يمكنني أن أصف الأمر الملكي الذي صدر أخيراً بتعيين الأمير خالد الفيصل وزيراً للتربية والتعليم ب«البشارة» الأهم والأبرز للسعوديين مع نهاية العام 2013. فمجرد تخيّل الفيصل «مربياً» أمر يبعث على البهجة والاطمئنان على مستقبل الجيل الجديد في المملكة، وهذا ليس تملقاً أو نفاقاً، بل إيمان بفكر الأمير خالد التنويري العتيد الذي لطالما كان شعلة تنوير مضيئة في أحلك المراحل التي عصفت بالمجتمع السعودي، بما فيها مرحلة ما يُسمى بالصحوة. لأعوام طوال ردد الكثير من المهتمين بالشأن العام والكتاب والمفكرين المطالبة بتحرير وزارة التربية والتعليم من جيوب التطرف والمنهج الخفي عبر تطوير المناهج ومراقبة الأنشطة اللاصفية، والحق يُقال إن المرحلة التي تربع فيها الأمير فيصل بن عبدالله على هرم الوزارة كانت مرحلة جيدة لإعادة ترتيب الأوراق وتصحيح المسار، وحظيت بإنجازات مقبولة، والمنتظر الآن هو تجاوز عنق الزجاجة نحو تعليم عصري متحرر من القيود الخفية والمناهج المستترة التي عرقلت النهضة التعليمية في المملكة منذ ثمانينات القرن الماضي. أمام الأمير خالد الفيصل حالياً ملف ضخم وأرشيف أضخم ومهمة غاية في الصعوبة والحساسية، وهو بلا شك فارس المرحلة الذي نعلق عليه آمالنا ومستقبل أبنائنا. قد تكون منطقة مكةالمكرمة خسرته بالتعيين الجديد، لكن الأكيد أن مدن المملكة كلها كسبته لدفع عجلة مستقبلها، وهذا ما يجب أن نحتفل به. قبل أعوام قليلة، أعاد الفيصل المثقف إلى ذاكرة الأرض والإنسان الهوية وشموخ التاريخ ببعث «سوق عكاظ» من مرقدها، وقد ضرب بذلك درساً تربوياً عظيماً، درساً أثبت من خلاله أنه لم يكن بحاجة ليتربع على هرم وزارة ليلعب دوراً أساسياً في بعث ثقافة الأرض وتكريس هويتها، وهو كذلك من أسس بفكره النيّر مؤسسة الفكر العربي التي تحولت إلى رمز تنويري عالمي، وما زالت حتى اليوم تدين له بكل نجاحاتها وإنجازاتها، وفضلاً عن هذا وذاك لا يمكن الحديث عن الفيصل من دون أن تسيطر على المخيلة صورة الأديب والفنان «دايم السيف». إن الملف الضخم الذي ينتظر هذا الأمير المسكون بهمّ الثقافة والهوية في وزارة التربية والتعليم يمثل رهاناً كبيراً، فوضع مدارسنا حالياً ومناهجها ومعلميها وطلبتها بحاجة إلى غربلة جذرية وعلاج استثنائي، هناك مشكلة حقيقية تتمثل في ضرورة عصرنة وتطوير المناهج، ومشكلة أخرى تتمثل في إصلاح البيئة التعليمية عبر التخلص من المباني المستأجرة التي تحولت إلى مبان مدرسية لا علاقة لها بالبيئة التعليمية من قريب أو بعيد. هناك مشكلة أخرى تتمثل في ضرورة تكريس مفهوم التربية الصحية في المدارس، بما في ذلك إقرار حصص الرياضة البدنية في مدارس البنات وتأهيل مبانيها بالشكل الذي يخدم الهدف، هذا إضافة إلى ضرورة العودة إلى التربية الحسية والذوقية عبر تكريس الاهتمام بمنهج التربية الفنية، وإنهاء القطيعة مع الموسيقى كأداة لتنمية الحس الفني لدى الطلاب وتهذيب نفوسهم، وإنهاء القطيعة كذلك مع الفن المسرحي الذي تمّ وأده منذ عقود في مدارسنا، ولا أظن أن هناك من هو أقدر من خالد الفيصل على إعادة الروح إلى تعليمنا بعد كل هذا السبات. [email protected] Hani_Dh@