حيث إن «رابعة» باتت عصية والنهضة أصبحت بعيدة، ولأن «من ارتقوا» في التظاهرات السلمية ومن أصيبوا في المسيرات العاتية لم يفوا بالحاجة لخلق حالة من الغض الشعبي الهادر والانتفاض الدولي الهادف، ومن منطلق «الغاية (رغم محدوديتها) تبرر الوسيلة (مهما تدنيها)»، وبناءً على استمرار الرفض الشعبي لهطل «سيسي يا سيسي مرسي رئيسي» وتصاعد التطويق الأمني لحبات التظاهر المنثورة وسلاسل الثورة المحدودة، وبما إن غاية المنى إثارة الهرج وكل الأمل إشاعة المرج ومنتهى الرجاء إفساد البلاد وإلحاق الضرر بالعباد عملاً بالمبدأ الشمشوني الراسخ «عليّ وعلى أعدائي»، فإن أنظار الجماعة وأهداف «الأخوة» وغاية التنظيم ووجهة الأدوات الماريونيتية من «عماد الثورة» الأشاوس و «حرائر» الأخوات المؤمنات موجّهة ومركّزة على النقطة الصفر ألا وهي ميدان «التحرير»! الطريق إلى «التحرير» من مدينة طلبة جامعة الأزهر حيث يجاهد الأخوة بحرق المباني وكسر البوابات وتخريب الممتلكات يمر عبر كليات الطالبات حيث تكافح «الأخوات» بإلقاء المقاعد على رؤوس رجال الأمن مولولات تارة ومزغردات تارة وهاتفات الهتاف الدعوي الهادر «أزهرية إرهابية والفخر ليا الجهادية» تلتقي معه الطرق التي يسلكها المجاهدون في سبيل محمد مرسي والمكافحات من أجل الشرعية والشريعة قادمين من نقاط الالتقاء الكلاسيكية حيث مساجد الإخوان في حلوان والعمرانية وفيصل و6 أكتوبر والتجمع الخامس. طرق بات جميعها مصنفاً باعتباره «مناطق خطرة» أو «مكامن عنف» أو «احتمالات اشتباكات» في إطار محاولات المسيرات التوجه إلى «النهضة» بغرض التظاهر «السلمي» وخلع ما تبقى من بلاطات أرصفة وما تيسّر من أعمدة إنارة وأسياج حديد وكتل أسمنتية، أو العودة إلى «رابعة» حيث زمن الاعتصام الجميل من إقامة كاملة بالوجبات ووسائل الترفيه. لكن مع تكرار المحاولات الفاشلة واستنفاد مرات الرسوب المتكرر، وأمام دقات الساعة المتوالية مؤذنة بقرب ميعاد الاستفتاء على الدستور المعدل الملقب إخوانياً ب «دستور الانقلابيين» والمدعو من قبل «الأخوة» بدستور «البانغو» والمنعوت عبر «الحرائر» ب «دستور الرقاصين» والمصنّف حسب مشايخهم ب «دستور علمنة مصر» طرأ تغيير تكتيكي وحصل تحول جغرافي بتغيير للوجهة وتعديل للهدف مع صدور الأوامر بتكثيف المحاولات وتركيز الجهود على الحصول على قبلة الحياة متمثلة في «اقتحام ميدان التحرير». إلا أن ميدان التحرير تعلّم الدرس جيداً، ولم يعد هو نفسه من احتضن الشباب ورحّّب بالثوار وحمى الأحرار في يناير 2011. ولأنه «لسع من الشوربة» مرات حيث احتلته جموع البلطجية حيناً واغتصبته جمعات «قندهار» حيناً وغزته قوى متأسلمة متنكرة في زي ثوار حيناً فقد بات «ينفخ في الزبادي» حتى وإن كانت ثلّة من «عماد الثورة الإخوانية» أو عصبة من «طلاب ضد الانقلاب» أو مجموعة اختارت هتاف «يا عوض» لمحاولة اقتحام الميدان. اقتحام ميدان التحرير بات الآن كما يبدو وجهة لقواعد الإخوان، بحسب