المتعمّق في تحليل ما ظهر من تفاصيل عن الاتفاق المبرم بين الرئيس الأميركي أوباما والرئيس الروسي بوتين الذي أفضى إلى تغيير أميركا موقفها من جرائم النظام السوري ودخولها في مفاوضات سرية مع النظام الإيراني حول برنامجه النووي، يصل إلى نتيجة واحدة هي أن مصلحة إسرائيل تأتي أولاً بالنسبة الى هاتين القوتين الكبيرتين وللدول الغربية كافة، ولو كان ذلك على حساب أمن المنطقة واستقرارها، وعلى حساب الدول التي كانت ولا تزال، تتعامل مع أميركا والدول الغربية ومصالحها بالتزام كبير وتضحيات جسام. فلم تعد جرائم النظام السوري الطائفي ضد شعبه، التي وصلت إلى حد استخدام الأسلحة الكيماوية ودخول قوى أجنبية متمثلة في «حزب الله» اللبناني والمليشيات الشيعية العراقية للقتال إلى جانب هذا النظام الوحشي المدعوم من قبل إيران سياسياً وعسكرياً ومالياً، لم تعد تلك الجرائم والتحالف الشيعي المعلن على الشعب السوري، أمراً خطيراً يستوجب استخدام القوة تحت البند السابع لمجلس الأمن لمعاقبة النظام المجرم، وطرد القوى الغازية، وإنقاذ الشعب السوري من الإبادة. فقد تحولت القضية إلى مساومات سياسية، قدمت فيها إيران ضمانات لأميركا، تلتزم هي والنظام الحاكم في سورية والقوى الشيعية الخاضعة لها في لبنان والعراق، بعدم تهديد امن أسرائيل بأي شكل من الأشكال، وتسليم السلاح الكيماوي السوري وتخفيض مستوى تخصيب اليورانيوم في المفاعلات الإيرانية بحيث لا يتجاوز خمسة في المئة والتخلص من اليورانيوم المخصب فوق تلك النسبة. في ظل هذه الأجواء الملتبسة المحفوفة بالغموض التي تمّ فيها الاتفاق بين هذه الأطراف، جرى تصوير المقاومة السورية، وبخاصة التنظيمات الإسلامية، بأنها هي الخطر الحقيقي على إسرائيل ومصالح الغرب. بل أصبح المسلمون السنة، الذين يشكلون الغالبية الكبرى من مسلمي العالم، وفق الدعاية الإيرانية - الإسرائيلية، هم أهل التطرف ومصدر الخطر. ولذلك فإن البديل لحماية مصالح الغرب وأمن إسرائيل، هو التفاهم مع إيران وإعطاؤها مجالاً لتقوم بدور الشرطي الجديد، ولتشارك في إعادة رسم خريطة المنطقة وفق مخطط «الفوضى الخلاقة» التي سميتها في مقالات سابقة في هذه الجريدة «الفوضى الهدامة». إننا هنا بإزاء سايكس-بيكو جديد يشرف على تنفيذه الثنائي أوباما-بوتين ومن ورائهما بريطانيا التابع المخلص لأميركا، ومن أعراضه ما يتفاعل في الدول العربية التي حدثت فيها ثورات على أنظمتها القمعية، من صراعات تهدد بتقسيمها، وما يحدث في منطقة الخليج العربي من تدخلات إيرانية تحريضية، وما صدر من بعض دولها من تصريحات وما جدّ من مواقف مناقضة لروح مجلس التعاون ولأهدافه، وما بدأت تنشره وسائل إعلام غربية من هجومات وافتراءات على المملكة العربية السعودية، ونبش قضايا قديمة، ثبت بطلانها وتهافتها من قبل، بهدف التشويه والتضليل، وتعكير العلاقات مع الغرب، وما يحاك لتركيا من مخططات لإثارة اضطرابات تشغلها وتزعزع استقرارها، وبالتالي تضعف المقاومة السورية التي تعتمد على تركيا في شكل أساس. فإذا كانت المؤامرة التي حبكها ودبرها المسؤول البريطاني العقيد سير مارك سايكس والمسؤول الفرنسي فرانسوا ماري دينيس جورج-بيكو، وشهدت على المؤامرة روسيا القيصرية ممثلة بسيرجي سازانوف، في 1916 ضد العرب ولمصلحة الصهيونية العالمية التي كانت عهدئذ تمهد السبيل إلى الاستيلاء على فلسطين مرحلة بعد مرحلة، وصولاً إلى إقامة الدولة اليهودية فوق الأراضي الفلسطينية العربية المحتلة، فإن الرئيسين الأميركي والروسي حبكا ودبرا المؤامرة الجديدة، بالتواطؤ مع إيران وإسرائيل، وعلى حساب المصالح الاستراتيجية للدول العربية، وخصوصاً دول الخليج العربي، ولمصلحة النظام الاستبدادي الجاثم على صدور الشعب السوري، حتى يبقى على سدة الحكم محمياً، ليس من إيران فحسب، ولكن يبقى محمياً من الولاياتالمتحدةوروسيا ومن إسرائيل وإيران معاً، هذا الرباعي الذي يجمع بينه الاتفاق المبرم المشبوه والذي التقت مصالحه واتفقت أهدافه وتوحدت سياساته على إبقاء الوضع المتأزم المتدهور المزري في الإقليم على ما هو عليه. وهكذا تتفق إرادات الدول الكبرى ومعها إسرائيل وإيران، على إقامة المشروع الاستعماري الذي يعرف بالشرق الأوسط الجديد، في منأى عن الدول العربية ذات النفوذ والتأثير، وخصوصاً المملكة العربية السعودية، ولمصلحة إسرائيل أولاً وقبل كل شيء. فهذا الاتفاق المريب الذي جرى بين الرئيسين الأميركي والروسي حول سورية، هو الطبعة الجديدة من مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تكون فيه الدولة العبرية هي سيدة الإقليم، وتكون الدولة الصفوية سائرة في ركابها لا تلوي على شيء، تحقق أطماعها القديمة التي أحيتها من جديد، في الهيمنة الطائفية على الدول العربية، وفي المقدمة منها دول الخليج العربي، ضداً على مصلحة الغالبية الكبرى من المسلمين السنة الذين يرمون اليوم بتهمة التكفير، فهم في نظر إيران ومن يسير في ركابها تكفيريون. وحيث إن أمن الدول العربية كافة وسيادتها أصبحا اليوم مهددين في ظل هذه الأوضاع الخطيرة، ومصالحها ومستقبل شعوبها تتطلب التكتل والتضامن ونبذ الخلافات المصطنعة ومواجهة هذا الخطر الداهم، فإن المسؤولية الكبرى تقع على من بقي من عقلاء القادة وأهل العلم والفكر، لاتخاذ موقف واحد شجاع وصريح يرفض التآمر على العرب والمسلمين، بخاصة المسلمين السنة الذين أصبحوا غرضاً للصهيونية والصفوية والقوى الاستعمارية، ما في ذلك أدنى شك، ولا في هذا التوصيف مثقال ذرة من الطائفية المقيتة والكراهية المذهبية المذمومة، ولكنه وصف للحالة القائمة، وتنبيه للخطر المحدق بالمنطقة كلها. ألا يستدعي هذا الأمر الخطير أن تتحرك جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، للإعلان عن الموقف العربي الإسلامي إزاء هذه المؤامرة التي لا نتردد في وصفها بالمؤامرة على وجه اليقين؟. أم أن العرب والمسلمين غائبون عن الساحة لا يدرون إلى أين يساقون؟ * أكاديمي سعودي