يعتبر الفنان جمال السجيني أحد أهم النحاتين المصريين. وهو الاسم الأبرز بين المثالين المصريين الكبار الذين جاؤوا بعد محمود مختار الذي توقف فن النحت المصري عند تجربته طويلاً، إلى أن جاء السجيني فطوّر الأساليب السائدة حينئذ وتمرّد عليها. وقد خرج من عباءة مختار مبكراً وهو لا يزال في بداية تجربته الفنية، واختطّ لنفسه طريقاً مختلفاً من الرمزية، وإن لم يبتعد عن استلهامه الصياغات المتماسكة الكتلة المستخدمة في الفن المصري القديم. تنوعت الخامات التي استخدمها السجيني، وتعددت وسائطه الفنية من النحت المجسم إلى التماثيل الخزفية إلى لوحات النحت البارز وتشكيل المعادن، إلى تصميم الميداليات والعملات المعدنية والتصوير. ومثلت إبداعاته في فن النحاس المطروق أكثر المجالات التي ميّزت تجربته على الإطلاق. وإلى اليوم يعدّ فارس هذا الفن بلا منازع. ومن أجل تسليط الضوء على تلك التجربة الرائدة للسجيني في مجال النحاس المطروق، تُعرض مجموعة كبيرة من أعماله في قاعة الزمالك للفنون في القاهرة. ويضم المعرض مجموعة كبيرة من الميداليات التذكارية واللوحات الفنية التي ميزها أسلوب السجيني الرمزي في التناول، وتأثرها بروح الفنون العربية والإسلامية بعامة. كان السجيني أول من وضع توقيعه على العمل بحروف بارزة، الأمر الذي لم يكن متبعاً من قبل. كما عرف بتوظيفه الكتابة في أعماله، جاعلاً إياها عنصراً رئيساً من عناصر العمل، ومبتكراً في الوقت نفسه أسلوباً جديداً في صَوغ الحروف العربية. ويحمل كثير من أعماله في مجال النحاس المطروق نصوصاً كاملة من كتاباته التي تضمن بعضها نقداً لاذعاً للأوضاع الاجتماعية والسياسية. كما عكست كتاباته على نحو مؤثر، روحاً شعرية ثائرة في مضامينها وصياغاتها. من بين هذه الأعمال «المعدة العمياء» الذي ينتقد فيه السجيني روح الرجعية واليأس التي سيطرت على المجتمع بعد هزيمة 1967، كاتباً: «يا مدمر الحضارة، يا منبت القذارة... ماتت ضمائركم وجلودكم، ومالت أنيابكم، وقويت الحوافر. مات إخصابكم منذ زمن، ولم تنبت بين أناملكم زهرة، ولن تشجيكم نغمة، ولن يهزكم لون. حواسكم مسدودة في الدهن. مدفونة رأسكم في المعدة، في الخصية، في حوض اللحم والدعارة. يا أعداء الفن الكبير، ويا أعداء القيم، سددتم الأبواب، واغتلتم الشمس ونثرتم دماءها ودماءنا على رمال الضياع». وعن المعرض يقول ابنه مجد السجيني: «يضم المعرض أعمال والدي من النحاس المطروق والميداليات والعملات التذكارية، التي أبدع فيها في التعامل مع أسطح الخامات المختلفة، بقدرته الكبيرة على الرسم وتوظيف ملكات التجسيم والتركيب مصطحباً معه مفهومه الشخصي للرمزية تعبيراً عن قضايا الإنسانية وقضايا الوطن والمجتمع». اشتهر السجيني بأعمال ترصد الواقع المصري الذي كان يمور بالتحولات، فقد عاصر ثورة 1952 في بداياتها، وكان من أشد المتحمسين لها. كما عبر عن الهزيمة في 1967، والعبور والانتصار في 1973، ونحت بإزميله وُجوهاً برونزية لعشرات الشخصيات في الستينات والسبعينات، منهم الرئيس جمال عبدالناصر، والموسيقي سيد درويش، وأم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، والكاتب توفيق الحكيم، والملحن أحمد رامي. وعُرف عن السجيني رفضه جائزة الدولة التقديرية التي منحت له عام 1961، لأنه رأى أنها جاءت متأخرة. أما الحادثة الأشهر والتي التصقت بسيرته، فتمثلت في إلقائه عدداً من أعماله في النيل عام 1969 كنوع من الاحتجاج على الأوضاع السائدة. ورحل السجيني في العام 1977 إثر نوبة قلبية بعد سماعه نبأ زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات إسرائيل!