اختارت حكومة إسرائيل جولة وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في المنطقة، موعداً لتفجير قنبلتها السياسية الجديدة، بمصادقة أكثرية الوزراء في اللجنة الحكومية لشؤون التشريع، على مشروع قانون لضم منطقة الأغوار الفلسطينية المحتلة إلى السيادة الإسرائيلية وفرض القانون الإسرائيلي عليها، كما هي الحال في القدس والجولان المحتلتين، بما يضمن وضع عراقيل جديدة أمام أية حكومة اسرائيلية تفكر في التنازل عن المنطقة. القانون أثار عاصفة من النقاش الإسرائيلي الداخلي وردود فعل دولية تنذر بالمزيد من عزلة إسرائيل في ظل رئيس حكومتها بنيامين نتانياهو. وعلى رغم الترويج الإسرائيلي بأن الحفاظ على منطقة غور الأردن، هدف استراتيجي لضمان أمن أسرائيل، إلا أن مسؤولين أمنيين وعسكريين وخبراء يؤكدون أن لا حاجة لاحتفاظ إسرائيل بهذه المنطقة. ومنطقة غور الأردن تشكل أكثر من ربع الضفة الغربية وتطمع فيها إسرائيل بدعوى أنها تحتاج إليها لمنع هجوم «جحافل الجيوش العربية» من الشرق الأردني لاحتلال إسرائيل، وقد زرعتها بحوالى عشرين مستوطنة لفرض واقع على الأرض لكن المشروع فشل ولا يسكن في هذه المستوطنات سوى آلاف قليلة من الإسرائيليين. لكن طرح مشروع قانون ضم الغور جاء في وقت تزايدت مخاوف اليمين لدى قيام مجموعة من الجنرالات القدامى في الجيش الإسرائيلي بطرح دراسة باسم «مجلس السلام والأمن»، يؤكدون فيها أن غور الأردن لم يعد منطقة حيوية لأمن إسرائيل، خصوصاً في عصر الصواريخ وبعد انهيار الجيوش العربية في الشرق. التقرير أوضح حقيقة عدم وجود أية أهمية استراتيجية عسكرية للأغوار. معدو التقرير أشاروا إلى أنه حتى في السيناريو الأقل معقولية والذي يحاكي حرباً كلاسيكية تقليدية، فإن الغور لا يوفر عمقاً تستراتيجياً، وكتبوا في التقرير يقولون: - عرض إسرائيل مع منطقة الغور وفي المكان الأكثر ضيقاً لا يتجاوز خمسين كيلومتراً فقط. لذلك، فإن ثمة حاجة لرد آخر وهو ليس إقليمياً. - إذا تعين أن يوفر الغور رداً على هجوم عسكري بري، فإن المنطقة البالغة الأهمية لانتشار الجيش الاسرائيلي هي السفوح التي تقود إلى قمم الجبال. والانتشار هناك يحوّل الغور إلى مقتل القوة المهاجمة. - القوة الإسرائيلية التي ستمكث في شكل دائم في الغور ستكون بالضرورة محدودة الحجم، وموجودة في منطقة متدنية طوبوغرافياً، وتتعرض لخطر المحاصرة في شكل دائم. - توجد لخط نهر الأردن أهمية تتعلق بالحفاظ على الأمن ومراقبة الحدود في الفترات العادية وليس أكثر من ذلك. إفشال حل الدولتين اعتبر غور الأردن في الماضي، ذخراً أمنياً استراتيجياً لإسرائيل، وقد صيغ هذا التصور العام في وقت ما بعد خطة يغئال آلون (مطلع السبعينات من القرن الماضي) وانتهاء الحرب، حيث كانت إسرائيل تتحدث عن خطر تعرضها لتهديد وجودي من الشرق على هيئة آلاف الجنود والدبابات العراقيين الذين قد يتجهون إلى قلب إسرائيل. وبعد ذلك ب45 سنة تغيرت خريطة التهديدات ولم يعد تهديد غزو القوات المدرعة من الشرق موجوداً، والوسائل التكنولوجية الحديثة تُبطل قدرة العدو على المباغتة وإذا اضطر الجيش الإسرائيلي، فإنه يستطيع الوصول إلى كل مكان في الغور في وقت لا يزيد على نصف