انتهت تلك الحركات الطلابية العفوية التي شاعت بشكل واسع طوال عقود في العراق وولدت مكانها اليوم حركات مسيّسة تصفق للأحزاب السياسية في السلطة. ربط الحركات الطلابية بالسياسة في بلد مثل العراق شهد خمس تغييرات في نظام حكمه وانقلبت حكوماته مرات عدة، ليس بالأمر الجديد، فالحركات الطلابية هي التي قادت وغذّت ودعمت معظم تلك التغييرات في البلاد على مدى قرابة قرن كامل. وتتناقل كتب التاريخ العراقي المعاصر قصص النضال الطلابي في الجامعات والنشاطات التي قام بها الطلاب منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1920، لا سيما الاعتصامات التي كانوا ينفذونها عند اعتقال زملائهم وأساتذتهم من قبل الأنظمة المتعاقبة بسبب نشاطاتهم السياسية. ومنذ تأسيس أول تنظيم طلابي حمل تسمية «اتحاد الطلاب العراقي العام» في 14 نيسان (أبريل) 1948 الذي حضره الشاعر العراقي الكبير محمد الجواهري بدأت التنظيمات الطلابية تعمل بشكل منظم في توجيه الاعتصامات والتظاهرات وبقية النشاطات. ومن بين أبرز التحركات، التظاهرات التي قام بها الطلاب عندما قررت وزارة المعارف العراقية طرد أنيس زكريا النصولي وبقية الأساتذة العرب، وكانوا من أهم أساتذة المدارس العراقية. وأجبرت تحركات الطلاب آنذاك الوزير على الاستقالة. تلك التحركات توقفت بشكل كامل في ثمانينات القرن الماضي. فالتحركات الطلابية منذ ذلك الحين باتت تسير في ركاب السلطة التي طالما روّجت لها لعقود قبل تغيير نظام الحكم في البلاد وإعادة هيكلة النشاطات الطلابية بالكامل. وبعد عام 2003 كانت الحركات الطلابية الفتية التي تأسست على أنقاض الاتحادات الطلابية التابعة للسلطة تتخذ موقفاً مؤيداً للتغيير وكان لها دور كبير في إحياء نشاطات الاعتصامات والتظاهرات داخل الحرم الجامعي فضلاً عن المطالبة بالحقوق وتغيير المناهج ومحاسبة الأساتذة والطلاب الذين تسببوا في فصل الكثيرين من الطلاب بعدما وشوا بهم في تقارير خاصة إلى حزب «البعث». الحركات التي بدأت عفوية مجدداً بعد التغيير تحولت شيئاً فشيئاً إلى واجهات للأحزاب الدينية والسياسية في البلاد، بل إن الكثير منها تورط في حملات تصفيات طاولت الأساتذة الجامعيين، وهو السبب الرئيس الذي دفع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى حل الروابط الطلابية في الجامعة المستنصرية قبل أعوام. القصة التي تناقلتها الأوساط التعليمية آنذاك أشارت إلى أن القرار صدر عن المالكي بعدما قام طلاب إحدى الروابط بالاعتداء على أستاذ جامعي ضرباً ومزقوا ملابسه فغادر الأستاذ إلى مقر رئاسة الوزراء وطلب لقاء المالكي وحينما شاهد الأخير مظهره أصدر القرار وحل الروابط الطلابية في محاولة لإنهاء سطوة الأحزاب على الحرم الجامعي. لكن الأحزاب والمنظمات السياسية لم تتوقف عن دعم الروابط والتجمعات الطلابية منذ ذلك الحين، بل إن المشكلة الأكبر تكمن في ولادة روابط متناحرة في ما بينها يمثل كل منها حزباً سياسياً وتأخذ على عاتقها تثقيف الشباب بمبادئ الحزب والحشد له في الانتخابات، بل إن معظم تلك الروابط باتت تروج اليوم لأفكار التيارات السياسية ما أفقدها استقلاليتها بشكل كامل. أما أعضاء الروابط فاغتنموا هم الآخرون الفرصة لتسلق سلم السياسة بالترشح للانتخابات البرلمانية وانتخابات مجالس المحافظات وبدأت صورهم تزاحم صور الساسة في الشوارع.