يأخذ معارضو زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر عليه، انتقاله إلى الخطاب الهادئ، الداعي إلى التصالح والمشاركة، والانفتاح على الآخرين، بديلاً من صورة قائد الميليشيا التي رسمت له إعلامياً بعد عام 2003، ويشككون في هذه الانتقالة ودوافعها. لكن مؤيدي تطورات الصدر السياسية والفكرية التي تبلورت بعد عام 2008، يتهمون المعارضين، خصوصاً في الأوساط الشيعية، بأنهم يرفضون تمرد الصدر على تلك الصورة النمطية التي يراد حبسه فيها، ومنافستهم على المساحة السياسية التي يعملون فيها. الصدر الذي أكد في حوار مع «الحياة» أنه لن يشارك تحت أي ظرف في أي حرب أهلية، ويشدد على رفضه التدخل في الشأن السوري، ويقول في شكل صريح إن قاسم سليماني هو الرجل الأقوى في العراق، يحاول أن يكرس منهجاً مختلفاً للزعيم الديني والسياسي، فهو يفتح على هامش الحوار معه أقواساً يتحدث فيها عن رؤيته لشكل العلاقة مع العرب كعنصر توازن ضروري في مستقبل العراق، ويصف بالتفصيل ما يمكن تسميته «محنة السنّة العرب» في بلادهم، فهي من وجهة نظره تعود إلى سياسات الاحتلال وسياسات الحكومة التي ترعى الميليشيات، إضافة إلى أخطاء السنّة أنفسهم. وينصح رئيس الوزراء العراقي بالذهاب بنفسه إلى ساحات التظاهر السنّية لتطمينهم. الصدر الذي يحاول تنويع قراءاته، لتتجاوز النطاق الديني ألهم مؤيديه إلى تنويع قراءاتهم بدورهم، فعندما أعلن قبل عام اهتمامه بقراءة رواية عزازيل للكاتب المصري يوسف زيدان نفدت الرواية من الأسواق العراقية في أيام، وهو يرى أن مستقبل تياره يرتبط بتنويع مصادره الثقافية والانفتاح على الآخر. وهنا نص الحوار مع مقتدى الصدر في منزله بحي الحنانة في النجف، والذي أجري بالتعاون مع صحيفة «المدى» البغدادية: نبدأ من سؤال افتراضي... اتخذتم موقفاً معروفاً من حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وشاركتم في محاولة إقالتها صيف 2012. لو عاد الزمن بكم إلى الوراء، هل تتخذون قرار الذهاب إلى أربيل؟ - كأني بك تلوح بالندم على القرار، إذا كان هذا قصدك أقول: كلا، لست نادماً، بل ولا زال الأمر قائماً. فأنا قلت لهم في أربيل: إنكم إذا جمعتم (124) صوتاً فستكون كتلة الأحرار معكم فيكون مجموعكم: (164) وهو كافٍ في سحب الثقة من رئاسة الوزراء. لكنك لم تقم بزيارة إقليم كردستان بعد هذا التاريخ؟ - كلا، لن أذهب فأنا وكأي فرد من أفراد الحوزة، بل والمجتمع العراقي عموماً أقول: لا بد على أخي العزيز مسعود بارزاني من رد الزيارة... وأنا بانتظاره في النجف الأشرف، وسواء أتى أم لم يأتِ، سيبقى صديقاً وشريكاً ليس في السياسة فقط، بل في جميع الأمور وسيبقى التواصل قائماً بيننا مهما حدث... فلقد وجدته قائداً ثائراً وسيبقى كذلك إن شاء الله. كتبتم عن توصيف تلك المرحلة أن قائد فيلق القدسالإيراني قاسم سليماني شارك، إضافة إلى السيد المالكي، في الضغط عليكم لمنعكم من الذهاب إلى أربيل. هل كان هذا الضغط هو سبب مغادرتكم مدينة قم الإيرانية وتوجهكم إلى بيروت والنجف؟ - لا، لم يكن هذا السبب على الإطلاق، لا من قريب ولا من بعيد... فأنا لست ممن يحدد ويعلق الصداقة وطيب العلاقة على القرارات السياسية واختلاف وجهات النظر الثانوية على الإطلاق، بل وإن اختلفت معهم في بعض الأمور الجوهرية، إلا أنني أحبذ أن أحافظ على علاقات طيبة مع الجميع قدر الإمكان إلا دول الاحتلال. لديكم تقويم خاص لشخصية قاسم سليماني الذي يوصف غربياً بأنه الرجل الإيراني القوي في العراق؟ - نعم، كان الرجل الأقوى في العراق وفق ما أفادت به بعض البيانات والاستطلاعات والله العالم... لكن النقطة أو الصفة الأهم في شخصيته هو أنه صاحب مبدأ بالنسبة إلى قضيته وجمهوريته وحكومته ومذهبه، وقد أفنى نفسه من أجلهم... وأنا قلتها سابقاً وسأكررها: إن حصلنا على عراقيين بهذه الروح لاستطعنا بناء العراق كما هم استطاعوا بناء إيران سياسياً وحكومياً. كيف تتوقع الخريطة السياسية التي ستظهر بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة في ضوء نتائج انتخابات المحافظات الأخيرة. هل تعتقد أن متغيرات عميقة يمكن أن تجري على تلك الخريطة؟ - لدي أجوبة عدة على هذا السؤال، الأول إن الإخوة في «دولة القانون» لم يتوقعوا هبوط شعبيتهم قبل انتخابات مجالس المحافظات التي أجريت قبل أشهر. لذا، فإن النتائج جاءت مباغتة ومن دون توقع منهم، أما الآن فهم يتوقعون ذلك وسيسعون جاهدين وبكل ما أوتوا من قوة لكي يرجعوا المياه إلى مجاريها. العامل الثاني أن الحزب الحاكم عادة وليس في العراق حصراً - ولا أعني دولة القانون - ولا دولة رئيس الوزراء فحسب، يجيرون كل الإمكانات الحكومية كدعاية انتخابية لهم، مثل: تشكيل أفواج الجيش والشرطة وكذلك توزيع الأراضي وحضور افتتاح مشاريع لم يروها من قبل، بل قام بها غيرهم ومنع الوزراء من حضورها وافتتاحها على رغم أنها أحد منجزاتهم، بل وتصرف الحزب والضغط على القضاء العراقي الذي بات يبرئ ويميع الدعاوى المضادة للحزب الحاكم ويفعل ما كان لمصلحته وضد معارضيه. ثالثاً، إن الشعب العراقي له صفة معلومة وهي ميله إلى الحزب الحاكم إلا في ما ندر. لذا، يمكن القول إنه سيكون المسيطر في الانتخابات المقبلة، إلا إذا اجتمعت الأحزاب الأخرى ومن دون تهميش حتى للحزب الحاكم السابق - إن جاز التعبير. ورابعاً، سيطرة الحزب الحاكم على المفوضية من خلال تبديل وإزاحة بعض أعضاء المفوضية غير المرغوب بهم عند ذلك الحزب سيكون مؤثراً... العامل الخامس أن تغيير قانون الانتخابات سيكون كفيلاً بإيصال ذلك الحزب، لا سيما مع تغيير السياسة. وأخيراً، إن الدعم الخارجي والأوضاع الخارجية تفيء بظلالها على العراق وعلى الحزب الحاكم والله العالم. هل هذا يعني أنك لا ترى فرصة للتيار الصدري متحالفاً مع أطراف سنّية وكردية ومدنية لتشكيل الحكومة؟ - التحالفات على نوعين: الأول: تحالف ما قبل الانتخابات وهو صعب التحقق حالياً لما يمر به العراق من ظرف طائفي يتحتم التراجع الشعبي في حال التحالف السنّي - الشيعي أو العربي والكردي من جميع الأطراف. والثاني: تحالفات ما بعد الانتخابات وهي غالباً مبنية على توافقات خلف الكواليس، قد تصل الأمور فيها إلى بيع الثوابت من أجل الكرسي، ونحن غير مستعدين لذلك، فضلاً على أننا لا نملك مجريات الحكم حتى نكون أصحاب قرار من هذه الناحية. كان لديكم تقويم مختلف لشكاوى المناطق السنّية، هل تعتقد أن هناك مظالم حقيقية لدى سنّة العراق؟ ومن تسبب بهذه المظالم؟ - من تسبب بهذه المظالم، أطراف عدة ، منها، الاحتلال من خلال بث الفرقة الطائفية، وأيضاً الحكومة العراقية، لأنها العنصر الفاعل في القرار. كذلك الخريطة السياسية التي جعلت من الحكومة ذات تقسيم طائفي، والوضع الخارجي وتفاقم الطائفية في الشرق الأوسط، بل العالم أجمع، ومن الأسباب أيضاً ذوبان الروح الوطنية والأبوية عند الجميع لا الحكومة فحسب، بل حتى السياسيين والأحزاب والمؤسسات العامة وغيرها. مع هذا، فإن السنّة أنفسهم شاركوا في التسبب بظلم السنّة، بسبب انتشار التشدد العقائدي، وترك زمام الأمور أحياناً إلى تنظيم «القاعدة»، وخوف السنّة وانكماشهم من التنظيمات الإرهابية، وميول بعضهم إلى «القاعدة» وحزب الهدام (حزب البعث) وعدم تعاونهم مع الأصوات الوحدوية ودعاة الوطنية... على سبيل المثل كم من مرة صلينا خلفهم ولكنهم لم يعلنوا وقد طلبنا ومنهم وهم يرفضون. كيف يمكن معالجة مثل هذه المظالم اليوم، هل هناك مواطنون من الدرجة الثانية في العراق؟ - شخصياً أرى أن هناك طرقاً عدة لحل الأزمة مع إخواننا منها زيارة رئيس الوزراء (نوري المالكي) مناطق التظاهر الغربي والشمالي، وتشكيل لجان إسلامية مشتركة من أجل وضع بعض الحلول الاستراتيجية لا الآنية، وإصدار بيان مشترك لشجب جميع أنواع الإرهاب والمليشيات الحكومية، والتثقيف لنزع الخوف من قلوب سنّة العراق من الذين هيمنوا على غالبية مناطقهم وأعني - تنظيم «القاعدة» وأمثاله. في الوقت نفسه أرى أن المسؤولية تقع على الجميع، وتتصدر الشخصيات العلمائية والحكومية المسؤولية، وبالنسبة لي لا أسمح بأن يكون هناك مواطنون من الدرجة الثانية والأولى... فالكل كأسنان المشط ولا أفضلية إلا بالتقوى والوطنية. هل ترون أن مستقبل العراق يتجه إلى قسمة الطوائف أو المكونات، أم إلى دولة المواطنة؟ - وفق المعطيات الحالية، فالعراق متجه إلى التقسيم الطائفي سياسياً واجتماعياً وعقائدياً. لكن، هناك تداول واسع في النجف لتبني مفهوم «الدولة المدنية»، كيف تعرفون مثل هذه الدولة ودور الدين فيها؟ - الدولة المدنية أو دولة المواطنة الحقيقية هي التي تعطي للجميع هوية واحدة بصرف النظر عن الدين والمذهب والعرق والطائفة، إلا أن المختلف فيه هو أن ذلك لا يكون إلا بمسلك العلمانية ونزع الدين عن السياسة، وأنا أقول: إن هذا لا يمكن تطبيقه، إلا من خلال أسلمة المجتمع وتثقيفه على الأسس والنظم الإسلامية الحقيقية وروح العدل والمساواة ومن خلال التسامح والأخوة الحقيقية ونزع حب الدنيا والتسلط الأبوي والحاكم المتفسخ الذي لا يهتم إلا بجمع المال والحفاظ على الكرسي أياً كان. لماذا مثلاً شكلتم كتلة سياسية باسم «الأحرار» وليس باسم التيار الصدري، ومنعتم مشاركة رجال الدين ومن يرتدون الزي الديني فيها؟ - تسميتها كتلة الأحرار لها منطلقان: الأول: عقائدي... التحرر من الشيطان وسجن الدنيا والتحرر من الظالمين، والثاني: وطني، بمعنى التحرر من المحتل وأذنابه. أما منعنا رجال الدين فلأجل الحفاظ على سمعتهم وعدم تشويهها في الخوض بأمور ستكون مبعدة لها عن محبيهم وعن القواعد الشعبية ولبقائهم مشرفين ومرشدين وناصحين لما يقع من أخطاء حكومية وما شابه. اعترفتم في وقت سابق بأن الضغوط السياسية الخارجية هي التي دفعتكم إلى قرار تأييد صفقة تشكيل الحكومة الحالية عام 2010، هل ما زالت تلك الضغوط متواصلة، وهل سنراها في مفاوضات تشكيل حكومة 2014؟ - لم أقل ذلك، قلت إن هناك ضغوطات ولم أقل إن لها تأثيراً في قرار تشكيل الحكومة وفي ذلك فرق كبير... فلست ممن يخضع بسهولة، خصوصاً أن تشكيل الحكومة الحالية كان له مقومات كثيرة غير التيار الصدري كتأييد القائمة العراقية وتأييد الأكراد لها ولست أنا فحسب، نعم كانت كتلة الأحرار هي بيضة القبان كما يعبرون، إلا أنها آخر من وافق وهذا واضح لكل متتبع. كان همي أن لا يبقى الشعب بلا حكومة ظناً مني أنها ستقوم بواجباتها أمام شعبها... ولكن! بماذا تردون على من يتهم التيار الصدري بإرسال مقاتلين إلى جانب نظام الأسد؟ - الأزمة السورية عبارة عن تصفية خلافات بطرق دموية، لا أخلاقية من جميع الأطراف سواء المعارضة المتشددة أم غيرها، والمتضرر الوحيد هو الشعب السوري الذي يعيش في خوف ونقص الأمن والأمان والطعام والغذاء وكل متطلبات الحياة... أنادي كل ضمير حي لإنقاذ سورية، وأنا مستعد لكل شيء من أجل إيقاف نزيف الدم الجاري فيها. وموقفي الرسمي الحقيقي بصرف النظر عن كل ألسنة الكذب هو: أن ما يحدث في سورية أمر داخلي لا يحق لأحد التدخل فيه، فهو شعب يريد تقرير مصيره فما دخلي أنا وما دخل السياسة فيها، اتركوا سورية لسورية، وكفاكم صراعاً. لكن تياركم رفع في إحدى احتفالاته علم الجيش السوري الحر. هل لديكم استعداد لفتح أبواب الحوار مع الجيش الحر والائتلاف السوري المعارض من دون «جبهة النصرة» و «القاعدة»؟ - لا، ليس لي أي نية لفتح حوار معهم، فالأمر لا يخصني فقد قلت إنه شأن داخلي محض، أما إذا أردت التكلم عن الواعز والمنطلق الديني والإسلامي والعقائدي، فأنا على استعداد تام للدخول كطرف وسيط بين الحكومة السورية وبين المعارضة السياسية غير المسلحة، أما المسلحة فهي أكيد ترفض أي حوار، لا سيما من شخص مثلي... والله العالم. كيف تقرأ موقف «حزب الله» اللبناني من الأزمة في سورية وهل حصل حوار شيعي - شيعي في شأن هذا الموضوع؟ - لهم سياستهم الخاصة ولي سياستي الخاصة، ولم يكن هناك حوار في ما يخص سورية، ولماذا يكون كل الحوار منصباً على سورية؟، نعم، هي الملف الأخطر لكنه ليس الوحيد فالملف العراقي من جهة والملف البحريني من جهة وملفات أخرى إسلامية وسياسية كثيرة. كيف ترى علاقات العراق الإقليمية، خصوصاً مع تركيا ومنظومة الدول العربية هل هي علاقات صحية؟ - العلاقات العراقية العربية متذبذبة يغلب عليها الطابع السياسي من دون العقائدي والقومي والعرقي... لا سيما مع دول الجوار، ويميل فيها العراق إلى الجانب الإيراني أكثر من غيره... ووفق فهمي، فإن العلاقات العربية - العراقية يختلف منظارها فهم ينظرون إلى العراق وحكومته كفئة طائفية يصعب التعامل معها، لا سيما أن القرار فيها موزع على الأحزاب ويمكن وصفها بأنها ليست صاحبة القرار الحقيقي بل هناك قرار إقليمي - غربي - شرقي. لو تسنى لكم رسم شكل معين لسياسة العراق الخارجية كيف تقترح شكل العلاقة؟ - أنا اقترح أولاً: وضع ميثاق إقليمي مع العراق يكون مبنياً على المصالح العامة المشتركة من دون التدخل في الشؤون الداخلية، ثانياً: عقد اجتماعات دورية لأجل وضع حلول ناجعة لما يدور من مشاكل في الشرق الأوسط. وأيضاً أن تبتعد العلاقات عن العنصر الطائفي فهو سهم قاتل، وأن تكون العلاقات محصورة بالدول غير المحتلةالعراق، إلا من باب الحصول على التعويضات وبعض المصالح الأخرى. لماذا لم تبادروا إلى زيارات لدول عربية؟ - أنا على استعداد لتلبية أي دعوة من الدول العربية ودول الجوار، بل طلبت من بعض الدول ذلك ولم يكن منهم رد. إذا كان العرب مرتابين من شيعة العراق أحياناً، أفليس مناسباً أن يبادر شخص مثلكم، إلى فتح حوار دائم مع الدول الإقليمية يكون في مصلحة شعوب المنطقة ويخفف أزماتها ويقلل من الانقسامات؟ - حاولت فلم أجد أذناً صاغية لأسباب عدة، منها: أولاً: لعلي طرف غير مرضى عنه عند الطرفين، فإني إن دافعت عن مقدساتي والمراقد الشيعية كما في سامراء بت شيعياً طائفياً يميل إلى الشيعة، وإن دافعت عن المتظاهرين في الأنبار وانتخاباتهم أو طلبت سحب ثقة من حاكم شيعي بت عدواً للشيعة وتعاطف معي السنّة قلبياً فقط. فالاستحواذ، إن جاز التعبير، على القلبين الشيعي والسنّي أمر شبه مستحيل. ثانياً: إن مقتدى الصدر وقع عليه قرار دولي إنه يجب أن يكون مغموراً في العراق ودولياً، عراقياً من خلال إفشاله في الانتخابات، ودولياً من خلال إقصائه عن القضايا الدولية والإسلامية. وثالثاً: إن ما يحدث من خلاف بين زعماء الشيعة ومعتدلي زعماء العرب، إنما هو أمر سياسي، ومقتدى الصدر لا تعني له السياسة شيئاً، بل إنني إنما أريد التدخل لأجل المصلحة العامة، ومن أجل وحدة الصف الإسلامي والإنساني فقط، من دون النظر إلى المغانم السياسية أو ما يحدث خلف الكواليس من صراعات سياسية وحكومية. هناك أزمة طائفية واحتقان حقيقي في المنطقة. هل لديكم رؤية لخريطة الطريق التي تدرأ الفتنة؟ - يمكن القول إن غالبية الصدام الطائفي الحالي هو صدام سياسي يروم فيه البعض إلى تثبيت قواعدهم وكرسيهم وحكومتهم وتقوية دولهم، إلا أنه لا ينبغي الإغفال عن أن له مناحي عقائدية وإن كان أكثر المتصادمين سياسيين، إلا أنه ذو منحى عقائدي ويحدث باسم الدين والعقيدة. ولو قلنا إن هناك أملاً أو خريطة طريق لدرء الفتنة، فإنه لا بد من أن تبدأ من الواعز الأخلاقي والوطني. ومن عدمت عنده تلك الأمور فيستحيل أن يدرأ فتنة، بل سيبقى طرفاً مؤججاً. من أين تبدأ الحلول؟ - هناك حلول مثل الاجتماعات العلمائية (علماء الدين) الدورية لوضع الحلول وللنقاشات العقائدية المعمقة، إضافة إلى وضع برامج تثقيفية وإعلامية ممنهجة يستفيق من خلالها الكثير من الساسة والمجتمعات من غفلتهم الطائفية، وعدم دعم الحكومات للشخصيات العلمائية الطائفية وقنواتها البغيضة، بل وعدم دعم الشعوب تلك الحكومات الطائفية التي تبني كراسيها على الفتنة الطائفية. إننا نرى وبكل وضوح أن المجتمع عموماً أو قل إجمالاً وليس السياسي فقط، بات يميل كل الميل مع القائد والسياسي الطائفي ويعطيه الإخلاص والأصوات وكل ما يملك من قوة، وهذا بطبيعة الحال سيزيد من خلق شخصيات سياسية طائفية، لكي تنال المحبة والإصوات وبالتالي الفوز بالمكاسب والكراسي وما إلى ذلك. ولعلي أستطيع أن أقول وبمستوى من المستويات إن السياسة الطائفية استطاعت، إضافة إلى بث الروح (الجهادية) أعني الطائفية التي بات جهادها على ابن البلد والصديق قبل اليهودي والأميركي المحتل، أن تجعل الأولوية لقتل الند قبل الضد إن جاز التعبير بمعنى قتل القرين قبل قتل العدو... لكن في الوقت نفسه يمكن القول إن الأم الحاضنة تلك الحكومة الطائفية أو الشخصيات السياسية الطائفية هي القواعد الشعبية الطائفية والأفكار المتشددة المقيتة، وكأن تلك الشخصيات والحكومات وليدة الطائفية وجاءت من رحم الطائفية، فلا بد أن تتحلى بتلك الروح الشيطانية لا محالة. وأنا أركز كثيراً على الشخصيات السياسية والحكومية، لأن ما يحدث حالياً في جميع المجتمعات هو سيطرة الحكومات على مقدرات الشعب وأفكارهم، بل باتت الشعوب لا تنتفض من أجل دينها ولا لقمة عيشها، فكم من شعوب انحرفت عن دينها فسكتت وكم من شعوب عاشت في فقر مدقع ولم تتفوه ببنت شفة، ولكن ما إن أحست بظلم سياسي أو إقصاء أو تهميش حتى بدأت ثورتها وانتفاضتها تتأجج شيئاً فشيئاً، فالحاكم هو الوضع السياسي، والمتصرف والمتحكم هو السياسة الرعناء تلك، فإذا استحكم الحاكم الطائفي بات جل المجتمع طائفياً وإن كانت حاضنته الطائفية من قبل ثلة قليلة، إلا أنها ستتنامى بسرعة هائلة، فإنك ما إن قربت الحطب القابل للاشتعال من الوقود وعود الثقاب فسيشتعل لا محالة. هل تعتقد أن حواراً مذهبياً حقيقياً وجاداً يمكن أن يتم؟ - في ظل الظروف الراهنة لا أعتقد أن هناك حواراً يلوح في الأفق، فالحوار على نوعين: مذهبي عقائدي علمائي، وآخر مذهبي سياسي، الأول تتبناه الجهات العلمائية شعبياً وبصورة غير رسمية، والثاني تتبناه بعض الحكومات، ولو أن إيران والسعودية اتفقتا على هذا الحوار ولو بصورة تدريجية بعد البدء بالحوار العقائدي العلمائي، لأمكن أن تكون هناك نتائج ملموسة. طبعا، مع رفع بعض الموانع الأخرى مثل تدخلات الغرب وإبعاد الخلافات السياسية ولو موقتاً. في هذا السياق فرح الكثيرون بالتقارب بينكم وبين الشيخ عبدالملك السعدي، ووجدوه إشارة إلى أن رجال الدين يمكن أن يدعموا مبدأ التقارب لمصلحة الجميع لكنكم لم تلتقيا مع بعض؟ - وجهت له الرسائل وشكرته تحريرياً في أكثر من مورد، فهل وجه لنا رسالة أو شكرنا لموقف؟ أردت اللقاء به في العراق، لكن يصعب علي الذهاب إلى الأنبار ويصعب عليه المجيء إلى النجف، وحينها ذهبت إلى بغداد وصليت في مسجد الكيلاني، فتصورت أنه سيأتي إلى بغداد لألتقيه، لكنه مرض، نسأل الله أن يمن عليه بالصحة والعافية. لكنه يعيش في الأردن؟ - حاولت الذهاب إلى الأردن، ولكن لم أسمع جواباً إلى الآن، وما كان الهدف من الزيارة إلا اللقاء به. وأظنه بات غير مرضي من بعض المتشددين السنّة فتقلص دوره الشعبي، فإنهم لا يريدون للاعتدال علواً. متى نرى علاقات طبيعية بين الصدر وأميركا والاتحاد الأوروبي مثلاً؟ - كنت أنوي زيارة دول الاتحاد الأوروبي، إلا أني أصطدم بأكثر من عائق، أولها أنهم لم يعطوا الموافقة على الزيارة، وأيضاً لوجود العضو المحتل العراق (بريطانيا) وهذا ما يجعلني قلقاً من العلاقة معهم... فشعبي قد عانى منهم. أما العلاقة مع الحكومة الأميركية، فحالياً هذا مستحيل، ما لم تقدم أميركا الاعتذار للشعب العراقي عن احتلالها إياه بعد أن تنسحب كلياً وتعوض الأضرار كافة. أما العلاقة مع الشعب الأميركي، فلا أظن أن جميع الشعب مع احتلال حكومتهم العراق، بل الكثير منهم رفض ذلك ولا زال يرفض السياسات الاحتلالية، فلا مانع من توطيد العلاقات الشعبية الأميركية معنا... إلا أن هذا سيصطدم بمانع وهو أن الحكومة الأميركية ستمنع ذلك. لكن البعض يقول إنه لو جاء رئيس حكومة من التيار الصدري، فإن شركات النفط قد يصيبها القلق من مواقفكم المتشددة. كيف تنظرون إلى الشراكات التجارية والاقتصادية للعراق مع الغرب؟ - وجودها أمر ضروري، لكسب الخبرات ولجودة العمل، لكن بشروط أبرزها عدم تدخلهم بالشأن العراقي. وأن لا تكون دولة محتلة العراق حالياً، ولو رمزياً. وأن تكون من خلال المناقصات النافعة للشعب لا من باب النفع السياسي والحكومية، وإبعادها عن شيطان الفساد المالي والإداري العراقي، وأن يكون استثمارها في المناطق الفقيرة لا المناطق الغنية، وأن تركز في البداية على البنى التحتية لا البناء على أسس واهية قد تؤول للسقوط عاجلاً لا آجلاً. هناك فضائيات ومنابر سنّية وأخرى شيعية تثير انقساماً حول خلافات تاريخية قديمة، ألا يمكن المرجعيات المعتدلة أن تتخذ موقفاً؟ - إن المرجعيات الشيعية رافضة وجود هذه المنابر، وأنا سمعت ذلك من بعضهم، إلا أن أمر تلك القنوات ليس بأيديهم، لا سيما أن غالبيتها ليست عراقية، وقرار إغلاقها إما بيد الحكومة أو شخصيات سنّية أو شيعية طائفية تبث من خارج العراق... وأنا من خلال منبركم هذا أدعو الحكومات وتلك الشخصيات إن كانت تعي، إلى أن تغلق تلك القنوات فوراً. يحاول بعض رجال الدين من الطائفتين أن يقوم بمراجعة للقناعات المذهبية السائدة التي تثير الخلاف والانقسام، هل تعتقدون أن الوقت مناسب لحصول مراجعات تخفف من الفرقة المذهبية؟ - يمكن القول إنه فات الأوان، والله العالم. فنحن الآن لسنا بصدد المراجعة بل بصدد إنهاء ما يقع من صدامات وإراقة دماء ومفخخات واغتيالات. هناك اعتقاد ديني سائد بأن فرقة واحدة من المسلمين ستنجو؟ مقتدى الصدر كيف ينظر إلى هذه الزاوية الثقافية من الإيمان؟ هل يمكن تحقيق التقارب بين الفرق الإسلامية في ضوء شيوع هذه القناعات؟ - قال تعالى في كتابه العزيز «وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون»، والعبادة هنا الطاعة، بمعنى أن المغزى الرئيسي من الخلق هو طاعته سبحانه وتعالى، ومن يخالف هذا المغزى فهو لا يستحق الحياة والبقاء، بل جزاؤه الزوال لا محالة. فقد ورد في الحديث القدسي: يا من لم ترض بقدري وقضائي اخرج من أرضي وسمائي. إن الله حق، وهذا قد يكون مسلماً به، والحق لا يتعدد غالباً، فإنه كما قال علي بن أبي طالب سلام الله عليه: ما اختلفت رايتان إلا وكنت إحداهما على ضلال، فالله سبحانه وتعالى، لا يمكن أن يكون داعماً غير الحق، وإبقاء الباطل في الحياة يعني استمراره، وإبقاء الحق في الحياة يعني استمراره هو لا غير. لكن نجاة فرقة ليس معناه إلقاء الآخرين في النار، بل نجاة الفرق يعني التحاق الآخرين بها وثبوت حقها وأحقيتها، أي بمعنى: إذا جاء نصرالله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا... بمعنى أن تلك الفرقة ناجية دنيوياً وليس في يوم الحساب. والحديث أو الرواية تقول إن هناك سبعين فرقة إحداهما ناجية، والسبعين هنا ليس ذلك العدد المعلوم بل يعني الكثرة، كما في: (وإن تستغفر لهم سبعين مرة...) وهذا يعني أن فرق الاسلام منقسمة ومتشتتة، ولا بد من توحيدها تحت راية واحدة وهي (الحق) وهذا هو المقصود من (الفرقة الناجية) أي الداعية للتوحد ونبذ الفرقة والطائفية والانقسام. وأرى أن تلك الرواية أو الحديث لم يثبت، لا دلالة ولا سنداً... والله العالم. هل يخشى مقتدى الصدر من حرب أهلية في العراق، وأين ستكون منها؟ - المخاوف موجودة، لا سيما في مثل هذه الظروف الطائفية المقيتة، إلا أنني لن أكون طرفاً في هذه الحرب وإن كان ممن ينتمي لي مشتركاً فيها، فأنا بريء من كل المشتكرين. ومن ثم إن الوضع السياسي وإيصال الحكومة الأبوية له المدخلية الأساسية في إلغاء هذه الحرب أو ثبوتها مع وصول الحكومة الديكتاتورية الطائفية لا محالة؟ اتفاق اربيل 2010 تضمن بنوداً لإصلاح القضاء والجيش والتشديد على استقلال السلطات والهيئات المستقلة واحترام البرلمان. هل سنكون أمام لحظة تعيد خطة الإصلاح تلك؟ - لا استقلالية حالياً، فجميع السلطات: القضائية ومفوضية الانتخابات والهيئات المستقلة والجيش والشرطة والوزارات وغيرها عموماً، باتت بيد واحدة لا غير... فأين ديموقراطية الغرب الخادعة الكاذبة؟ دورة برلمان 2010 شهدت تقديمكم دماء جديدة في كتلة الأحرار. هل كانت تجربة تشجعكم على تقديم المزيد من الوجوه الجديدة كنواب وكوزراء؟ - النواب صعب، حيث إن غالبية الشخصيات والدماء الجديدة لا أصوات لها، فدخولهم معنا يعني التردي الانتخابي... وعذراً، لكن وجودهم كمختصين ووزراء فهذا أمر أدعو إليه بشرط الحفاظ على ثوابتنا الوطنية وعدم الخروج عن مركزيتنا في تحديد المصالح العامة لا التدخل في شؤون الحكومة وما شابه. المختصون في كتلة الأحرار بصدد دراسة كيفية الجمع بين كسب الأصوات وبين إلحاق تلك الشخصيات المهمة، ولا يفوتني أني من دعاة إدخال الأقليات داخل كتلة الأحرار، لا سيما أصحاب الحس الوطني منهم، لأجل عدم تهميش الأقليات كما حدث سابقاً.