تجزم سمر عبد الحسن بأن العرافة التي ترتاد بيتها بين الحين والآخر هي الأفضل بين المنجمات في بغداد، وهي تقنع جميع صديقاتها اللائي يعانين من مشكلات خاصة بمراجعتها والاطلاع على ما يخبأه لهن القدر. سمر أدمنت استشارة العرافات في كل شاردة وواردة في حياتها، بدءاً بالسؤال عن نتيجة الامتحانات وتوقعات التنجيم لطبيعة الأسئلة الامتحانية، مروراً بقضايا العمل والكشف عن منافسيها فيه، وانتهاء بالتنقيب في مشاوير زوجها المريبة التي تدفعها الى الشك فيه. «الحياة من دون عرافة كالطعام من دون ملح»، تقول الشابة الجميلة التي لم تتجاوز ربيعها الثالث وباتت لا تتخذ قراراً في حياتها من دون الرجوع الى تلك المنجمة الشهيرة. تقول سمر إنها كانت في المدرسة الثانوية حينما زارت بيت احدى العرافات للمرة الأولى مع مجموعة من زميلاتها بعد تطوع احداهن لاصطحاب الجميع الى «ام رفيق العلوية» التي تكشف الطالع والمستور. وتضيف: «شاع بين الطالبات ان تلك المرأة تنبأت بأسئلة البكالوريا لطلاب المرحلة التي سبقتنا، فأردنا ان نجرب حظنا وتمكنا حينذاك من الحصول على سؤالين في إحدى المواد. لكننا اكتشفنا لاحقاً ان المرأة تحصل على الأسئلة بالتواطؤ مع أحد اقاربها العاملين في وزارة التربية والذي يسرب اليها الأسئلة قبل الامتحان ويتقاسم معها المبالغ التي تحصل عليها نتيجة ذلك التنبؤ المزعوم، وهي ليست مبالغ قليلة». اكتشاف خدعة أم رفيق لاحقاً وافتضاح امرها بين الجيران والمعارف، دفعاها الى مغادرة الحي الذي كانت تقطنه والسكن في مكان آخر. لكن سمر لم تتعلم من تلك الخدعة، وتقول ان العرافة التي تراجعها اليوم هي الأكثر فهماً لمشكلاتها والأكثر قدرة على معالجة الكثير منها. وتضيف: «راجعت عشرات المنجمات لاحقاً مع صديقاتي في الجامعة والعمل، لكني اليوم لا اراجع غيرها». اصرار سمر على مراجعة ممتهنات قراءة الطالع وكشف المستور ينتشر بشكل مماثل بين الآلاف من الفتيات البغداديات اللواتي بتن يعانين الإدمان على هذا السلوك وأصبحن يتفاخرن في ما بينهن بزيارة المنجمات. الإقبال على العرافات دفع كثيرات منهن الى رفع لافتات للدعاية لأنفسهن تحت عناوين مختلفة، مثل «القدرة على إخراج الجن من الجسد» و«معالجة المشكلات النفسية للشباب المسحورين» ومثلهن فعل المنجمون الرجال. وتضم الشوارع الفرعية لمنطقة الكاظمية مجموعة من هذه الإعلانات، وهي منتشرة بين المنازل وعند تقاطعات الطرق، وتحمل رسوماً ورموزاً خاصة يستخدمها المنجمون، فيما يحمل بعضها الآخر خرائط فلكية دعماً للإعلان. والفتيات اللواتي كن يراجعن العرافات خفية في ما مضى، بتن يتحدثن علناً عما تحدثت به هذه العرافة او تلك عن حياتهن ومستقبلهن، وعن الأعداء الذين حذرتهن منهم. ولا يقتصر هذا الاقبال على العرافات وجلسات التنجيم على الفتيات وحدهن، فالشباب أيضاً لا يقلون اهتماماً عنهن بهذه الظاهرة الآخذة في الانتشار، حتى إن بعضهم لا يخطو خطوة في حياته من دون استشارة المنجم أو المنجمة. ويعمد بعض الشباب الى إرسال زوجته الى العرافة الفلانية لمعرفة رأيها حول مشروع ينوي الإقدام عليه او مشكلة يواجهها في العمل. وحظي العرافون بشهرة واسعة بين الشباب، بل إن بعضهم بات يقوم بمعالجة المشكلات النفسية أو ادعاء العلاج بطريقة اطباء الأمراض النفسية، فالاستهجان الذي يواجهه الشاب حينما يعلن انه زار احدى عيادات الطب النفسي بحجة انه لم يصل الى مرحلة تستدعي ذلك يتحول الى استحسان وقبول عندما يقرر اللجوء الى أحد العرافين لحل مشكلته.