أعود مرة أخرى للكتابة عن تأهل الجزائر لمونديال البرازيل 2014، لكن من زاوية تاريخية لا علاقة لها بالكرة ولا بالفوز على بوركينا فاسو، ولا على أسلوب خليلوزيتش في التدريب.. وتعطي التبرير الكافي والجواب الشافي لهذا التأهل الخرافي. هل بين الناس من يعلم أن البرازيل أصلها جزائري؟ لا أعتقد، ولو واحداً في المئة، أن هناك من بحث في سر هذه الكلمة (برازيل) التي لا وجود لها في ثقافة أهل البلد، ولا يمكن معرفة أصلها لدى السكان، لأن الأمر ببساطة لا يجيب عنه سوى المؤرخون الجزائريون والمهتمون بالحقبة الأندلسية. في مؤتمر يعنى بالتاريخ في نهاية السبعينيات، وكنت حينها، طالبًا في الثانوي، سمعت مؤرخاً جزائرياً مرموقاً اسمه سليمان بن داود يذكر أن البرازيل مشتقة من اسم قبيلة جزائرية أمازيغية إباضية المذهب اسمها بنو برزل أو برزال، المعروفة في منطقة المسيلة (شرق الجزائر) انتقلت بعد فتن وأزمات إلى الأندلس، وكان لها أثر كبير في التوازنات السياسية والعسكرية آنذاك، لكن البرازيليين (أو البرازلة كما يسمون إلى اليوم في منطقة المسيلة) واجهوا صراعات كبيرة في زمن حكم الطوائف، فانتقلوا إلى البرتغال وأقاموا بالجزر الواقعة شرق المحيط الأطلسي هناك طويلاً قبل أن يشدوا الرحال إلى أميركا الجنوبية، في مطلع القرن ال10 الميلادي، فيكونون من أوائل الذين استقروا بالبرازيل، ومنحوها اسمهم! هذا ليس دجلاً تاريخياً، بل هناك كثير من المؤرخين بحثوا في الأمر، بينهم الدكتور إبراهيم فخار الذي يقول إن كلمة برازيل غير موجودة في البرتغالية ولا الإسبانية، وهي موجودة لدى أمازيغ المغرب العربي فقط، وأن تاريخهم يمتد من المسيلة إلى الأندلس ومنه إلى البرازيل الحالية.. ويمكن للمهتمين أن يقرأوا عن بني برزل (أو برزال) في مراجع كثيرة منها (دولة بني برزال في قرمونة، للكاتب حمدي عبد المنعم) وعديد المقالات والبحوث ذات الصلة. ويذكر كثير من المتابعين لهذا الموضوع أن سكان بعض المناطق في البرازيل يحافظون إلى اليوم على تقاليدهم الجزائرية في الأكل، كطبخ الرغيف والكسكسي، ويمارسون طقوساً اجتماعية لا تختلف عما كانوا عليه من اتباعهم المذهب الإباضي أو تحولهم إلى الفاطمي ومنه إلى انخراطهم في اللعبة الأندلسية بصفتهم أبرز فرسان الخلافة هناك.. هذا شيء من التاريخ، نستحضره غداة تأهل منتخب الجزائر، الممثل العربي الوحيد في المونديال، آملين أن يستيقظ الدم الجزائري النائم في عروق البرازلة القادمين من المسيلة وضواحيها فيكونون سنداً لأبناء جلدتهم في مقارعات كروية تتطلب الدعم والمؤازرة.. لكن هل يعرفون ذلك؟ لا أدري، لكن كما تقول الحكمة الشعبية في الجزائر (الدم اللي ما يحن يكندر) أي الدم الذي لا يحن يتخثر.. ولا أعرفُ إن كانت شركة أديداس وهي تعلن اسم الكرة التي سيُلعب بها المونديال، برازوكا، وتعني كما تقول «برازيلي»، قد عرجت قليلاً على التاريخ، وعلمت أن اسم البرازيل ذو أصل جزائري.. والجزائريون هم الذي هزموا الألمان قبل ثلاثين عامًا على أرض الأندلس، وفي ذلك أكثر من معنى.. ومن يقرأ التاريخ يمكنه أن يعرف الجغرافيا. [email protected]