بدأ العام الجديد 2014 بداية ساخنة في مصر لكنها باردة في الوقت نفسه! واستهل ساعاته استهلالاً احتفالياً وإن تسربت إليه بعض الأعمال التفجيرية مع قليل من الفعاليات الإجرامية ومسحة من الإرهاب. وبدأ المصريون الساعات الأولى من العام الجديد - الذي يأتي بعد ثلاث سنوات من الخبط والرزع، والحلم والكابوس، والحكم والقلب، والخلع والتنحي والعزل - باحتفال فئات وطبقات لم تعد تحتفل من قبل بهذه المناسبة احتفالاً بدا انتقامياً وسعادة باتت مفرطة وإن أمضى آخرون ليلتهم بين ندب على حكم راح وولولة على تمكين ضاع وبكاء على مرشد سجن وأذرع عدة تبعثرت هنا وهناك بين مسجون ومحكوم عليه وهارب ومتسلل ومحرّض ومفخخ ومفجّر. «فجّر مسلحون خط الغاز الذي يمر عبر وسط سيناء» قرأ المذيع الخبر ضمن أخبار النشرة التي استهلت أنباءها التفجيرية وعواجلها التفخيخية على غير العادة بباقة متنوعة من تبادل الأماني ومشاركة التهاني من الرئيس الموقت إلى المصريين، ومن المصريين إلى شعوب الأرض، ومن المفتي إلى البابا، ومن البابا إلى شيخ الأزهر، ومن شيخ الأزهر إلى الأقباط والمسلمين، ومن حزب «النور» السلفي إلى المصريين، وهكذا دواليك لحين الوصول إلى ذيل النشرة حيث تفجير خط الغاز و «كوكتيل» جديد فريد غير معتاد لأخبار التفجير التي باتت كلاسيكية، وأنباء تظاهرات «الإخوان» التي تحولت مزمنة، وشغب طلاب «الشرعية» التي أصبحت يومية، و «جهاد» حرائر الأخوات الذي قفز من صفحات «الدعوة والشريعة» إلى «الجناية والجريمة». وبالقدر نفسه من التجديد الخبري الذي يكشف عن توجيه فوقي بإقصاء نوعي لإرهاب الإخوة وفظاعة الأخوات وجنون الكوادر وتوجيهات التحالفات، استقبل الشارع المصري التجديد المتزامن ومطلع العام الجديد بصلابة أكبر في مواجهة ما هو آتٍ، وجرأة أعمق في مجابهة ما هو موعود، وسخرية أوسع من هذا وذاك وهذه وتلك. «تلك الجماعة الإرهابية لا دين أو وطن أو انتماء لها سوى مصالح تنظيمها ونوايا حكمائها ومكامن حلفائها. علينا الضرب بعنف والمواجهة من دون هوادة»، بحسب ما يقول بعضهم. لكن الهوادة أبعد ما تكون عن كلمات هذا وغيره من خبراء الأمن واستشاريي الأمان من رؤساء ومديري وأصحاب المراكز الإستراتيجية والكوادر الاستخباراتية السابقة. المشاهدون الذين أمضوا ليلتهم متابعين لحصاد عام دموي مضى وتوقع إنجازات عام حسم مستهل سعدوا باللهجة الحاسمة والنبرة الحازمة وبات المزاج الشعبي العام مؤهلاً لمباركة دهس الإرهاب، ومبايعة محو الإخوان، ومساندة إنهاء «الإرهابية» بطريقة أو بأخرى. سهرة رأس السنة و «صباحية» العام الجديد خليط غير مسبوق من احتفالات الشعب على كورنيش النيل وفي الميادين وعلى أسطح البيوت، احتفالات لم تكن يوماً من نصيب القابعين عند قاعدة الهرم الطبقي. فعلى رغم اندثار حفلات النجوم الخمس، وتمويه حفلات المجتمع المخملي بعيداً من الفنادق وبمنأى عن المطاعم الكبرى - الأهداف المفضلة لجماعات الإرهاب - إلا أن المصريين احتفلوا كما لم يحتفلوا من قبل، وارتدوا قبعات «بابا نويل» كما لم يرتدوها من قبل ورقصوا في قوارب النيل كما لم يرقصوا من قبل، ولسان حالهم للجماعة - التي كتبت عنهم مهددة وقالت لهم متوعدة «اليوم خمر ونساء وغداً شهادة وقصاص» - يقول «موتوا بغيظكم»! رغم عدم وجود الخمر وعدم ضلوع النساء بالشكل المعني في تهديد قواعد الجماعة، إلا أن امرأة واحدة بزغ نجمها وسطع اسمها