لم تهدأ بعد عاصفة النقاش التي أثارتها تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان منذ اعتبر أن الفضل في اكتشاف القارة الأميركية يعود إلى المسلمين وليس إلى كريستوف كولومبوس، لكنها عاصفة باردة تلائم جو الشتاء الذي يدق أبواب تركيا بقوة هذه الأيام. أردوغان انتقد من استهزأ بتصريحاته، من مؤرخين ومعلّقين أتراك، واتهمهم بالجهل معتبراً أن استهزاءهم «لم يأتِ عن معرفة بالتاريخ وإنما عن قناعة مبيتة بأنه لا يمكن المسلمين تحقيق اكتشاف بهذه الأهمية، وعن استخفاف بقدراتهم». وكشف الإعلام التركي أن ابن الرئيس بلال أردوغان والوقف الذي يرأسه يستعد لدعم الباحث فؤاد سيزغين الذي نسب أردوغان إليه «المعلومة التاريخية»، وأن الوقف سيدعم نشر كتب الرجل مع حملة دعاية للترويج لها. تضاف إلى ذلك تسريبات عن طلب أردوغان من المجلس الأعلى للجامعات مراجعة مناهج التاريخ، من أجل «تصحيح معلومة اكتشاف أميركا وفق النظرية التركية». وانقسم الإعلام مجدداً، إذ سارعت وسائله المؤيدة لأردوغان إلى الاستنجاد بالكتّاب الداعمين لنظرية الكشف الإسلامي لأميركا، بينما استهزأت صحف المعارضة بتصريحات الرئيس، واعتبر آخرون أنه لم يفقد قدرته الجبارة على تغيير أجندة الإعلام والمجتمع التركي ليشغلهما عن قرارات زيادة الضرائب وأزمة الملف الكردي. وبعيداً عن هذا السجال بين مؤيد ومعارض، هناك من يرى أن صدقية أردوغان وصورته كرجل دولة باتتا على المحك بعد تكرار مثل هذه التصريحات بكثرة خلال السنوات الثلاث الأخيرة. فما زال الجميع في تركيا يذكر للرئيس قوله إن «أنقرة كانت عاصمة الدولة السلجوقية» خلال محاولته تبرير فخامة قصره الجديد وهندسته المعمارية التي نسبها إلى العمارة السلجوقية، بينما مدينة قونيا هي العاصمة السلجوقية المعروفة. كما أن أردوغان صاحب نظرية تفيد بأن الألعاب الأولمبية أخذت اسمها من جبل تركي في أنطاليا، وجاءت «شرارة» الأولمبياد من مغارة في ذلك الجبل التركي. كما اعتبر أردوغان سقراط كاتباً إسبانياً في أحد تعليقاته، وأثار نقاشاً مشابهاً عندما انتقد مسلسل «حريم السلطان» قائلاً إن «السلطان سليمان أمضى 30 سنة في الفتوحات والحروب»، بينما تاريخ السلطان يتحدث عن عشر سنين فقط. وبعيداً عن هذه التعليقات السريعة ما زال أردوغان يكرر تصريحاته حول متظاهري «غيزي بارك» التي لم يثبت منها أي شيء بل عكس كل ما قاله من أنهم دنّسوا مسجداً بأحذيتهم وشربوا الكحول فيه. وتم نفي مؤذن ذلك المسجد إلى آخر في ضاحية إسطنبول لأنه شهد بعكس ما قاله أردوغان، كما أثبتت كاميرات الأمن كذب رواية الأخير عن مهاجمة المتظاهرين امرأة محجبة في الشارع. والمجال لا يتسع لسوق أمثلة أخرى عن سورية وعن مصر التي اعتبر الرئيس التركي أن من حقه التدخل في شأنها لأنه حفيد العثمانيين. وتأمل الأوساط الديبلوماسية التركية بأن ينتهي النقاش حول أميركا قبل وصول نائب الرئيس الأميركي جو بايدن إلى أنقرة في زيارة تأجلت من الاثنين الماضي لأسباب غير معروفة. لكن التأجيل في كل الأحوال صبّ في مصلحة الديبلوماسية التركية التي انشغلت الآن بالبحث عن طريقة تحول دون توجيه الصحافة سؤالاً إلى الرجل عمن اكتشف القارة التي جاء منها للحيلولة دون وقوع أزمة ديبلوماسية جديدة بين أنقرة وواشنطن.