عندما يجتمع في نيويورك غداً رؤساء وممثلو مئة دولة للبحث في مشكلة الاحتباس الحراري، ستحضر معهم اساليب ادارة العلاقات الدولية التي حالت دون تطبيق بروتوكول كيوتو الشهير. بيد ان الدول كلها باتت معنية بإيجاد علاج لمشكلات البيئة والمناخ المتفاقم اثرها عاماً بعد عام والمتصاعدة تنبيهات الهيئات العلمية ومؤسسات المجتمع المدني من مخاطرها وانعكاساتها الوخيمة على مستقبل الأرض والبشر. اما كيفية التوصل الى العلاجات والاستجابة لدعوات العلماء وإلحاحهم، فأمور ما زالت ملك السياسيين والبيروقراطيين. المؤتمر سينظر في مسودة المعاهدة الرامية الى خفض معدل الحرارة العالمية درجتين وتقليص انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الدفيئة ما بين 20 و40 في المئة من المستويات التي كانت عندها العام 1990. ويفترض ان يجري التوقيع على المعاهدة المؤلفة من مئتي صفحة تعج حتى الآن بمواضيع الخلاف، في اجتماع لاحق يعقد في كوبنهاغن في كانون الأول (ديسمبر) المقبل. في المعاهدة العديد من النقاط التي اخفق المفاوضون في التوصل الى تسويات في شأنها فأحالوها الى السياسيين. ومن المهم القول ان العقبات لا تقع في الحيز التقني فحسب، بل ايضاً في الجانب التطبيقي لبنود الاتفاقية المقترحة. فالدول الصناعية ترى ان حصتها من خفض انبعاث الغازات المسببة للاحتباس تزيد عن حصة الدول النامية التي باتت تضخ في الهواء كمية معتبرة من الغازات المضرة. الدليل على ذلك يكمن في ان كمية الغازات التي تطلقها الصين تعادل تقريباً ما تضخه الولاياتالمتحدة. الهند ملوث كبير آخر للبيئة العالمية. يأتي رد الدول النامية ان نظيراتها المتقدمة تتجاهل المسؤولية التاريخية عن الوضع الحالي. فإذا كانت الصين تلوث اليوم الهواء بذات الكميات تقريباً من الغازات المنبعثة من مصانع الولاياتالمتحدة وسياراتها، فإن ذلك يأتي بعد عقود من احتكار الأميركيين للقب اكبر منتج للغازات المضرة بالبيئة على المستوى العالمي. بل ان البعض يعود الى عهد الثورة الصناعية عندما بدأت الدول المتقدمة تستخدم الفحم استخداماً كثيفاً في انتاجها الاقتصادي وفي حركة النقل في الوقت الذي كانت الدول النامية مجرد كيانات مستعمر اكثرها تقوم على اقتصاد زراعي وحرفي بسيطين. يضاف الى ذلك ان الدول النامية تؤكد انها ستتبنى تقنيات الطاقة البديلة والمتجددة في مشاريع توسيع شبكاتها الكهربائية، وهي مشاريع عملاقة في الهند على سبيل المثال، لكنها تصر في الوقت ذاته على نقطتين: الأولى انها لن تخفض من اعتمادها على الأشكال التقليدية للطاقة في المرحلة الراهنة خشية انهيار مشاريعها التنموية. الثانية انها في حاجة ماسة الى المساعدات المالية والتقنية من الدول الصناعية لتحسين الأساليب الجديدة من انتاج الطاقة. ويمكن الاعتقاد ان المشاركين في لقاء الغد سيتبادلون التدافع كي يتقدم واحد منهم ويتحمل التضحية بحصته من الغازات الملوثة، وهو ما لا ترحب به الولاياتالمتحدة ولا الدول الصناعية الأخرى التي تقول ان الأزمة المالية الراهنة قد قلصت بشدة الهامش الذي كانت تستطيع التحرك داخله سواء على صعيد تقديم العون لاقتصادات الجنوب النامية او على صعيد تحمل اعباء مشاريع انشاء شبكات انتاج وتوزيع جديدة للطاقة النظيفة. ويحاجّ سياسيو الدول الصناعية في ان النمو الذي يأملون بأن تحققه بلادهم، حتى لو جرى في ظل النهج الحالي من التساهل مع التلوث، فإنه سيؤدي في نهاية المطاف الى تحريك عجلة النمو العالمي بما يتيح استئناف الانتقال صوب الطاقة النظيفة. لكن السؤال ينهض هنا عن طول الفترة التي سيستغرقها التوصل الى اتفاق قابل للتنفيذ على المستوى العالمي وما اذا كانت المفاوضات الدولية ستنتهي قبل وصول الوضع البيئي الى مستوى الكارثة العالمية.