بصوتها الحنون العميق والمتمكن، وأدائها الانسيابي المتمكّن، اختتمت السوبرانو اللبنانية سمر سلامة مهرجان «بيروت ترنّم»، الذي أثبت في دورته الخامسة من خلال 23 حفلة، مدى تطوّره وحفاظه على المستوى العالي والراقي للموسيقى الروحية التي يقدّمها وصار لها جمهور عريض ينتظرها سنوياً في فترة الأعياد. المهرجان الذي افتتح في الأول من كانون الأول (ديسمبر) الجاري، استضاف هذا العام أسماء موسيقية وأوبرالية من بلدان مختلفة، إضافة إلى إعطائه مساحة واسعة لفنانين لبنانيين مثل سمر سلامة وتاتيانا بريماك خوري ووسام البستاني، عدا عن إعطائه الفرصة للمواهب الشابة، مثل ماريو راعي ووائل سمعان وريبال ملاعب وجنى سمعان. ولم ينس تكريم المبدعين، مثل عازفة القانون الراحلة والمتميزة إيمان حمصي، في أمسية أحيتها غادة شبير. وكان الافتتاح مع اللبنانية الأميركية جوانا ناشف، المرأة الأولى التي تقود أوركسترا في الشرق الأوسط. كما تميّز المهرجان بحفلات لجوقة الحجرة الألمانية المرموقة «رياس»، والاوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية بقيادة هاروت فازيليان، وعازفة الكمان الإيطالية فرنشيسكا ديغو، وعازف التشيللو الروسي بوريس أندريانوف، وعازف الفلوت اللبناني وسام البستاني، ومغني الأوبرا اللبناني العالمي شادي طربيه. وقد يكون الشكر في مكانه لمدير المهرجان الفني الأب توفيق معتوق، الذي نجح في قيادة بعض الحفلات وفي اختيار الموسيقيين والمغنين البارعين والمهنيين للمشاركة في الحفلات الراقية. حفلة الختام التي كانت سيّدتها سمر سلامة، ورافقها معتوق في قيادة الأوركسترا كما فعل في «أوبرا مجنونة» في مهرجانات جبيل الصيف المنصرم، أتت بمثابة صرخة سلام ومحبة عشية عيد الميلاد، خصوصاً عندما أدت «Exsultate, jubilate» لموزارت، حيث نادت من قلبها لمريم العذراء كي تمنحنا السلام وتُبعد الغيوم السوداء والرياح العاتية في هذه الليالي المباركة. وكأن الأغاني الأوبرالية الروحية لباخ وفيفالدي وهاندل وباز وويد وفرانك وغروبر ودايفس، التي أدتها سلامة بصوتها العميق الجرسي، مناداة للطغاة الذين يُشرّدون الأطفال والنساء في البراري تحت الثلج والبرد القاتلين، ودعوة إلى المحبة ومساعدة الناس للناس في بلد يموت فيه النازحون السوريون من الجوع والبرد على مرأى من الجميع. وفي كنيسة مار الياس في حي القنطاري – وسط بيروت، ذاك المكان العتيق ذي الهندسة الغوطية الذي لجأ اليه مهجرون من الجنوب اللبناني وتل الزعتر والنبعة خلال الحرب الأهلية، كان الجوّ دافئاً راقياً يوحي بالطمأنينة. وكاد الحاضرون الذين رافقوا سلامة في الغناء بفرح كالأطفال الذين لم يصدّقوا أن حملوا مذياعاً، يتمنون لو تمتدّ الحفلة حتى الصباح. بعد ختام دراستها الوسائل السمعية - البصرية في الجامعة اليسوعية، والموسيقية في الكونسرفاتوار الوطني في بيروت، سافرت سمر سلامة إلى نابولي حيث جالت في إيطاليا طوال سنة في عمل أوبرالي كبير بقيادة المايسترو روبيرتو دي سيمون. ثم حملت تجربتها وطموحها في سلة واحدة إلى روما، لتلتحق بالكونسرفاتوار الوطني، سانتا سيسيليا. وفي العام 2006 حازت دبلوم الغناء فيما كانت تضيف إلى سلتها مساهمات ثمينة في أعمال طليعية عبر أوروبا، لا سيما مشاركتها في إحياء ذكرى بيار باولو بازوليني وبلوغها التصفية النهائية في مباراة ماتيتا باتسيني. بعد ست سنوات عادت من إيطاليا مندفعة برغبة المشاركة في توطيد المسار الأوبرالي في لبنان. شاركت في أعمال مهرجان البستان للموسيقى الكلاسيكية، وفي مهرجانات جبيل 2010 وفي الاحتفاء بزيارة البابا عام 2012، ناهيك بالأمسيات الجوالة في الجامعات والجمعيات.