أوامر الجماعة. إحماء ليلة الخميس استعداداً لحلم الاقتحام نهار الجمعة كان هزلياً هزيلاً. ما لا يزيد على خمسين شاباً من «عماد الثورة الإخوانية» صالوا وجالوا في ميدان عبدالمنعم رياض المؤدي إلى ميدان التحرير لكنهم انسحبوا بعد عشر دقائق أدّوا خلالها «اسكتشاً كوميدياً»، إذ أخذوا يصيحون بكلمة السر «يا عوض» والمنتشرة بينهم على صفحاتهم وتغريداتهم. لكن الأكثر طرافة يظل كامناً في التغطيات «الإخوانية» للحدث الذي رغم تعضيده بصورة توضح تجمعاً هزيلاً في «عبدالمنعم رياض» جاء مفخماً معظماً مبجلاً باعتباره «تظاهرة حاشدة تكسر الحصار المفروض من قبل قوات الانقلاب على ميدان التحرير» قام بها «الأسود الذين دخلوا ميدان التحرير» والذي «اهتز بهتاف الأحرار». هفت الأحرار «يا عوض» وامتلأت صفحاتهم بالتكبير والتهليل والحمد لله سبحانه وتعالى لهذا الانتصار الكبير للأخوة وهذا الفتح المبين للأحرار. تقول كلمات الملصق العنكبوتي المصمم من قبل «طلاب ضد الانقلاب»: «يا عوووض! الغضب سينفجر كالبركان». وتقول كلمات الملصق الغرافيتي المكتوب من قبل أصحاب المحلات التجارية والمصالح المختلفة في ميدان التحرير: «ممنوع دخول الإخوان». ويقول لسان حال سكان الميدان والمارة في المكان والمرابطين في شارع طلعت حرب منذ زمان محاولات دخول «أنصار الشرعية والشريعة»: «دعهم يقربون وسنلقنهم درساً». لكن الخوف كل الخوف من تلقين الدروس المتبادل بين المصريين، والقلق كل القلق من «النزعة الكربلائية» المتمكنة من كوادر الجماعة والهادفة للمضاربة الحلال بدماء الطلاب، والإتجار المشروع بسجن الحرائر، والعرض المسموح ل «سلمية» الأخوة على متن «الجزيرة» بهدف استعادة الحلم المنهوب واسترجاع الحكم المسلوب. وما زال هناك بين المتعاطفين والمحبين والمصنفين تحت بند «لست إخواناً لكن أحترمهم» من يؤمن بأن محاولات القواعد اقتحام التحرير اليوم «للمطالبة بإنهاء الانقلاب وعودة الشرعية والإفراج عن المعتقلين والقصاص للشهداء» غايات سامية وأهداف نبيلة. وتظل حقيقتا استحالة عودة عجلة الزمن للوراء عصية على فهم القواعد، ومطالبة التنظيم بالاعتراف بلفظ الشعب له، هما السائدتان. ويظل التصعيد «السلمي» لجماعة «الإخوان المسلمين» هو شعار المرحلة الآنية حيث تغيير الوجهة من «رابعة» المتأسلمين إلى «تحرير» المصريين، وبذل الغالي والرخيص أملاً في سقوط شهيد هنا أو سجن حريرة هناك وذلك لحين الوصول إلى موعد الاستفتاء على الدستور، فإما إفشال للتصويت ونشر للترهيب وبث للفوضى ومن ثم نصر إخواني، وإما إنجاح للتصويت وترسيخ لخريطة الطريق، ومن ثم نصر مصري. وفي حال نجح المصريون، فإنه سيتوجب على الجماعة إحداث تغيير نوعي جديد، وتخطيط لوجستي مغاير حيث طوفان غضب مختلف، وارتقاء شهيد جديد، وحشد حرائر فريد، ونعت للشعب من جديد باعتباره من العبيد ونداء «كودي» بديل ل «يا عوض» مع اقتراح من مواطنين مصريين للإخوان بأن يكون «العوض على الله»!