عام عصيب غريب فريد مر على مصر وناسها. حمل متعلقاته ورحل مخلّداً وراءه عشرة أسماء لعشرة نماذج نسائية صنعت – كسرت مصر، وسبتها وحررتها، وأضاءت شمسها وخنقت شعاعها، وحاولت كسر شوكتها بإجبارها على ارتداء السواد والاتشاح بالمنع والحرمان والتمسّك بالجهل والجهالة، قبل أن تتفجر طاقات نسائية كامنة وتخرج وجوه أنثوية بعضها شاب وبعضها الآخر شاب ملامحه، لكن ظل قلبه محتفظاً ببهائه وذهنه محافظاً على ذكائه في وجه الغباء السياسي والظلام الاجتماعي بأشكاله وأنواعه. شكل من أشكال «الغباء» تجلّى في محاولة الاستئثار والإصرار على الاستغناء عن كل ما يخالف الحكم أو يعارضه أو يطرح نفسه بديلاً. أمينة المرأة في حزب «الحرية والعدالة» الإخواني عزة الجرف غالت في إخوانيتها حتى باتت تقدّم نفسها في النصف الأول من 2013 باعتبارها لسان حال المرأة المصرية، وبالغت في شجبها وتنديدها وإقصائها لكل من ليس على شاكلتها من المنتميات الى تيارات الإسلام السياسي، فساهمت من دون أن تدري وساعدت من دون أن تعي في دق مسامير نسائية عاتية في نعش جماعة الإخوان المسلمين التي كانت حاكمة. وبينما كانت الجماعة حاكمة، تألقت حتى الإبداع وتفرّدت لدرجة الإعجاز في اختيار أفضل ما لديها من كوادر نسائية لتضعها في وجه المجتمع المصري باعتبارها المرأة كما ينبغي أن تكون. مساعد رئيس الجمهورية السابق الدكتور محمد مرسي للشؤون السياسية الدكتورة باكينام الشرقاوي، التي وصفها وزير التعليم العالي الحالي الدكتور حسام عيسى قبل أيام ب «الإرهابية في حال استمر انتماؤها الى جماعة الإخوان»، كانت تقدّمها الجماعة باعتبارها علماً من أعلام العلوم السياسية وركناً من أركان التنظير السياسي والاقتصادي. لكن سر طرافتها وسبب بصمتها في عام 2013 في حياة المصريين ناجمان عن دورها في فضيحة النقاش الرئاسي حول سد النهضة الإثيوبي، وهو النقاش الذي شهد هزلاً وهراء في حضور الدكتور مرسي حيث استعرض كل من الساسة الموجودين رؤيته الهزلية في التعامل مع السد ظانين أنها جلسة سرية. وبعد إذاعة الفضيحة كاملة على الهواء مباشرة، زادت الطين بلّة إشارة الدكتورة الشرقاوي إلى أن ما حدث كان سهواً، إذ إنها نسيت إبلاغ الحاضرين أن التلفزيون المصري يبث اللقاء على الهواء مباشرة. وعلى الهواء مباشرة، ولكنه هواء «رابعة» حيث الاعتصام الإخواني الذي كشف عن الوجه الحقيقي لتيار الإسلام السياسي، أكدت قرينة الرئيس المصري المعزول نجلاء علي محمود أنها ضمن من رسخن حداً فاصلاً بين نساء مصر العاديات ونساء مصر من الأخوات المنتميات إلى الجماعة. وقفت السيدة الملقبة ب «أم أحمد» على منصة «رابعة» تخطب في المعتصمين، على رغم التزامها الصمت والاختفاء الكاملين عن الأضواء منذ تولي زوجها الرئاسة. وقالت ضمن ما قالت: «مرسي راجع بإذن الله». وإذا كانت زوجة الدكتور مرسي طرحت في مصر نموذجاً غريباً لزوجة الرئيس، وذلك بعد ثلاثة عقود هيمنت خلالها سوزان مبارك زوجة الرئيس المتنحّي حسني مبارك على نشرات الأخبار وصفحات الجرائد، وقبلها انتهجت النهج ذاته جيهان السادات زوجة الراحل أنور السادات، فإن نموذجاً نسائياً