نشرت «بليد» الألمانية أخيراً تقريراً عن نشر روسيا منظومة «إسكندر» الصاروخية في الجيب الروسي كالينينغراد، تناول القدرات الفنيّة للمنظومة المنشورة على الحدود مع دول البلطيق (إستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا). ويبدو أن التقرير قد تعمد الخطأ- لغاية في نفس يعقوب- في تحديد الموقع الجغرافي لكالينينغراد والتي تجاور ليتوانيا وبولندا فحسب. ويثير العجب أن تتفاجأ المجلة الألمانية بنشر موسكو المنظومة على أراضيها، ثم تبالغ في إثارة التشويق من طريق الإشارة إلى أن مدى الصواريخ المنشورة هو 500 كلم ويكاد يوازي المسافة إلى برلين البالغة 527 كلم. لكن «بيلد» تعمدت إغفال أنّ أفعال الولاياتالمتحدة، حليفة ألمانيا الاتحادية، هي التي حملت روسيا على نشر المنظومة في كالينينغراد. فأميركا تنشر 180 قنبلة نووية «ب61» في 6 قواعد جوية في بلجيكا وإيطاليا وهولندا وتركيا، بينما تقصر موسكو انتشار الأسلحة التكتيكية الروسية على أراضيها. وعدد من دول الناتو مزود بطائرات قادرة على حمل هذه القنابل، ومنها الطائرات العاملة في المطار العسكري في شاولاي – ليتوانيا، والتي تبعد 15-20 دقيقة عن أقرب مدينة روسيّة كبيرة وهي سمولينسك. هذه الاعتبارات الأمنيّة لا يمكن أن تغفلها الإدارة العسكرية الروسية. والخطوات الأخيرة تندرج في سلسلة التدابير الوقائية التي ينبغي أن تتخذها روسيا لحماية سيادتها ومواطنيها. وتعتمد الدرع الوقائية الروسية كذلك على نظام رادارات (رصد) وتحذير مسبق من الصواريخ، اسمه «فورونيج - ده أم»، وهو منشور في كالينينغراد. ويغطي هذا النظام نشاط الغواصات البريطانية والأميركيّة النووية التي تحمل صواريخ استراتيجية على متنها. ولا داعي للتذكير بأن روسيا اضطرت إلى هذه الخطوات بسبب إصرار حليفة ألمانيا الاتحادية، أميركا، على نشر منظوماتها الصاروخيّة على الحدود الروسيّة وتهديد الترسانة الاستراتيجية الروسيّة المنشورة في القسم الأوروبي من البلاد ومقدارها نصف مجمل سلاح الردع النووي الروسي. بداية، اقتصرت مشاريع الولاياتالمتحدة على نشر محطة الرادار في جمهورية تشيخيا والصواريخ الاعتراضية في بولندا، لكنها ما لبثت أن طورت خططها والتزمت مشروع نشر منظومة الدرع الصاروخية المتكاملة. واكتمل بناء المرحلة الأولى من إحدى المنظومات في رومانيا، ليتبعها بناء المحطة الثانية في بولندا في جوار الأراضي الروسية. ولا يخفى أن عدداً كبيراً من الروس يردد الدعاية الغربيّة بأن المنظومة الدفاعية وجدت لمواجهة الأنظمة العدوة مثل إيران وكوريا الشمالية. لكن العلاقات تحسنت أخيراً مع إيران التي وعدت بتقليص برنامجها النووي ووقف التخصيب. فنصح وزير الخارجية الروسي أميركا بتأجيل خطط نشر المنظومة الدفاعية في أوروبا. ولم يتأخر رد البيت الأبيض والبنتاغون. فأعلنت واشنطن أن إيران تبقى موضع شكّ في الغرب، أمّا المنظومة فترسى لمواجهة التهديدات المستقبليّة مهما كانت جهتها. وعليه إذا كان من حقّ الغرب أن يتكلم عن التهديدات المحتملة، فروسيا كذلك معرضة للخطر نفسه. والغرب يعد منظومة الدرع الصاروخية الأوروبية، ويتجاهل المخاوف الروسيّة. وغياب الثقة إزاء مخططات الولاياتالمتحدة والناتو هو لسان حال موسكو. وينجم عن السياسة الغربية نشر منظومة «اسكندر» الصاروخيّة في كالينينغراد، على رغم أن المسؤولين العسكريين الروس لم يؤكدوا ما ورد في «بيلد» الألمانية. خلاصة القول إن الغرب سيحصد ما يزرعه. * مسؤول تحرير ملحق «العسكري» في «نيزافيسيمايا غازيتا» الروسية، عن الصحيفة، 16/12/2013، إعداد علي شرف الدين