ليس غريباً أن يكون معظم واجهات المكتبات في لبنان مزيّناً بكتب الأبراج والتنبؤات، فهي الأكثر مبيعاً من دون أي منافس في مختلف معارض الكتب ولدى المكتبات المحلية. ولم يعد مفاجئاً أن تصبح الشاشات التلفزيونية منبراً للمنجّمين وال»مستلهمين»، فمثل هذه البرامج هي الأكثر جذباً للمشاهدين خصوصاً خلال بداية السنة حيث يتجمهر الساهرون بإنتظار توقّعات العام الجديد. وإذا كانت هذه الظاهرة تطاول فئات محدّدة كربّات المنزل أو الأشخاص الذين يؤمنون بحقيقة تأثيرات الفلك على سلوك الإنسان، فهي اليوم تخرق كلّ الفئات من دون إستثناء، وخصوصاً الشباب الذين يبدون إهتمامهم أكثر فأكثر بمعرفة حظوظهم والطالع والتنبؤات المستقبلية على رغم انّهم في مرحلة التأسيس في حياتهم وكلّ الخيارات ما زالت مُتاحة أمامهم. يتصفّح الشاب الجامعي هادي حنين كتاب الأبراج لعام 2014 وقد إشتراه منذ أسبوعين ليبدأ بالتحضّر للعام الجديد، على حدّ قوله. يبحث عن برجه، ويتابع مجريات الأحداث بحسب الأشهر ليستنتج أنّ عامه سيكون مليئاً بالضغوط والمشكلات مع وجود بعض الإنفراجات. وعند سؤال هادي عن سبب لجوئه الى مثل هذه الكتب، يقول: «أنا أتخرّج هذا العام وأخشى أن ألتحق بصفوف العاطلين من العمل، لذا تجذبني هذه السنة الأبراج والتوقّعات على أمل أن تكون هناك لمحات أمل في عامي المقبل». كما يهتم هادي بالإستماع الى توقّعات الأشخاص ذوي الإلهام، وقد باتوا كثراً على الشاشات المحلية ليستمع خصوصاً الى ما يرتبط بالإقتصاد الوطني وإذا كانت هناك أي إنفراجة كبيرة. ومثل هادي عشرات الشباب الذين يكسرون الصورة النمطية المرتكزة على فكرة أنّ الفتيات هن اللواتي يهتممن بالتوقعات لكشف حظوظهن العاطفية تحديداً، إنما أصبح هذا الإهتمام يطاول الذكور كما الإناث، فالكلّ يبحث عن فرصة ما تأتي من المجهول بما أنّ لا فرص كبرى مُتاحة واقعياً لهم كلّهم. وتقول الشابة نادين حاوي في هذا السياق، وهي تصف نفسها بأنّها متابعة دائمة للتوقّعات والتنبؤات، أنّ لا أحد من السياسيين يعطي جواباً واضحاً عمّا سيحصل وكيف سيكون الوضع الأمني والسياسي والإقتصادي. لذا فإنّ الإستماع الى الأشخاص الذين يدّعون الإلهام أفضل من إنتظار خطابات السياسيين، على حدّ قول نادين التي تؤكد أنّ الكثير من التنبؤات تصحّ ربما بالصدفة أو بالبحث المسبق لكن أقلّه «هناك من يعطي أجوبة للبنانيين الذي يعيشون في خوف دائم من الغد». ظاهرة الإدمان على قراءة كتب الأبراج ومتابعة كلّ «الإلهامات» والتنبؤات الجديدة باتت منتشرة في كلّ المناطق اللبنانية، وحين وصلت الى فئة الشباب التي تكون غالباً بعيدة عن هذه الأفكار بسبب الإنشغال بالعمل أو الدراسة والتأسيس للمستقبل، زاد خطرها على المجتمع اللبناني. وبحسب المحلّلة النفسية لينا عوض، هناك تأثيرات سلبية كبيرة تنجم عن هذا التعلّق، خصوصاً لدى الشباب، ف»علم النفس الحديث يحذّر من بناء الحياة على أساس التوقّعات ومحاولة معرفة المستقبل، لأنّه في حال لم ينجح التوقّع يصاب الشخص بخيبة أمل كبرى ما يوّلد لديه الإحباط، لا بل الإكتئاب أحياناً كثيرة» كما تقول عوض. وتؤكد المحلّلة النفسية أنّ ما يحدث اليوم بين الشباب هو إتّباع سياسة الهروب من الواقع الذي يولّد لديهم الكثير من الكآبة فيحاولون التعلّق ب»حبال الهواء» بحثاً عن مخرج. وتؤكد عوض أنّ متابعة الأبراج والتنبؤات وغيرها من الأمور التي تعتمد على مفهوم التوقّع، يمكن أن تصبح حالة من الإدمان حين لا يتحرّك الشخص إلا بناء على ما يقوله له المنجّمون في كتبهم أو عبر البرامج التلفزيونية. وهنا يجب على المحيطين بالشاب أو الفتاة أن يتدخّلوا ليمنعوا الإنغماس الزائد في هذه الظاهرة التي يمكن أن تعطّل الكثير من جوانب الحياة. وتعطي المحلّلة النفسية مثالاً على ذلك قول أحد المبرّجين لمواليد برج معيّن أنّ هذه السنة ستتكسّر فيها الأحلام و»لا تدخل في مشروع مهمّ لانّه لن ينجح»، وهنا يمكن تصوّر مدى التأثير النفسي للتوقّعات على الشخص المتلقي. إضافة الى ذلك، يجب الأخذ بعين الإعتبار مدى سوء هذه الظاهرة حين يستمع الشاب أو الفتاة لأكثر من منجّم أو «مستلهم» فيشعر بالضياع وصعوبة إتخاذ قرار كما تقول عوض. وبالتالي، فإنّ هذه الظاهرة لا يمكن التعاطي معها ببساطة واعتبارها عابرة وغير مؤثرة، ففي مرحلة الشباب يمكن التعرّض للكثير من التأثيرات لكن بعضها يغيّر مجرى الحياة كلّها ما يعزّز الحاجة الى استراتيجية وقائية من التوقّعات والتنبؤات خصوصاً حين تكون حاملة لجرعة كبيرة من السلبية.