فرحان بن سالم العنزي يعمل الزواج على تحقيق مجموعة من الحاجات النفسية والبيولوجية والاجتماعية، من بينها: تكوين الأسرة، وإنجاب الأبناء، وتحقيق الاستقرار النفسي والاجتماعي، وحماية المجتمع، وغيرها من العوامل التي تجعل الزواج مطلباً أساسياً وضرورة اجتماعية تتفق مع المنطق والفطرة السليمة. ويصنف علماء النفس، الزواج كأحد معايير السواء والصحة النفسية لارتباطه بمهام أساسية لا يمكن تحقيها عبر وسائل أخرى بشكل منتظم، وبطبيعة الحال فإنه يلزم أن يكون الزواج ناجحاً حتى تتحقق الأهداف المرجوة منه، وفي هذا الشأن تشير الدراسات النفسية الأسرية إلى أن الطريق إلى تحقيق علاقات زوجية تحظى بقدر كبير من التوافق يبدأ ببوابة الاختيار الزواجي، تلك العملية التي يبنى عليها تحديد وقبول شريك الحياة الذي يستطيع أن يتوافق مع خصائص الطرف الآخر وسماته النفسية والاجتماعية والشخصية. وتكمن فلسفة الاختيار الزواجي في توفير فرص متعددة تتفق مع طبائع البشر المتنوعة بما يتلاءم مع الأطر الشرعية والاجتماعية والثقافية في المجتمع، وقد وردت عديد من النصوص الشرعية التي تؤكد على توفير فرصة الاختيار في الزواج وتدعو إليه، منها: قوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) «النساء:3»، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم» وقوله عليه الصلاة والسلام: «تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك»، إضافة إلى بعض العوامل الثقافية والاجتماعية التي عملت على توفير فرص متعددة للاختيار الزواجي وجعلت الأفراد مؤهلين لممارسة أدوارهم في عملية الاختيار، مثل: زيادة الوعي، وانتشار العلم والمعرفة، والتنوع الثقافي والحضاري، واختلاف العادات والتقاليد في المجتمع الواحد وتطور وسائل الكشف عنها. إن مشكلة الاختيار الخاطئ في الزواج تكمن في ارتباط شخصيتين بشكل شبه دائم دون وجود الحد الأدنى من التوافق فيما بينهما، نتيجة وجود سمات شخصية متضادة، كالعلم والجهل، الصدق والكذب، الذكاء والغباء، أو سمات شخصية متنافرة، كالعصبية أو النرجسية، الأمر الذي يقود إلى مشكلات انفعالية متزايدة بين الزوجين غالباً ما تنتهي بانهيار الحياة الزوجية عن طريق الطلاق أو الانفصال العاطفي والمعنوي. ومن أجل تفادي مشكلات الاختيار الخاطئ في الزواج، كخطوة أساسية لتحقيق التوافق الزواجي، فإن عملية الاختيار الزواجي تستلزم القيام ببعض المهام الأساسية على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع، كمنظومة متكاملة، من أجل تحقيق توافق أفضل، ومن مهام الفرد المقبل على الزواج، الحرص على وجود قدر من التقارب مع الطرف الآخر في متغيرات مهمة كالالتزام الديني والمستوى التعليمي والمستوى الثقافي «وجود أرضية مشتركة من الثقافة – قدر متقارب من الرؤى والتصورات عن المجالات المختلفة في الواقع والحياة – جانب من الاهتمامات المشتركة – عدم وجود بعض العادات والتقاليد المتعارضة»، ويعدُّ المستوى العمري من أهم المتغيرات التي يحرص على وجود التقارب فيها لاختلاف السمات النفسية والاجتماعية والجسدية تبعاً للمرحلة العمرية، حيث توصي الدراسات النفسية الأسرية بأن لا يزيد الفارق العمري بين الطرفين عن عشر سنوات لصالح الرجل، ويفضل أن يكون في حدود خمس سنوات. كما ينبغي على الفرد المقبل على الزواج معرفة جميع التفاصيل المهمة عن الطرف الآخر، مثل: سمات الشخصية، وطبيعة العمل، ومصادر الدخل، ومستوى الطموح، والتاريخ الصحي والاجتماعي. كما يلزم استقاء معلومات الزواج من مصادر موثوقة وعدم الاكتفاء بمصدر وحيد للمعلومة، والاستفادة من الخبرات والاستشارات المتاحة و الابتعاد عن المجاملات والتأثيرات الخارجية، وتحديد احتياجاته من الزواج، والبحث في ضوئها عن شريك الحياة. والابتعاد عن التكلف في المواصفات المطلوبة، فقد تبدو بعض المواصفات جيدة ولكن قد لا تتوافق مع احتياجات الزواج. وللأسرة أدوار فاعلة في دعم عملية الاختيار الزواجي السليم من خلال التنشئة على حرية الرأي وتقبل الرأي الآخر، وتقديم الاستشارات والخبرات التي تساعد في عملية الاختيار بشكل موضوعي، وتصحيح بعض الأفكار والمفاهيم الخاطئة حول موضوع الاختيار الزواجي، وكذلك إتاحة الفرصة لجميع أعضاء الأسرة الراغبين في الزواج للبحث عن ما يناسبهم دون ممارسة أي ضغوط.كما أن للمجتمع مهام رئيسة وجوهرية في تيسير عملية الاختيار الزواجي وإيجاد البيئة المناسبة لتحقيقها من خلال سن القوانين والتشريعات التي تضمن حصول الأفراد على قسط وافر من المعلومات حول موضوع الاختيار الزواجي، مثل: اعتبار الحصول على دورات تثقيفية حول موضوع الاختيار الزواجي شرطاً لإتمام إجراءات عقد الزواج. إن بناء الأسرة على أساس من الحب والتفاهم والتقبل بين الزوجين، وتحقيق سبل الصحة النفسية للزوجين وأبنائهم في المستقبل، والعمل على زيادة فرص نجاح الزواج، والارتباط بالشريك ذي السمات والميول التي يستطيع الفرد التعايش معها، تعدُّ أهدافاً جوهرية لعملية الاختيار الزواجي، ويمكن تحقيقها عند توفير الفرص الحقيقية لتحقيق المهام السابقة. وقفة: نبذ العادات والتقاليد التي تعيق الحصول على المعلومات الخاصة بهدف الزواج، يعدُّ خطوة مهمة في إيجاد رؤية واضحة تكتمل من خلالها أركان عملية الاختيار الزواجي.