تستضيف قاعة الزمالك للفنون في القاهرة حتى نهاية الشهر الجاري مجموعة كبيرة من أعمال النحات المصري الراحل جمال السجيني. والسجيني أحد أشهر النحاتين المصريين خلال القرن العشرين. وهو من مواليد عام 1917. درس الفن في كلية الفنون الجميلة في القاهرة، ثم سافر إلى فرنسا لاستكمال دراسته هناك. لكنه سرعان ما حوّل وجهته إلى إيطاليا لتعذّر إقامته في فرنسا وقتها بعد قيام الحرب العالمية الثانية. وعمل السجيني أستاذاً في كلية الفنون الجميلة في القاهرة ورئيساً لقسم النحت فيها حتى رحيله في تشرين الثاني (نوفمبر) 1977 وهو في أوج تألقه وشهرته. ترك السجيني وراءه عشرات الأعمال الفنية بين التصوير والطرق على النحاس والنحت. وعلى رغم ممارسته وسائل مختلفة في التشكيل، إلا أنه عُرف تحديداً كنحات قاد ثورة في حركة النحت المصري المعاصر بعدما ظلت سنوات أسيرة تلك الأساليب التي أرساها النحات محمود مختار في بداية القرن الماضي. والتي وإن كانت تعتمد على الرمزية، إلا أنها ظلت أسيرة للمنهج الأكاديمي في صوغ الأعمال. جاء السجيني ليغير ما استقرت عليه الحال ويؤسس لنفسه أسلوباً يعتمد على الرمزية والتعبيرية، والخروج عن النهج الأكاديمي الذي كان سائداً وقتها. عرف السجيني بأعماله في مجال التشكيل البارز على النحاس. كما اشتهر بأعماله الراصدة للواقع المصري الذي كان يموج بالتحولات في تلك الفترة، إذ عاصر الفنان ثورة تموز (يوليو) في بداياتها وكان من أشد المتحمسين لها. كما عبر عن الهزيمة في 1967، والعبور والانتصار في 1973، ونحت بإزميله وجوهاً برونزية لعشرات الشخصيات في ستينات القرن الماضي وسبعيناته، كان على رأسهم الزعيم جمال عبدالناصر وسيد درويش وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ وتوفيق الحكيم وأحمد رامي... وغيرهم من رموز السياسة والفكر والثقافة في تلك الحقبة. عرف عن السجيني رفضه لجائزة الدولة التقديرية التي منحت له عام 1961. لأنه رأى وقتها أنها جاءت متأخرة. أما الحادثة الأشهر التي التصقت بسيرته. فكانت إلقاءه عدداً من أعماله في نهر النيل عام 1969 احتجاجاً على محاولات تهميشه على المستوى الرسمي. الأعمال المعروضة في القاهرة تضم 24 تمثالاً من البرونز، وثماني لوحات من النحاس المطروق لم يعرض أغلبها من قبل على الجمهور. وتعبر الأعمال المعروضة عن مراحل تطور السجيني والتحامه بقضايا المجتمع الملحة عبر أكثر من ثلاثين عاماً من الإبداع. مديرة القاعة ناهدة الخوري تقول معلقة على الأعمال المعروضة: «إنها تعكس مرحلة من تاريخ مصر، ولكن الأكثر تأكيداً هو أن هذه الأعمال تقف شاهداً قوياً على أن فناناً عظيماً مثل السجيني يمكنه أن يحقق الخلود». وتضيف: «هو فنان يحكي من خلال فنه قصته وتدرجه في النمو والخبرة وتجاربه ومخاوفه وانتماءاته السياسية والاجتماعية. وهو من خلال فنه لم يقدم وصفاً لمرحلة محددة من تاريخ مصر. ولكنه وصف كيف أن هذه الأوقات في هذا العصر أثرت عليه، وبالتالي على توجهات فنه. وبهذا الأسلوب ترك السجيني تراثاً قيماً لوجوده خلال هذه المرحلة قبل الثورة وبعدها». أما الفنانة زينب السجيني فترى في هذا المعرض نوعاً من إعادة الاعتبار لعمها الذي كان مهموماً إلى حد كبير بقضايا وطنه وأمته. وتقول: «كان السجيني بمثابة الأب الروحي لي... كان عمي ومعلمي وصديقي. إذ عايشته من قرب وكنت في صحبته كموديل لبعض منحوتاته أو «كصبي» أساعده في تجهيز متطلبات العمل، ولم يكن السجيني شخصاً عادياً، بل كانت مواقفه تنبع من نفس طموحة صافية مليئة بالحب والخير والمشاعر الدافئة التي أحاط بها كل من اقترب منه».