وتلألأ طالعها في الساعات الأولى من العام مفجرة لغطاً رهيباً ومتسببة في هرج كبير. «أبلة فاهيتا» هي نجم الساعات الأولى من العام فقد أضحت حديث الجميع، إخواناً ومصريين، حرائر ونساء مصريات، قواعد الجماعة وعموم المواطنين، وإن ظل الاهتمام بها وانتقاد موقفها الأخير جراء البحث عن «شريحة المرحوم» عاكساً للخط الفارق بين أنصار «الإخوان» ومرشدهم و «أمير مؤمنيهم» محمد مرسي وبين جموع المواطنين الآخرين الرافضين ل «الإخوان» وحكم الجماعة. البلاغ المقدم ضد إعلان شركة اتصالات استعلم بشخصية «أبلة فاهيتا» - التي ذاع صيتها بعد ظهور دميتها في برنامج «البرنامج» مع الإعلامي باسم يوسف حيث ظهرت بشخصية الإمرأة المصرية الشعبية الهزلية التي تتحدث في السياسة حيناً والمجتمع حيناً والحب حيناً - وضع مصر على صفيحين ساخنين مواجهين لبعضهما البعض: صفيح المصريين المؤيد ل «فرم الإخوان» والتخلص من الجماعة «الإرهابية» وترشح وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي للرئاسة، وصفيح «الإخوان» المستكمل طريق الشرعية والشريعة، وعودة مرسي إلى القصر، ودحر «الانقلاب» وتعليق «الانقلابيين» على المشانق. وقد أججت تفسيرات فك شفرة الإعلان الذي يُشاع إنه يحوي تعليمات مموهة للجماعة «الإرهابية» وأوامر بالتفجير وتوجيهات بعدم الظهور الإعلامي من خلال بحث «أبلة فاهيتا» عن «شريحة (محمول) المرحوم» مشاعر المصريين في اليوم الأول من العام الجديد. فناموا على تفسيرات رآها البعض هزلية سخيفة، وأخذها البعض الآخر مأخذ الجد حول ضلوع «الموساد»، و «خطة الإخوان»، وضلوع تركيا، واستيقظوا على نبأ تكليف النائب العام المستشار هشام بركات نيابة أمن الدولة العليا بالتحقيق في البلاغ المقدم حول الإعلان، وهو ما يعني الكثير ويؤدي إلى المزيد من القيل والقال والاستزادة في اللف والدوران والصولان والجولان في دوائر مؤججة للتريّب الشعبي ومشعلة للتريّب الوطني ومضرمة نيران الشك ولهب التخوين حيث علامات الاستفهام والتعجب التي لا تعقبها إجابات ولا تخمدها معلومات. علامات إضافية استفهامية وتعجبية تواترت على رؤوس الجميع مع أنباء إلقاء القبض على المتحدث باسم رئاسة الجمهورية الأسبق في زمن «الإخوان» الدكتور ياسر علي. الطريف أن الاستفهام والتعجب لم ينصبا على القبض عليه بتهمة التحريض على العنف، بل القبض عليه في المقطم وليس في مدينة نصر، هذا الحي الذي بات اسمه الوجه الآخر من «الإخوان» حيث اعتصامهم ومقار سكن الكثير من عائلاتهم وبؤر اختباء كوادرهم ونقاط انطلاق مسيراتهم. وعلى رغم استمرار مسيرات «عماد الثورة» من طلاب «الإخوان» في الجامعات، واستئناف «الحرائر» لجهادهن في تخريب كلياتهن، واقتحام «أنصار الشرعية والشريعة» للمجلس الأعلى للجامعات، وتهديد ووعيد صفحات «الإخوان» للمصريين من معارضي الجماعة ومؤيدي الحكم الجديد، وتوقع الجميع المزيد من أعمال التفجير ومحاولات التفخيخ، وتصاعد نبرة «الأمن» وزيادة وتيرة «تأمين الدولة» والإمعان في تحليل سبل «الأمن الوطني»، وأنباء ضلوع «أبلة فاهيتا» في أعمال قد تضر بأمن الوطن، وتسريب أحاديث شخصية لشخصيات تعتبر نفسها ثورية ويعتبرها آخرون شيطانية، يتنفس المصريون النسمات الأولى من 2014 بخليط من اعتياد التفجيرات والاستعداد للاستفتاء والتجهيز لرئاسة قد تؤهل «أم الدنيا» لتكون «قد الدنيا» ولو اضطروا للذهاب إلى آخر الدنيا.