جُمعات أنصار «الشرعية والشريعة» لا تنتهي، وحملات تأليب المصريين بعضهم على بعض لا تتوقف، وتوقيعات الترشيحات والتنحيات لا تتمهل، وخلافات الجماعات والجمعيات لا تتأنى، وتخوينات الإعلام على الهواء مباشرة لا تتريث، وعمليات الإرهاب الموعودة لا تتردد، والإجراءات الحكومية لاحتواء الأوضاع المتأزمة لا تتحرك، ومصر تنتظر ما سيؤول إليه الشعار المقبل. فمن «مصر تحارب الإرهاب» إلى «مصر في طريقها إلى الديموقراطية»، ينتظر المصريون الشعار المقبل الذي تبشرهم به قنوات التلفزيون الرسمي والخاص، لسان حال الدولة. وبينما هم ينتظرون، لا يجدون في أيام الجمعة راحة، ولا في حملات الشباب هدنة، ولا في جمع التوقيعات رؤية، ولا في خلافات الجماعات قدوة، ولا في تخوينات الإعلام صدفة، ولا في عمليات الإرهاب نخوة، لكن تظل خاصية الانتظار رحمة. رحم الله امرأً عرف قدر نفسه، وهو ما لا ينطبق في نظر كثيرين من أهل مصر على أنصار «الشرعية والشريعة»، المصرّين على عودة الرئيس المعزول محمد مرسي إلى القصر يوم الأحد العصر والمستمرين في العكننة على جموع المصريين في يوم الجمعة، عطلتهم الأسبوعية اليتيمة. «جمعة الصمود والحرية» التي يرفع شعارها اليوم أنصار الجماعة وحلفاؤها ومحبوها، ليست إلا حلقة في سلسلة طويلة مستمرة من فعاليات الشرعية ومسيرات الشريعة وتظاهرات السلمية ومحاولات الجماعة الطلابية المستميتة لتعطيل الدراسة، ويا حبذا المرور ويستحسن لو أضيف إليهما الجمهور العريض من «عبيد البيادة» و «محبي الانقلاب» عقاباً لهم على تفويض الجيش للتخلص من حكم «الإخوان». حكم «الإخوان» الذي انتهى بانقلاب الإرادة الشعبية على مرسي لم ينه معه حملات تأليب المصريين بعضهم على بعض، والتي يسميها الخبراء «استقطاباً» ويطلق عليها الظرفاء «استنطاعاً»، حيث التعمق والمغالاة في الكلام لكسب التعاطف والمؤازرة. تعاطف أنصار الجماعة ومؤازرة محبي الإسلام السياسي تحورت وتبدلت من المحبة والأحضان التي طالما نادى بها مرسي طوال فترة حكمه، إلى مشاريع شهداء في «رابعة» و «النهضة» وأحرار وحرائر، حيث «الشرعية ثمنها دمي» كما أكد في وقت لاحق. وفي المقابل، فإن كراهية حكم «الإخوان» واللدغات السامة التي طاولت المصريين من هيمنة الإخوة وسطوة الأخوات لتفعيل مشروع الجماعة وتمكين الأهل والعشيرة، جعلتهم لقمة سائغة لحملات التأليب وجهود التحريض المبذولة هنا وهناك. وهناك من التوقيعات ما يجري جمعه في سباق مع الزمن ضمن الحرب المستعرة بين مصر والجماعة، فبين «كمل جميلك» و «نريد السيسي رئيساً» لإقناع وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي بالترشح للرئاسة من جهة، وحملة «باطل» الإخوانية لرفض انقلاب الإرادة الشعبية على «الإخوان» وعودة مرسي إلى الكرسي من جهة أخرى، يرصد المصريون أعداد التوقيعات التي يعلن أصحاب الحملات ملايينها المجمعة على مدار الساعة لتعيد إلى الأذهان حملات الماضي القريب، حيث «تمرد» و «تجرد» وحروبهما المستعرة توقيعات وناراً. ولعل نيران خلافات تعديلات الدستور ولجنته الخمسينية هي النيران الأكثر رأفة بالمصريين في هذه الأيام الصعبة، إذ يتابع الشعب حروب مواد الرئيس والجيش والمجالس النيابية والأوضاع العمالية والعقوبات الصحافية والهوية الوطنية والشريعة الإسلامية من باب حب الاستطلاع والعلم بالشيء ليس إلا. وليس هناك من الخلافات التي تنضح بها جماعات النخب الليبرالية والأحزاب السياسية والجبهات الإنقاذية والأجنحة الثورية والحركات الشبابية والتجمعات السياسية الإسلامية ما يجذب المواطن العادي كثيراً، باستثناء ما تصر برامج ال «توك شو» الليلية على إبرازه منها والرقص على نعوشه لحاجة ما في نفس يعقوب والقائمين على الإعلام ومن معهم. والقائمون على الإعلام ومن معهم يرفضون رفضاً عتيداً أن يرأفوا بحال المشاهدين، فجهود التشويش على العقل البشري مستمرة بلا هوادة بين «الجزيرة»، التي تصر على أن مصر كلها ضد الانقلاب، وأن القاهرة والمحافظات عبارة عن أصابع أردوغانية سوداء على خلفية صفراء وتختزل المشاهدين في «أم شيماء مع الشرعية» و «أبو أحمد معاك يا مرسي»، وبحور هائجة من القنوات حيث «المحظورة» المنتحرة والجماعة المندثرة والكوادر الهاربة من جهة، ووسائل إعلام محلية تمارس العكس من جهة أخرى. ويهرب من واقع أليم إلى مستنقع أشد إيلاماً كل من يحاول أن يحلل أو يفند أو يفهم ما تمر به مصر من حوادث إرهاب وعمليات سفك دماء وجرائم قتل جنود باتت شبه يومية، فالجالس على يمين فريق «الإخوان» يراها عمليات أمنية حيث يقتل الشعب نفسه لتشويه الجماعة، والجالس على يسارهم يفهمها في ضوء تهديدات «الناس بتوع ربنا» بتفجير مصر وتفخيخها في حال تم عزل مرسي. عزل مرسي أعاد المصريين إلى مربع «المرحلة الانتقالية» حيث الحكومات الموقتة والهمم المثبطة والعزائم الفاترة. ولولا كرم أخلاق المصريين وذكائهم الفطري ووطنيتهم البالغة التي تهدئ من روع نقص حاجاتهم وتدني الخدمات المقدمة لهم والإصرار عجيب على تجاهل الصعيد والمحافظات النائية رغم وعود متكررة بالمشاريع الهائلة والخطط الرائعة، لفتكوا بالحكومة ومن فيها. لكنهم يسلّون أنفسهم بإطلاق أسماء كودية عليها، مثل حكومة «الأيادي المرتعشة» أو «القلوب المرتجفة» أو «دار المسنين»، إلى حين اختيار الشعار الجديد الذي يحدد مسار المرحلة المقبلة بعد «مصر تحارب الإرهاب» ثم «مصر في طريقها إلى الديموقراطية»، فقد يكون «مصر ملت الانتظار» ومن ثم «مصر تتحدى الملل».