استمعت ثلاث مرات بالتمام والكمال لمقابلة سيد المقاومة «الناعمة» حسن نصر الله التلفزيونية التي بثتها محطة لبنانية، حاولت قراءة السيد أكثر من مرة، سعيت جدياً لأن اقتنع بما يقول فلم أفلح، حذفت احتمالين فلم أنجح، استعنت بصديق فلم يكن ذا جدوى، فأعلنت «انسحابي». يبهرني هذا الرجل، فهو «مجموعة إنسان»، ما يفسر تناقضه على مدى 15 عاماً مضت، فهو دائماً مع السلم في وقت الحرب، ومع الحرب في وقت السلم! هل شاهدنا أكثر تناقضاً من ذلك؟ عموماً لست في وارد الحديث عن صفات الرجل وتناقضاته، لأنه ممن قيل عنهم إنهم يفكرون مرتين في العام! فما أنا بصدده اليوم هو «طلته» البهية، وكَيله اتهاماتٍ تزيد في «تقزيمه»، وتفضح «تبعيته» ل«ملالي طهران». اللقاء التلفزيوني ابتدأه «الببغاء الملقّن» أو المذيع - سموه ما شئتم - بتمجيد «سيد المقاومة» إلى درجة أنه حار في الاسم الذي سيطلقه عليه، وكما قال: «اللغات عاجزة عن إيجاد لقب يتقدم اسم نصر الله»! حسناً، في سعيي لتقديم يد العون للمحطة التي بثت المقابلة والمذيع الذي سقطت لغته أمام «ببغائه»، وهو يقرأ الأسئلة المعدة له سلفاً، توصلت إلى تسمية «قد» تليق بهذا السيد، فماذا عن «سيد فيلق الزينبيات»؟ وبالمناسبة، هذا الفيلق تابع لحزب الله، وتم إرساله «لشد أزر» مقاتلي الحزب في سورية، بحسب ما تم تداوله على الشبكة العنكبوتية! دعونا نقتحم «عالم الدجل» الذي أشاعه لقاء السيد، فمن الواضح أن مهمته في ذلك اللقاء تلخصت في محاولة الإقناع «بأنهم» انتصروا، طبعاً «أنهم» تعود عليه وعلى إيران وسورية، وهنا أراد نصر الله أن يقول إننا استطعنا الانتصار وقلبنا الطاولة، وإن نظام الأسد باقٍ، وإن معركة إسقاطه انتهت. هذا جزء من الحملة الترويجية التي رافقت «طلة» السيد، وجانباً من الرسالة، وإذا ما تمعنا جيداً في هذه الرسالة، فلا يمكننا أن نقول إلا «خبتم وخابت أعمالكم»، فلا بد أن يمر الأسد بمرحلة «تصحيح أوضاع» أو يسقط، وهذه مسألة وقت، لأنه فعلياً فقد شرعيته، ولا يملك فرصة لمواصلة خيانته للعالمين العربي والإسلامي وحتى الإنساني، بدعم العصابات ودولها مثل إيران ومن يساندها، وإذا كان الأمد طال قبل سقوطه، فمن الحماقة التسليم بأن الموضوع حُسم لمصلحة «محور الشر» المتهتك. نأتي الآن إلى الجزء الآخر والأهم من الرسالة التي أراد نصر الله أن يوصلها بالوكالة، فإيران المنتشية باتفاق «متعة» مع الولاياتالمتحدة الأميركية، تعتقد أنها باتفاقها هذا ستستعيد زمن الشاه وموقعه في الخليج. وبالفعل، بدأ البعض يتحدث عن بوادر سياسة أميركية تمنح إيران دوراً إقليمياً في إشارة إلى تخلي واشنطن عن حلفائها الخليجيين، لذلك سارعت دول خليجية بمد يد المصافحة لطهران عدا السعودية بطبيعة الحال التي تدرك عبث ذلك الفكر، بل واستحالته لمن هو واهم أو يعيش على أمله، من هنا واصل نصر الله لعب دور «التيس المحلل» بين بعض الدول الخليجية وإيران، وأمعن في ذلك سعياً لإحداث فجوة في العلاقة بين دول الخليج «الأصغر» من جهة والسعودية من الجهة الأخرى، فالرسالة كانت أن دول الخليج العربي لديها الرغبة في حسن جوار مع إيران، لكن السعودية ترفض، لأنها تريد الهيمنة على القرار السياسي للمنطقة، بل والعالمين العربي والإسلامي، فاستشهد نصر الله بالترحيب بزيارات «ظريف»، ورفض السعودية تحديد موعد لاستقباله، الشق الثاني من الرسالة التي يحملها نصر الله هي اتهاماته للسعودية بدعم الإرهاب! «آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه»، فالسيد اتهم السعودية بأنها خلف التفجير الانتحاري المزدوج الذي استهدف السفارة الإيرانية في بيروت أخيراً، طبعاً هنا وقبل الدخول في التفاصيل لا بد أن نستوعب لماذا اتهم نصر الله السعودية؟ ببساطة شديدة هو لم يقل ولم يتهم بل هو قرأ ما تم إملاؤه عليه من سادته في طهران، وهنا لا يمكن لإيران التي يتنقل «ظريفها» من دولة إلى أخرى - وهو يؤكد رغبة بلاده في علاقات مع السعودية - أن تدعي وتكيل اتهامات للمملكة. وبالتالي، مَن أفضل من حسن نصر الله ليقول عوضاً عنها ما تريد قوله؟ طبعاً لا يوجد، وهي ترمي إلى خلط أوراق المنطقة باتهام السعودية، وإذا ما تم التقارب فلن تكون إيران هي المعنية، بل ستتنصل بسهولة بأن تلك التصريحات لا علاقة لها بها، وإنما هي صادرة عن جهة مستقلة. نصر الله يثبت المرة تلو الأخرى حمقه واستعجاله ورعونته، فهو فقد قيمته كرجل عندما «اختبأ مع النساء في الخندق»، وفقد قيمته كمقاوم عندما أدار سلاحه إلى الداخل، وفقد قيمته كعاقل وهو كل يوم يخرج برأي يناقض ظهوره الذي سبقه. نصر الله: متى ستقف إلى جوار الرجال؟ ومتى ستبلغ «الحلم» وتتخلى عن «صبيانيتك السياسية»؟ أقول «متى» وأنا أدرك أن ذلك ضرب من «الأحلام». * كاتب وصحافي سعودي.