إنها الكلمة الأعلى رواجاً وحروفها الأكثر شيوعاً وسيرة صاحبها الأغلب انتشاراً وحياته الأثمن قيمة ومساره الأوفر بحثاً وقراره الأسخن حرارة. حرارة المشاعر التي يتحدث بها طرفا النقيض عنه تكاد تصل حد الغليان، لكن أحدهما غليان يؤدي إلى حب متفجر وود متأجج وأمل متأصل، والآخر غليان يتطاير شرره غضباً وتتوغل ألهبته حرقاً ويتطاير رماده كمداً. «السيسي» لم يعد وزير دفاع خلّص مصر من قبضة مكتب الإرشاد، أو سلب الحكم من قبضة «الأخوان»، أو كسب حب ملايين المصريين، أو جذب حنق كوادر «الأخوان» ومن ثم بات عدو قواعد الجماعة، بل هو كلمة سر مستقبل مصر «نحو آفاق النور» أو «باتجاه غياهب الظلام»، وهو مفتاح الجنة لبعضهم والطريق إلى جهنم لآخرين. آخر ما كان يتوقعه المصريون أن يحلموا بأن يكون أحدهم رئيساً لبلادهم، وليس العكس. وآخر ما كانوا يتصورونه أن يشتروا صوره طواعية ويتبرعوا من أموالهم لكتابة لافتات تشكره وأخرى تبجله وثالثة تعظمه. وآخر ما كانوا يخططون له أن يشنوا الحملات ويؤسسوا الحركات لا لمناهضة ترشح هؤلاء أو لمجابهة طموح أولئك، بل لمطالبة هذا بأن يكون رئيسهم. وآخر ما كانوا ينوون عمله أن يمتنع أحد عن الترشح، فيقررون إجباره ويتبنون إكراهه في حال امتنع أو رفض. «الرفض ممنوع والامتناع مكروه. لن نسمح إلا بترشحه. هو أملنا الوحيد ومخرجنا مما نحن فيه»، كلمات تبدو غريبة لكنها باتت مألوفة، ونيات تبدو مصطنعة، لكنها طبيعية، ومواقف ظاهرها حب وود للشخص المقصود، لكن باطنها إنقاذ لما يمكن إنقاذه من الوطن المسلوب. ومنذ سلب «الأخوان» المصريون مصر التي عرفوها حيث تهديد مرة بدولة دينية رأسها المرشد، ووعيد مرة بخلافة إسلامية لا تعترف بحدود ولا تعتني بمواطنين، وتلويح دائماً بأن زمن «الأخوان» لا يعترف إلا بالجماعة، وشعور تنامى في داخل كل مصري غير منتم إلى التنظيم بأنه يجري سلب الوطن شكلاً وموضوعاً. وبدل التحليق في آفاق الأفلاطونية الثورية حيث الاختيار بين دولة ليبرالية أو اشتراكية أو رأسمالية أو وسطية أو خليط بين هذا وذاك أو كوكتيل من كل ذلك، بات الاختيار بين دولة أو لا دولة. شبح اللا دولة الذي نزل المصريون في 30 حزيران (يونيو) الماضي لإبعاده والذي أجهضه الجيش بات الوجه الآخر لشخص وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي، وهو ما يفسر رفع الملايين صورته من دون حسابات سياسية وهتاف الملايين باسمه من دون تخطيطات ثورية ودعاء الملايين لحياته بلا ترتيبات مستقبلية وحلم الملايين به رئيساً من دون حساب لهتاف «يسقط حكم العسكر» أو «لا دينية ولا عسكرية» ولا شرعية «سيسي خائن» أو «سيسي قاتل»، ولم يبقوا سوى مساحة واحدة تتسع ل «سيسي رئيسي». كلمتان تصادف بينهما سجع وجناس ويحلم مرددوهما بأن يكون بينهما تطابق كذلك. لكنهما كلمتان تثيران لدى ذكرهما في نفوس آخرين غضباً وحنقاً وجنوناً وخراباً، فما بالك بتفعيلهما؟ ولت مرحلة شخبطات «سيسي خائن» الجدارية ومحطة «شبيحة السيسي» و «كتائبه» الهتافية، إذ قوبلت الأولى بدهان شعبي وجد بعضه طريقه إلى رؤوس وأيادي «الأخوة» و «الأخوات»، وجوبهت الأخيرة بلجان شعبية وجهود شارعية لتفريق «الناس بتوع ربنا» إما شتماً وضرباً، أو طماطم وبيضاً، أو منعاً وحسماً. ودخلت مواجهات «سيسي يا سيسي مرسي رئيسي» و «مرسي يامرسي سيسي رئيسي» مرحلة الحسم المصاحبة لتفعيل الخطوة الأولى من خطوات خريطة الطريق التي تعني ضربة قاضية للجماعة، وخنقة صائبة للتنظيم، وكلمة «النهاية» للتأسلم. لكن النهايات السريعة أمر غير وارد، والشفافية والمكاشفة والمصارحة غير ممكنة، وحلبة الصراع تضيق لكنها تحتدم. ومعها تحتدم هوجة الإشاعات وتتحرق موجات التكهنات وتشتعل بورصات التوقعات. «السيسي يترشح للرئاسة»، «السيسي لن يترشح للرئاسة»، «ترشحات الرئاسة تتضمن السيسي»، «ترشحات الرئاسة خالية من السيسي»، «مصر تستعد للسيسي رئيساً»، «مصر لن تقبل بالسيسي رئيساً»، «إعفاء السيسي من منصبه استعداداً لترشحه للرئاسة»، «لم يتم إعفاء السيسي من منصبه»، «توقعات بإعلان ترشح السيسي للرئاسة قبل الاستفتاء»، «تنبؤات بإعلان ترشح السيسي للرئاسة أثناء الاستفتاء»، «تصورات بإعلان ترشح السيسي للرئاسة بعد الاستفتاء»، «تأكيد ترشح السيسي للرئاسة أنهى الإشاعات»، «نفي تأكيد ترشح السيسي للرئاسة فتح باب الإشاعات»، «لا بديل عن السيسي»، «لا بديل عن أي مرشح آخر غير السيسي»، «أتمنى أن يكون رئيس مصر المقبل هو السيسي»، «أتمنى ألا يترشح السيسي للرئاسة»، «سيسي وطني»، «سيسي قاتل»، «سيسي أمل مصر»، «سيسي كابوس مصر». كوابيس وأحلام وأضغاث أحلام وأمنيات وآمال تدور كلها حول السيسي. تلال من التحليلات السياسية وأطنان من التفسيرات الاستراتيجية وأكوام من التبريرات الشخصية تدق على رؤوس المصريين على مدار الساعة. الغالبية تدور في فلك واحد لا ثاني له «الأمل الوحيد لمصر هو أن يكون السيسي رئيسها» حيث آراء الساسة ومواقف الخبراء وتحليلات الأكاديميين، وقلة تدور في دائرة واحدة لا جديد فيها قوامها «سيسي خائن» حيث حلم الجماعة المجهض وأمل الأخوة المبطل وهدف التنظيم المقوض. وبينما تملأ الجماعة الأثير «الأخواني» والأفق التنظيمي والصدى الإقليمي والتخطيط الدولي بهتاف «عماد الثورة الأخوانية» المناهض للجيش في صورة السيسي والمعادي للأمن في هيئة الداخلية والمفتت للوطن عبر الشعب، وتولول الحرائر نائحات مطالبات بإسقاط رجال الجيش ومعددات مناديات بقتل رجال الداخلية وصارخات سابات للشعب بطوائفه، ملأ المصريون الأثير المصري والأفق المحلي والصدى الشارعي والتخطيط المستقبلي بكيانات بعضها عنكبوتي وبعضها عبر لافتات الشارع لكن يظل أغلبها حبيس الصدور ساكن القلوب مسيطراً على العقول. «ليس حباً في السيسي، وإن كنت أحبه، لكن حباً لمصر. لن تقوم قومة مصر إلا به رئيساً ولو لفترة واحدة»، كلمات محافظة ومشاعر محسوبة وغايات مدروسة يتحدث عنها المهندس السبعيني المتابع للأمور. لكن تظل الكلمات المتحررة والمشاعر المتدفقة والغايات غير المحسوبة هي السمة الأغلب. «أفوضك ياسيسي» و «مش بمزاجك» و «كمل جميلك» و «غصب عنك» و «تنصيب السيسي رئيساً للجمهورية» وغيرها العشرات من الحملات والمئات من الصفحات والآلاف من اللافتات والملايين من القلوب والعقول المتعلقة ب «السيسي رئيسي» ربما حباً في السيسي ولكن تأكيداً حباً في الحياة التي يهددها «الأخوان» وتعلقاً بالآمال التي وأدها الأخوة وتشبثاً بمصر البهية التي سوّدت عيشتها الحرائر.