وصل قطار «المئة كتاب» إلى المحطة الخامسة عشرة، مع صدور «الأغاني الغجرية» للمسرحي والشاعر فدريكوغارثيا لوركا، ترجمة عبدالهادي سعدون، الكاتب العراقي المقيم في مدريد، وتقع في 112 صفحة. سلسلة «المئة كتاب»، تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية، ويرأس تحريرها الشاعر والمترجم المصري رفعت سلام، ولا تقتصر على الترجمات المعاصرة، كما تفتح بابها للمترجمين المصريين والعرب على السواء، فوفق بيانها التأسيسي: «ولأنه لا يمكن تجاهل الأعمال الرفيعة في مجال الترجمة المصرية والعربية، فإن هذا المشروع سيستفيد تماماً مما تم إنجازه على يد مترجمينا العظام، من اللغات المختلفة، اعترافاً بالقيمة الكامنة، وتوفيراً للجهد والطاقة. ستتم الاستفادة من الأعمال المنجَزة، الموثوق في ترجمتها، بإعادة نشرها لتتاح لأجيال وقطاعات وجغرافيات ربما لم تتعرف إليها. أما الأعمال التي لم تسبق ترجمتها، أو تمت ترجمتها بصورة مشوهة، غير دقيقة، فتُحال إلى مترجمين أكفاء، موثوقين، من المجيدين للغات المختلفة، من المصريين والعرب، لإنجاز ترجمتها المطلوبة». تبحث مقدمة المترجم في قضايا مهمة في أدب لوركا وحياته، فتحاول أن تجيب عن سؤال سبب مقتله وذلك بجمع الأقوال المتعددة في هذا السياق، والحكم عليها: «لا تخرج أغلبها عن التكهنات والتوقعات الممكنة»، وهذا تقسيم دقيق ومحكم فثمة أسباب واهية ومنها كونه معارضاً أو يسارياً، وثمة أسباب لها وجاهة منها: الحرب الأهلية الشرسة العمياء، أو الخلافات العائلية. تتناول المقدمة ما يشبه التعريف بلوركا وذكر أعماله المتنوعة، ثم تتحدث عن «الأغاني» وتوضح أنه على رغم أنها نشرت في 1928، إلا أنها كتبت بين 1924 و1927. يتناول المترجم النص بالدرس النقدي، فيذكر أن «لوركا جارى النمط الشعري المعروف منذ العصور الوسطى ب (الرومانث) ومنتخباته الشعرية المعروفة ب «الرومانثيرو». والرومانث نوع من القصائد ذات الطابع التقليدي الشعبي، الخاص بإسبانيا وشبه الجزيرة الإيبيرية وبلدان أميركا اللاتينية الناطقة بالإسبانية، وتوضح المقدمة خصائص هذا النمط وما قام به لوركا من دور في تطويره. تتحدث المقدمة بعد ذلك عن الترجمات المختلفة للديوان لافتة إلى أن الحديث سيكون عن الترجمات الكاملة، أو المجتزأة ما دامت نشرت في كتاب، وذكر منها أربع عشرة ترجمة تضمنت في ثناياها ترجمة الديوان أو بعض قصائده. عن عنوان الديوان يستعرض المترجم عدداً من الصور: «الرومانث الغجري، القصائد الغجرية، الديوان الغجري أو ديوان الأغاني الغجرية»، ثم يبين المترجم سبب اختياره لعنوان «الأغاني الغجرية»: لأسباب عدة أهمها أنه لا مقارب لغوياً في العربية لمفردة «الرومانثيرو»، أو قصيدة «الرومانث». يوضح المترجم أنه اعتمد على طبعات عدة من «الأغاني الغجرية» للاستفادة من تفسيراتها وشروحها للخروج بترجمة جيدة باللغة العربية تقترب من روحية ومناخات لوركا الشعرية. قصائد الديوان ال18 متوسطة الطول، مقسمة إلى مقاطع أحياناً ترد مرقمة مثل قصيدة «القديس سان غابرييل»، أو مرقمة ومعنونة مثل قصيدة «استشهاد القديسة سانتا أولايا» أو معنونة فقط مثل قصيدة «سخرية من السيد بيدرو ممتطياً جواده»، أو من دون ترقيم أو عنونة ويكتفى بفاصل بياض مثل قصيدة «أغنية القمر». تميل لغة الشاعر إلى الغنائية والمشهدية والتعبير عن بيئتها الإسبانية والأندلسية - نعم الأندلسية - وتتسرب إلى النص كلمات عربية. ونستطيع من خلال النص استنباط الكثير من صفات الغجر وطرق حياتهم. كما أن الشاعر ضم الكثير من الشخصيات الواقعية والتاريخية والدينية، ومزجها معاً، متلاعباً بالزمان والمكان ومنتجاً شعرية دافقة. أما المترجم فلجأ إلى طريقتين في محاولة منه لتقريب النص من القارئ، الأولى: عمل هامش شارح لمعنى الكلمة أو مرادفاتها في العربية (المصهر أو كوة الحداد ص 19)، أو للتقريب بين الكلمة الواردة في النص وثقافة اللغة العربية (كلمة من أصل عربي، وهو الكهرمان والخرز الحالك السواد ص 44) أو للتعريف بعلم (سان ميغيل شخصية أسطورية في عالم الغجر... ص 45) الطريقة الثانية للشروح هي إضافة فصل كامل (إضاءات ص 99) وفيها توضيح لبعض العلامات والعتبات الواردة في النص (الإهداء، أسماء الأماكن والنباتات) أو التناصات وما قام به الشاعر فيها من تحويل (في الممرات العالية: تضمين من أغانٍ شعبية مثلما في قصيدة الغناء العميق... (ص 105).