ساعة. اليوم بات الغور فارغاً، ليس فقط من المستوطنين الإسرائيليين، بل من كتائب سلاح المشاة والمدرعات أيضاً. فأكثر الجنود الموجودين في الغور مشغولون بمهمات أمنية على طول الجدار الحدودي، وهم مشغولون في الأساس بحراسة المستوطنين وتفتيش العمال الفلسطينيين عند الحواجز. فإذا اتُخذ قرار سياسي بالتقسيم إلى دولتين، فإنه يمكن الحفاظ على مستوى أمني يماثل الوضع الحالي بترتيبات أمنية مشددة على الحدود وإنشاء أماكن مراقبة إلكترونية ووجود قوات دولية عند المعابر. ومن المؤكد أنه لا يحتاج ذلك إلى ضم أراضي الغور كلها وإلى إبقاء مستوطنات هناك. لكن، يرى معارضو قانون ضم غور الأردن، أن أمن إسرائيل ليس المهم والأهم بالنسبة لصاحبة مشروع القانون، اليمينية المتطرفة، ميري ريغف، أمن المستوطنات كلها، وهو ما يدفع الداعمين لريغف إلى التجند لدعم المشروع باعتبار منطقة الغور ورقة لعب سياسية في محاولة لإعاقة اتفاق. وهم يعلمون أيضاً أن الغور خالٍ تقريباً، وأن قيمته الأمنية في الواقع الحالي غير مهمة، وهم يدركون أيضاً أن عدد المستوطنين في الغور قليل وأن أكثرهم سيوافق على الإخلاء مقابل اتفاق. لكن معارضي مشروع القانون يحذرون من أن اليمين يريد أن يصبح غور الأردن شريط الأمن السياسي للمستوطنين لضمان بقائهم فوق تلال الضفة الغربية، ومن هذا المنطلق يسعى اليمين إلى سن القانون. وفق معطيات المكتب المركزي للإحصاء يعيش في غور الأردن 6042 إسرائيلياً، وسجلت في العشرين سنة الأخيرة زيادة صغيرة على عدد المستوطنين في الغور بمعدل 60 شخصاً كل سنة، وهو ما يؤكد فشل المشروع الاستيطاني في الغور وأن الهدف من القانون هو دعاية سياسية يمينية مقطوعة عن الواقع غايتها إفشال احتمال حل الدولتين. واليمين بنفسه أهمل غور الأردن طوال الوقت وتركه لمستوطنين من اليسار. وفي آخر استطلاع رأي نشر في موقع «واللا» الإخباري، جاء أن 62 في المئة من هؤلاء المستوطنين مستعدون لترك المنطقة والعودة للعيش في إسرائيل في حال تحقيق السلام مع الفلسطينيين. المعطيات الإسرائيلية تشير أيضاً إلى أن عدد الفلسطينيين في الغور أكبر بعشرة أضعاف ويبلغ حوالى 65 ألف فلسطيني. وقد نجحت إسرائيل على مر السنين بتسجيل هذه الأرض في قائمة «أرض الدولة» ومناطق رماية ومحميات طبيعية، بهدف الاستيلاء على 77.5 في المئة من الأرض. إن الرفض الإسرائيلي للانسحاب من الغور تجاوز الخبراء واليمين إلى الحكومة الأسرائيلية التي أبلغت رسمياً الولاياتالمتحدة رفضها خطة الترتيبات الأمنية التي اقترحها جون كيري في شأن غور الأردن، معلنة أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية رأت أن خطة كيري لا تنطوي على ما يكفي لضمان أمن سكان إسرائيل. ويعني الرفض الإسرائيلي ازدياد فرص فشل التوصل إلى اتفاق. وقد شكل ملف غور الأردن أهمية في لقاءات كيري مع نتانياهو ورئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، وأوضح الإسرائيليون موقفهم عبر وزير الدفاع، موشيه يعالون الذي أعلن أن إسرائيل تصر على موقفها الداعي إلى نشر الجيش على طول المنطقة مدعياً أنه لا يوجد أي بديل للوجود العسكري الإسرائيلي في غور الأردن في سبيل الحفاظ على المصالح الأمنية