لا أتحدث هنا عن ديموقراطية الغرب ولا الشرق ولا ديموقراطية النظم العربية الآفلة بل عن ديموقراطية الإسلاميين، وأختصر القول في حكمها أنها غير ممكنة على أرض الواقع، وهذا قبل أن تبحث شرعياً فجميع القوى الداخلية والخارجية لن تسمح أبداً بهذا النموذج الهجين الذي يريد أن يأتي بالإسلام عبر صناديق الاقتراع ويريد أن يصبغ الشعب بصبغة ليس لها لون مميز واضح المعالم لا يمكن هذا إلا في الأذهان، أما في الخارج فلا. الدولة المدنية شيء والشريعة الإسلامية شيء آخر الدولة المدنية لا تقبل الإسلام ولا حتى المحاصصة في أحسن حالاتها. إن قوى العالم لا تريد الإسلام إنها حرب على الإسلام وستظل المملكة العربية السعودية نموذجاً فريداً تضافرت أسباب وظروف عدة والتوقيت في ظهوره على السطح كنموذج لدولة إسلامية ولن يتكرر هذا النموذج إلا بالقوة لا بصناديق الاقتراع ولا بالبرلمانات. لقد دوخ الملك عبدالعزيز الجزيرة بصولاته مع رفقته الذين يكبرون ويجاهدون ويبحثون عن الشهادة من مظانها، ولقد أعلن منذ دخوله للرياض أنه يسعى لإقامة دولة مسلمة تحكم بالكتاب والسنة وللخارج عليهما السيف بغض النظر هل كان هناك مطامع سياسية أم لا. المهم هذا الذي كان إنها فتنة المصطلحات فدائماً كانت المصطلحات مصدر النزاعات منذ ظهور طلائع الفرق الضالة في تاريخ العقيدة الإسلامية فراحوا ينحتون المصطلحات الوضعية فراراً من الأسماء الشرعية الحاسمة التي تسد الطريق أمام التصرف البشري والتعامل الفهلوي، إذ لا مجال للفهلوة ولا للعقول القاصرة في القضايا الكبرى التي لأجلها خلق الخلق. إن فوضى التعامل مع المصطلحات لا تزال تتكرر وتكرر معها الانشقاقات التي لا تردم، ومن هنا نبدأ في فحص مصطلح (الديموقراطية)، ونرد على من شبهها بالشورى، فديموقراطية الغرب شيء وشورى الإسلام شيء آخر وقبل الفحص لعلنا نورد جملاً وخطوطاً عريضة أو بالأحرى والأجدى نطرح أسئلة عن واقع أفراد الجماعة الإسلامية وما آلت إليه، والذي يبدو لي أن التفلُّت والتغير يعودان لأصل واحد وهو انطلاق معظم هذه الحركات من خلال قراءتها الخاصة للتاريخ والسنن، ومن خلال تجربتها الخاصة، مثلاً يذكرون أن العنف أصابنا بالتراجع والتدهور إذن نترك العنف ويذكرون أن هجر أهل الأهواء أو بغض الكافر أصابنا بالانكماش وفرض علينا عزلة اختيارية، إذاً فالتطبيع هو الحل، وهكذا يذكرون كل شيء إلا أمر الله ورسوله، والأَولى أن ينطلقوا من منطلقات النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنهج والدعوة والسياسة، لأنه ينطلق من منهج ثابت لا من واقع متغير. نعود للمصطلحات التي ذكرنا خطورة التلاعب بها والاستهتار في إسقاطها من دون محاولة جادة للفهم، إذ تنتزع من سياق وزمن لا يستويان مع الأرضية الثقافية والتاريخية لمنطقتنا، فهي تجلب لنا من المعامل الثقافية والسياسية الغربية وتجلب لنا معها الأغلال والدوائر المغلقة التي لا نزال ندور فيها متخبطين ومبررين لكل مصطلح دخيل ومحاولة لبس تلك الخلقان على التفاوت الظاهر بين مقاساتنا ومقاسات القوم. والذي يظهر أن مصطلح الديموقراطية مصطلح إعلامي أخذه الإسلاميون وغيرهم هذا المأخذ بأنه حكم الشعب لنفسه وأنه «الحرية–العدالة–المساواة» ضد «الكبت–الظلم–التمييز» إذاً هو أنشودة جميلة أخّاذة، ولو فككنا هذا المصطلح وبنياته وأرجعناها لسياقها التراثي الإغريقي وبعد ذلك نظرنا إليها في المجال السياسي الغربي لوقفنا على مدى الخلط وضرب السياقات والتراثات والمجالات بعضها ببعض. لقد اهتم المبشرون الأوائل بفكرة الديموقراطية في بواكير الاحتكاك والتعرف على الغرب الناجح المميز في مقابل الشرق المتخلف وكان لديهم حس إسلامي، فهم ابتلعوا المصطلح على أساس أنه صنو الشورى بل هو الشورى بعينها (الأفغاني ومحمد عبده)، وهكذا استمرت الحال إلى أن اشتد ساعد الموجة فصرح عرابوها في المنطقة بأن الديموقراطية غربية الجذور ويجب علينا أن ننسف البنايات العتيقة لنحل محلها المنتجات الغربية، والعجيب أنهم يصرون على تبيئة المفاهيم وعلى تحويرها لتناسبنا وتناسب واقعنا وتاريخنا ولكن هذه التبيئة وهذا التحوير ينبغى ألا يكون إلا بالآليات والمناهج والنظريات الغربية، والأعجب أن الإسلاميين اليوم يرددون وينادون بالديموقراطية من دون هذا اللف والدوران، بل ينادون بها كما هي في الغرب ولكن بشروط إسلامية تتناقض ومنادتهم وتردييدهم للديموقراطية، وأهم أشد الناس وهماً وتخبيصاً في التبشير والمناداة بالديموقراطية [email protected]