امتنع ثين اني وزميله فونج بوف عن الذهاب إلى عملهما في أحد مصانع الملابس بكمبوديا. وينتج المصنع سراويل من الجينز يباع الواحد منها في المتاجر الأميركية بسعر يتجاوز راتبهما الشهري وهو 80 دولاراً. وعلى رغم أن القصة تبدو مألوفة جداً في واحدة من أفقر دول آسيا ولكن الوضع مختلف هذه المرة، فاحتجاجهما يمثل تحدياً نادراً لرئيس الوزراء هون سين، أحد أطول رؤساء الوزراء بقاء في السلطة. لم يتجاوز عمر كل واحد منهما 18 عاماً ولم ينالا من التعليم سوى المرحلة الأساسية ولكنهما انضما إلى 350 ألف مؤيد جديد للمعارضة السياسية التي تسعى إلى اعادة انتخابات جرت في تموز (يوليو) التي ترى أن «حزب شعب كمبوديا» الحاكم سرقها منها. ومن وراء السلك الشائك نظر أفراد أمن أمام مكتب هون سين إلى مئات العمال الذين يطالبون بمضاعفة أجورهم ويهددون بإغلاق طرق وتعطيل قطاع يدر نحو خمسة بلايين دولار سنوياً. وقال ثين بينما كان العمال المحتجون يرشقون الشرطة بزجاجات المياه: «لا يمكنني أن أطعم نفسي». وقال فونج: «لابد من رفع أجورنا وإلا سنواصل الإضراب». استغلال الاستياء ويلعب سام رينسي دوراً فاعلاً في جمع العمال الغاضبين الذين يصنعون الملابس والأحذية لشركات معروفة مثل «أديداس» و«غاب» و«نايكي». وانتهج حزب رينسي سياسة جديدة هذا العام لاستغلال حال الاستياء العام ووضع هون سين أمام تحد انتخابي لم يحدث من قبل. وقاد رينسي «حزب الإنقاذ الوطني» وأنصاره وعمال مصانع الملابس في مسيرات واحتجاجات شارك فيها عشرات الآلاف خلال الأسبوعين الأخيرين لمطالبة هون سين بالموافقة على إجراء انتخابات جديدة بعدما رفض دعوات لإجراء تحقيق مستقل في نتائج انتخابات تموز (يوليو). وحصل حزب شعب كمبوديا على 68 مقعداً في هذه الانتخابات في مقابل 55 مقعداً ل «حزب الإنقاذ الوطني»، وفقاً للجنة الوطنية للانتخابات، ولكن حزب المعارضة يؤكد ان اللجنة تخضع لنفوذ الحزب الحاكم وأنها زورت 2.3 مليون صوت لمصلحته. ويتولى هون سين (61 سنة) السلطة منذ 28 عاماً وتعهد بحكم البلاد إلى أن يصبح في السبعينات من العمر. وبدا أنه لم يتأثر بموجة احتجاجات نظمت قبل بضعة شهور ولكن المعارضة عادت إلى الشوارع بدعم اتحادات تمثل قرابة 500 مصنع. ووافقت الحكومة في الآونة الأخيرة على زيادة الحد الأدنى للأجر الشهري لعمال مصانع الملابس من 80 إلى 95 دولاراً، ولكن «حزب الإنقاذ الوطني» يؤكد إن بإمكانه رفع المبلغ إلى 160 دولاراً إذا فاز في الانتخابات. وتضغط الاحتجاجات بشدة على الحكومة ويخشى كثيرون من أبناء كمبوديا أن تقمعها قوات الأمن. وقال تشيام يياب، النائب عن الحزب الحاكم، إن زيادة الأجور يجب أن تكون محدودة وإن العمال لا يدركون حجم الضرر الذي قد يسببونه. وهددت وزارة العمل في كمبوديا أول من أمس، ستة اتحادات برفع قضايا ضدها وأمرت المصانع بفتح أبوابها والعمال بالعودة إلى عملهم بحلول 2 كانون الثاني (يناير)، متعهدة ب «إجراءات جدية» ضد من لا يمتثل للأوامر. وتساءل أو فيراك، المحلل السياسي والناشط في مجال حقوق الإنسان: «التوتر يسود الحزب الحاكم، فهل سيستجيب ويقدم مزيداً من التنازلات، أم سيلجأ إلى سياسة القمع لضمان استمرار حكمه؟» وقال: «هذه مسألة لم يواجهها الحزب الحاكم من قبل. إنه يعرف كيف يخوض حروباً ومعارك ولكنه لم يشهد نزولاً للناس إلى الشوارع بمثل هذه الأعداد الغفيرة».