آخر طرح نفسه عام 2013 ليكون مثلاً عن ملايين من نساء مصر، لكن على طرف النقيض. عواطف السيد علي إسم لا يعرفه مصريون كثر، لكن غالبيتهم تعرفه ب «السيدة المسنّة التي صفعها إخواني». إنها السيدة التي وقفت أمام مكان محاكمة محمد مرسي وهي تحمل صورة وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي هاتفة له، وحين رفضت أن تسلّم صورة السيسي لشاب إخواني صفعها على وجهها، فتحولت إلى رمز لصمود المرأة المصرية في وجه الجماعة. نموذج نسائي آخر «ملطوم» من الإخوان قدمته الناشطة المصرية ميرفت موسى التي هتفت ضد الجماعة ومرشدها أمام مقر مكتب الإرشاد في حي المقطم في القاهرة في نيسان (أبريل) الماضي، فكانت الصفعة الشهيرة على وجهها من جانب أحد شباب الإخوان، وهو ما ساهم في تبيان وجه الجماعة الحقيقي أمام جموع المصريين. وأمام جموع المصريين، إخواناً ومواطنين عاديين، رقصت الراقصة سما المصري كما لم ترقص راقصة من قبل أثناء العام المنصرم. لم تكمن القصة في رقصها، ولا في الموسيقى التي وقع عليها الاختيار لتتمايل يميناً ويساراً، بل في التيار الذي اختارته لتواجهه رقصاً وغناء، مرة بإهداء المرشح الرئاسي «المزور» حازم أبو إسماعيل «حبوب منع الحمل» في أغنية، ومرة بالسخرية من الدكتور محمد مرسي رقصاً وغناء، ومرات بالتنكيت على الجماعة برمّتها، ثم قناة «الجزيرة الفضائية» رداً على تحيّزها لمصلحة الإخوان. ولعل أبرز إنجازات هذه الراقصة وأغربها خلال العام المنصرم، تقديم وصلة وأعضاء من فرقتها على كورنيش النيل في غاردن سيتي على مرمى حجر من مقر السفارة الأميركية، على أنغام كسر «زير» احتفالاً برحيل السفيرة آن باترسون لموقفها الداعم لمرسي وجماعته. وعلى بعد أمتار من هذا المكان، رقصت جموع الأطباء فرحاً بتحرير نقابتهم من قبضة الإخوان العاتية عليها طيلة عقود وانتحاب الناشطة والمجاهدة الدكتورة منى مينا أميناً عاماً للمرة الأولى في تاريخ النقابة. ولمع اسم السفيرة ميرفت تلاوي مجدداً في النصف الثاني من عام 2013، ليس فقط باعتبارها أمين عام المجلس القومي للمرأة الذي بذلت الجماعة جهوداً عاتية ووضعت خططاً خلاقة من أجل هدمه على رؤوس من فيه، وإعادة هيكلته ليرسّخ دوراً جديداً للمرأة المصرية حيث تمارس مهامها الأصلية من زواج وحمل وولادة وخضوع لهيمنة ذكور الأسرة وسيطرتها، ثم ذكور المجتمع. وبذلت تلاوي جهوداً لتركيز الضوء على تخطيط تيارات الإسلام السياسي للنيل من نساء مصر وما حققنه على مدى عهود. وبعد سقوط الإخوان، أكملت المسايرة عبر لجنة الخمسين المعنية بتعديل دستور 2012، حيث ضلعت في الأعمال المتعلقة بالمرأة، لا سيما من حيث الحقوق والمساواة وكفالة الدولة حقوق النساء الضعيفات من أرامل ومعاقات ومعيلات وغيرهن. لكن عام 2013، أبى أن يرحل من دون أن يترك ما خلّفه الإسلام السياسي في مصر من استقطاب وفرقة عبر نموذجين متناقضين للنساء في مصر، أحدهما ممثل بما أطلق عليه الإخوان «حرائر مصر» وهن نساء وفتيات الجماعة اللاتي يحرقن ويدمرن لقناعتهن بأنهن يجاهدن في سبيل الله، ونساء مصر اللاتي يأملن في عام 2014 علّه يكون صديقاً للمرأة.