الإسرائيلية. وفي رأيه، فإن الوسائل التكنولوجية، مهما كانت، لا تشكل بديلاً. الغضب الفلسطيني من مشروع ضم غور الأردن، والذي اعتبره أبو مازن، خطاً أحمر، ووجه بحرب إعلامية إسرائيلية دفاعاً عن احتلال الغور. جنرال الاحتياط عوزي ديان خرج بدفاع مستميت عن موقف اليمين الداعي إلى التمسك بغور الأردن معتبراً مسألة الحدود موضوعاً جوهرياً ونقطة خلاف أساسية بين إسرائيل والفلسطينيين، وأن كيري يعرف أن لإسرائيل حقاً مثبتاً، تاريخياً ودولياً، بالحصول على حدود يمكن الدفاع عنها. ويحدد ذلك القرار الدولي 242، وكذلك رسالة الرئيس بوش في عام 2004. كما وقع أعضاء حزبه على عريضة تؤكد أن إسرائيل يمكنها الدفاع عن نفسها بقواها الذاتية داخل حدود يمكن الدفاع عنها. ويضيف ديان: «أن الحاجة إلى حدود يمكن الدفاع عنها هي مسألة يتزايد طرحها على طاولة المفاوضات. فإسرائيل ليست ضعيفة بتاتاً، ولكنها دولة صغيرة ومساحتها ضيقة، ولذلك فهي عرضة للإصابة». وفي حملة دفاعه عن الغور يقول ديان: «إن نسبة 70 إلى80 في المئة من قوة الإنتاج الصناعي الإسرائيلية تتركز على امتداد قطاع ضيق، تسيطر عليه من الشرق هضاب الضفة الغربية. فإذا أخذنا في الاعتبار هذه الظروف الجغرافية – الاستراتيجية، وتاريخ العداء للدولة اليهودية، وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وتطورات السنوات الأخيرة، والتهديد الإيراني المتزايد والإرهاب غير المتوقف، فإن مخاوفنا ستكون مفهومة». ويدعو ديان إلى ضمانات أمنية لإسرائيل بينها: - ضمان عمق استراتيجي أساسي، وفي هذا الجانب يقول إن أهمية هذا العمق الاستراتيجي تكمن في عصر الصواريخ التي تهدد مركز إسرائيل والخطوات المطلوبة للتجنيد. لذلك، يتطلب الأمر توفير عمق أرضي وجوي، لنشر القواعد ومنظومات الإنذار والتصدي، وكذلك لعمل القوات النظامية للجيش التي ستضطر إلى العمل لفترة زمنية محددة حتى يتم تجنيد قوات الاحتياط، ليس في مواجهة القوات المعادية فحسب، وإنما لإسكات الصواريخ الموجهة إلى الجبهة الداخلية. ويزيد التهديد النووي الذي تشهده المنطقة من الحاجة إلى عمق استراتيجي لنشر منظومات الإنذار والتصدي. - الحفاظ على عمق دفاعي، يتيح إدارة حرب دفاعية ضد التهديدات الخارجية. ويرفض ديان القول إن إسرائيل لا تواجه خطراً من الجبهة الشرقية، مشيراً إلى أن الحرب الدموية في سورية لن تنتهي بتدمير أسلحتها الكيماوية، كما أن الأردن يعج باللاجئين السوريين، والمعارضة الإسلامية المتطرفة التي تتغذى من عشرات آلاف الإرهابيين في الجهاد العالمي الذين وصلوا إلى المنطقة. كما يطالب ديان بمجال لمحاربة الإرهاب، مشيراً إلى ما يحدث في غزة ولبنان بعد انسحاب إسرائيل حتى السنتيمتر الأخير. وفي رأيه أن انتشاراً إسرائيلياً على الجبهة الشرقية للضفة الغربية يمكنه فقط تحقيق نزع سلاح الكيان الفلسطيني، وهي مسألة تعتبر أحد الشروط الأساسية للاتفاق القائم على حل الدولتين. لذلك، يعتبر غور الأردن هو الحل الأمثل لتوفير الحد الأدنى من العمق الاستراتيجي المطلوب. ووفق رؤية ديان هذه يعمل اليمين لضمان إقرار القانون، وجعل الغور كهضبة الجولان السوري المحتل والقدس، ما ينذر بنشر ألغام جديدة في وجه مفاوضات السلام.