يخطئ من يظن أن وزير خارجية إسرائيل أفيغودور ليبرمان قرر زيارة بعض الدول الأفريقية من أجل النهوض باقتصاداتها، أو تطوير قدراتها الزراعية، وتحسين مشاريع الري والاستفادة من الثروة المائية الكبيرة التي تتمتع بها الدول الأفريقية، أو مساعدتها للاستفادة من القدرات التقنية والالكترونية الإسرائيلية، ويخطئ أكثر من يظن أن إسرائيل قلقة على حياة المواطن الأفريقي، وأنها تحرص على النهوض بمستوى حياته، وتخليصه من الجوع والفقر والبطالة والمرض والجفاف، وأنها تحاول أن تطفئ أوار الحروب الأهلية الداخلية، وتعمل على إقناع حركات التمرد بوقف الاقتتال، الذي لم ينته منذ عهد الاستقلال، أو أنها تسعى لتخليصهم من عقدة النقص والدونية والتفرقة حيث تدعي إسرائيل أن العرب يحاولون تكريسها وفرضها عليهم، وتوحي إسرائيل للأفارقة أنها هي الملاذ الآمن لهم ولثرواتهم ومستقبلهم. ولكن حقيقة الأهداف الإسرائيلية غير ذلك تماماً، فإسرائيل لا يهمها المواطن الأفريقي، ولا تفكر في راحته ورفاهيته واستقراره وأمنه، ولعل الملف السوداني أكثر الملفات التي حملها ليبرمان سخونة، وذلك بعد الاتهامات التي وجهت إلى السودان بدعم المقاومة وتزويدها بالسلاح، فهي تعمل على تطويق السودان من جيرانه الأفارقة، وفرض حصارٍ عليه، وحرمانه من الاستقرار مع دول الجوار، ودعم حركات التمرد التي تعمل ضد الحكومة السودانية. كما تسعى إسرائيل إلى الاستفادة من ثروات أفريقيا، فهي تخطط (للسيطرة على) الماس وإعادة تصنيعه في مصانعها، خصوصاً أنها تعتبر ثاني أكبر دولة مصنعة للماس في العالم. وكشفت طبيعة الوفد المرافق لوزير الخارجية الإسرائيلية في جولته الأفريقية عن حجم الاهتمامات الإسرائيلية في أفريقيا، فهي تبحث عن اليورانيوم، وتنقب عن الثوريوم وغيره من المواد المشعة الضرورية لصناعة الوقود النووي، وتبحث عن أسواق جديدة لتسويق سلاحها الخفيف، بعد أن أغرقت المليشيات الأفريقية بسلاحها الفردي الخفيف والمتوسط فيما يسعى الكثير من الضباط الإسرائيليين المتقاعدين إلى العثور على فرص عملٍ لهم، حيث ينظمون عمليات تدريب وتأهيل لكوادر وعناصر المليشيات الأفريقية، ويسهلون لبعض قادتها فرصة السفر إلى إسرائيل لتلقي التعليمات والتوجيهات التي ترى إسرائيل أنها تصب في مصلحتها. وتراقب إسرائيل عن كثب الدور الإيراني المتعاظم في أفريقيا، حيث أخذت إيران تنحو منحى الصين في القارة السمراء، فأصبحت لها مشاريع كبرى، واستثمارات كثيرة في أكثر من دولةٍ أفريقية، وتخشى إسرائيل من الطموحات الإيرانية في القارة الأفريقية الغنية بمستلزمات الوقود النووي، إذ تسعى إيران للحصول على اليورانيوم اللازم لتشغيل مفاعلاتها النووية، وتدرك إسرائيل خطورة امتلاك إيران كمياتٍ كبيرة من الوقود النووي، لذا تأمل أن تخلق علاقاتٍ إستراتيجية مع دول أفريقيا للحيلولة دون تنامي النفوذ الإيراني فيها، وتستفيد إسرائيل في هذا المسعى من النفوذ الأميركي في القارة. إن إسرائيل تسعى في غفلةٍ من العالمين العربي والإسلامي إلى التغلغل في الحدائق الخلفية للعالم العربي والإسلامي، وتخطط لحرمان العرب من عمقهم الإستراتيجي في أفريقيا، وهنا تكمن أهمية فضح سياسات إسرائيل وإماطة اللثام عن صفقاتها التجارية والاقتصادية.