كما تعني الرضا عن العلاقة الزوجية منذ بداياتها، وهل تم التعامل مع أي تجارب مخيّبة للتوقعات، أم أهملت وبقيت كذكريات سلبية؟ 2 - معوقات التواصل الأربعة، وتعبّر عن التفاعلات السلبية الأكثر خطورة، وهي: النقد: طبيعي أن يقع خلاف بين شخصين يعيشان تفاصيل الحياة اليومية معاً، ولكن هناك فرقاً كبيراً بين انتقاد الشخص وانتقاد السلوك. فعندما تنتقد شريكك لأنه لم يحضر اجتماعاً في مدرسة طفلك، بقولك: «أنت لم تحضر اجتماع المدرسة، وهذا فوّت علينا معرفة أداء الطفل ومشاكله». فهذا أمر طبيعي ومقبول، ويبقى في دائرة احترام الشخص، أما حين تقول له: «أنت لا تهتم بأبنائك ولا تقوم بواجباتك»، فهذا هو النقد الذي يجرح الشخص ويشكك فيه، وتكراره مدمر للعلاقة الزوجية. الاستهزاء والتهكمّ، وهو التعليق التهكمي على الشريك ودوره في الأسرة، والتقليل من شأن اهتماماته وعمله وأصدقائه أو القضايا التي تشغله، أمام الأطفال أو الآخرين في شكل مثير للسخرية أو الانتقاص والتشكيك. الدفاعية، وتعني اتخاذ دور دفاعي كلما عبّر الشريك عن تحفّظه على موضوع معين، والمسارعة بإلقاء اللوم عليه، بدلاً من الانفتاح على مناقشة الأمر وحلّ المشكلة. التجاهل وعدم الاهتمام، ويأتي في مراحل متقدّمة، ويقصد بها عدم إبداء الشريك لأي رد فعل، ودخول مرحلة التجاهل بحيث يرفض النقاش، ويشعر بعدم الجدوى، وينظر إلى مكان آخر حين يتحدّث إليه الطرف الآخر، أو يطأطئ رأسه وينشغل بأمر آخر. 3 - الانفصال العاطفي وصعوبة التعبير عن المشاعر، وهي النتيجة الطبيعية للعلاقات التي يكثر فيها النقد ولا تُحل فيها المشاكل، ويستمر فيها الطرفان في لوم بعضهما بعضاً، وعدم الشعور بالرضا والإشباع النفسي والجسدي. 4 - تراجع العلاقة الجنسية، ويقصد بها فقدان الشعور بأن العلاقة تعزز الارتباط العاطفي، وفقدان الشعور بالمتعة واللذة النفسية المصاحبة لها، وتباعد فترات الممارسة، أو أن تصبح بطلب أحد الطرفين، وليس برغبتهما، وتراجع مدة العلاقة، حيث يعتبر تراجع العلاقة الجنسية مؤشراّ على تدهّور مضطرد في العلاقة العاطفية. 5 - زيادة التركيز خارج الزواج، سواء كان ذلك بالتركيز على الأبناء أو العمل، وعدم الاهتمام الكافي بالعلاقة الزوجية، أو البحث عن أسباب خارجية لمشاكل الزواج، وعدم التركيز على حل مشاكل العلاقة. 6 - الذكريات السلبية: إن تدهّور العلاقات ليس مؤشراً فقط على سوء مستقبل العلاقة، بل يرى غوتمان أن ماضي العلاقة أيضاً أصبح في خطر، فهو يقول عندما تسأل المتزوجين في السنوات الأولى، عن الخطوبة تجد كلاماً جميلاً لا يمكنك من خلاله التنبؤ بمشاكل. وهم غالباً يميلون للنظر إلى الأيام الأولى بحب وفخر، وعندما يقعون في المشاكل سرعان ما يهرعون إلى هذه الصور والذكريات لحل المشكلات، وهم لا يدركون أن هذا الأمر سيصبح سبباً للذكريات السيئة، وسيعودون لتذكّر التفاصيل السلبية التي لم يكونوا يتطرقون إليها، كتأخر أحدهم أو انشغاله بأصدقائه أثناء حفل الزواج، والخبرات الصعبة التي لم يكن أحدهم داعماً فيها للآخر، حيث تعاد كتابة تاريخ العلاقة بما هو سيء فيها، وبذلك تنهار أيضاً صورة الماضي الجميل. 7 - فشل محاولات الإصلاح، إذ تسهم العوامل المذكورة مجتمعة بإمكان حدوث الطلاق بنسبة 85 في المئة وفقاً لأبحاث غوتمان ومارغوليس، إلا أن فشل محاولات الإصلاح يجعل هذه النسبة تتجاوز ال90 في المئة. ويعبر مصطلح فشل الإصلاح عن استمرار التفاعلات السلبية، وعدم نجاح أي جهد للتغيير في سلوك أحد الشريكين، سواء كان ذلك برفض الإصلاح والاستمرار في إلقاء اللوم، ورفض الذهاب إلى مستشار أسري، أو عدم نجاح الإرشاد الأسري في إنقاذ الزواج نتيجة مقاومة الطرفين أو أحدهما لأي تغيير أو إصلاح.