تلقي الاضطرابات التي تشهدها جمهورية جنوب السودان منذ أيام الضوء على الأسباب العميقة التي ما زالت تقف حائلاً بين أفريقيا وإنجاز طموحاتها في التنمية والتطور والعدالة. التطور السوداني الجنوبي الذي اختُتِم به عام أفريقي طويل، يفيد بأن المآسي التي تشهدها القارة والتي قدم استقلال جوبا بارقة أمل على إمكان انتهائها، قد تكون بعيدة عن أن تشهد القارة خاتمة سعيدة لها. وما حصل في مناطق سودانية شمالية، في دارفور («ذي ايكونوميست»- 6/4/2013) من محاولات لإرساء السلام من دون نتيجة ملموسة بسبب موقف حكومة الخرطوم («لو موند» 12/11)، قد يتكرر في الجنوب عبر امتداد ساحة الصراع وزمانه. جنوب السودان يقدم عينة عن الخلافات القبلية والإثنية التي ما زالت تعتمل في قلب المجتمعات الأفريقية. انهيار الدولة الذي يأتي في الغالب نتيجة الصنف هذا من النزاعات («لو موند» 5/12) يفتح الباب أمام الحركات «الجهادية» المسلحة التي تنتشر على آلاف الكيلومترات، من دول الساحل إلى الصومال. الإمارة التي سعت جماعات مرتبطة ب «القاعدة» إلى إنشائها في شمال مالي، مثّلت خطراً واضحاً ليس للدول ولأفريقيا فحسب بل أثارت خشية الأوروبيين من نشوء بؤرة إرهابية جديدة تكرر ما فعلته «القاعدة» في أفغانستان. بل ان بعض الأوروبيين يعتقد بإمكان إعادة تشكيل النظام الأمني أولاً ثم السياسي في القارة بالاستناد إلى ما ينبغي تحقيقه في مالي من خلال الاعتراف بالخصوصيات الثقافية لشمال البلاد («لو موند» 23/1) وسط خشية من استغلال سلطات باماكو للحرب الأوروبية على الإرهاب لشن حملة تطهير عرقي ضد الطوارق. وأظهرت الأيام أن الآمال تلك مبالغ فيها نظراً إلى تعدد مصادر التهديد كما أثبت هجوم مقاتلي حركة «الشباب» الصومالية على المجمع التجاري قرب العاصمة الكينية نيروبي، وإلى افتقار القدرات العملانية عند الأوروبيين. تضاف إلى ذلك إعادة تنظيم مقاتلي الجماعات المسلحة لأنفسهم في الصحارى المترامية الأطراف، خصوصاً في ليبيا التي تعاني من فراغ أمني بعد سقوط نظام القذافي («وول ستريت جورنال» 24/5). يضاف إلى الفكر «الجهادي» الذي يشكل امتداداً لفكر «القاعدة» وتوجهاتها، فكر إسلامي لا يقل عنفاً ويتسم بالسمات المحلية وتقف في مقدم نماذجه حركة «بوكو حرام» في نيجيريا. الوجه الآخر لاختلال التوازن بين المكونات العرقية والجهوية وبين مشاريع بناء دول بالمعنى الحديث للكلمة، يكمن في دخول الشركات الكبرى متعددة الجنسية، الغربية أساساً ثم انضمام الشركات الصينية في العقدين الماضيين، إلى عملية هائلة الأبعاد للاستحواذ على ثروات القارة من المعادن وموارد الطاقة. ويضخّم شهية «المستثمرين» الأجانب فساد مستشر في أوساط الإدارات الأفريقية، يطل برأسه في ميادين الاقتصاد والسياسة والإعلام ويُبطئ أي حركة نحو الإصلاح والتنمية، بل يخنقها في مهدها. وليس غريباً أن تتداخل الظاهرة هذه مع ارتفاع مستوى العنف وبلوغه درجات عبثية ومستدامة، على غرار ما يجري في جمهورية الكونغو الديموقراطية حيث تبدو الحرب المستمرة هناك منذ أواسط التسعينات ساحة نموذجية لاشتباك المصالح الخارجية التي تمثلها رواندا واندفاع الشراهة الخارجية للسيطرة على الثروات واللامبالاة الدولية، إلى جانب العوامل القبلية والإثنية والجهوية. كات هذه العناوين الأبرز التي اهتمت بها الصحافة الدولية في الشأن الأفريقي في العام 2013، والأرجح أنها ستسيطر أيضاً على العناوين في العام الجديد.