«أخيراً، عرفت أميركا خطأها، وأيقنت جريرتها ورأت أن السيسي أعظم شخصية هذا العام»، «لجان العلمانيين الإلكترونية وكتائب الفجار العنكبوتية أفسدت التصويت وانحازت إلى الانقلابيين لكننا سنسحقهم»، «العالم كله انبهر بالسيسي. وها هو يتربع على عرش الأميركان. تسلم الأيادي»، «هذا تصويت كاذب وانقلابي جائر، فهو لا يستند إلى شرعية ولا يُستَمد من شريعة، وبيننا وبينه الصندوق. ثم إن التصويت أصلاً حرام»، «السيسي رجل العام حتى وإن لم يتصدر قائمة رجل العام»، «السيسي خائن ومرسي رئيسي». هذا وقد تم استنفار القوى الإعلامية والسواعد التلفزيونية جنباً إلى جنب مع التغريدات الثورية والتدوينات «الفايسبوكية» لحشد الحشود وشحن النفوس وشحذ الهمم حتى تدق السبابات على الفأرة أو تنقر على اللوحة إما لنصرة الإسلام في مواجهة العلمانية، أو لرفعة مصر على حساب طيور الظلام، أو لدعم الشرعية والشريعة على رغم أنف الجيش والشرطة والشعب، أو لمساندة جيش مصر العظيم الذي أنقذ مصر من نفق «الإخوان» المظلم ويقود «أم الدنيا» لتصبح «قد الدنيا». في الوقت نفسه، رأت حركة «كايدينهم» أن تقدم وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي في استفتاءات «شخصية العام» السنوية التي تجريها مجلة «تايم» الأميركية هو كيد بَيّن لأنصار الشرعية وغيظ قيم لأتباع التنظيمات ذات الصبغة الدولية. أما حركة «فاقسينهم» فاستشعرت رائحة الشعب الذي عشق البيادة وفضل حكم العسكر على الشرعية، ونبذ وعد الجنة الذي وفره أمير المؤمنين محمد مرسي في مقابل عهد الدنيا الذي قطعه السيسي لتكون مصر «قدها» بعد ما أثبتت أنها «أمها». شدت «أم الدنيا» الرحال، وحزمت أمتعتها السياسية المتشابكة، وشحنت أجواءها الاستقطابية المتناحرة ناقلة إياها إلى أثير مجلة «تايم» الأميركية حيث تحولت دفة الحديث، وانحرفت زاوية الاستنفار، وانجرفت أجواء التحفز بعيداً عن ثنائية «سيسي يا سيسي مرسي رئيسي» و «السيسي عمهم وحارق دمهم» إلى «أردوغان ومرسي وهنية، أنتم أمل الأمة دية» و «ولا أردوغان ولا ترتان، السيسي في كل مكان». المكان الذي يشهد المواجهة الصريحة والمناظرة الحقيقية بين زعابيب الربيع العربي من جهة وأعاصير القوى الإقليمية وبراكين القوى الغربية من جهة أخرى، حيث عطب مفاجئ يصيب رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد، وعطل مباغت يضرب أرجاء توازنات القوى العالمية وتعديل مفاجئ يعيد ترسيم معالم الطريق للجميع. وعلى رغم إن هذه الأبعاد لا تظهر في شكل مباشر في الصراع المصري ذي البعد العربي المنقول إلى ساحة مجلة «تايم» الأميركية، إلا أن الأبعاد الاستقطابية ذات الأهواء «الإخوانية» والتحالفات اللوذعية لدعم الشرعية والجهود الإرشادية لدحض الانقلابية والمحاولات الجوادية لتأسيس حكومات منفية، وغيرها من الانتماءات الوطنية بحلوها ومرها وألوان أطيافها من رغبة في حماية الهوية المصرية وإنقاذ الدولة المصرية من براثن جهود «الإخوان» الدولية ومحاولات «فلولية» لجمع اللبن المسكوب وإرادات شعبية للإبقاء على مصر مصرية من دون ميل إلى مشروع تركي أو استنساخ لجيش حر سوري أو إفراط في «حماس» فلسطيني جميعها تقابل وتواجه وتصارع على مدى الأيام الماضية وحتى تمام ال11 و59 دقيقة مساء أمس بتوقيت نيويورك. دق ما يزيد على مليون و700 ألف شخص على أزرار التصويت في صراع محموم شديد التقارب عميق الاستقطاب شرس التوجهات واسع الإسقاطات متشعب النحل متجذر الشقاق. الشقاق الحادث في مصر بين «الإخوان» وأنصارهم في الداخل والخارج حيث أولوية المشروع على أفضلية الوطن من جهة، وبين المصريين من كارهي الجماعة لأسباب شتى تتراوح بين ترجيح كفة الوطن واستباق حماية الشعوب من توسع الجماعات الساعية إلى أستاذية العالم على حساب احترام الهويات والحفاظ على الثقافات وحماية السيادات من جهة أخرى. حشد وشحن وشحذ، لكنه هذه المرة لم يكن عبر باصات شاحنة لعائلات «الإخوان» من القرى والمحافظات، ولا دق على أوتار مصر الواقعة تحت براثن الجماعة «الإرهابية» وقواعدها ذات «جنون الشرعية» و «المضحوك عليها باسم الشريعة»، لكنه جاء على صعيدين، أولهما تحفيز وتشجيع على التصويت لترجيح كفة هذا حيث الإسلام والشريعة والكرامة ودحض الغرب في عقر داره، أو ذاك حيث مصر والمصريين والعزة والكرامة ودحض الإرهاب الديني في قلب مكتب إرشاده. وثانيهما طبل وزمر وهرج ومرج على الشاشات ومن خلال الفقرات ما يروج منها لتصدر السيسي التصويت باعتباره نصراً لمصر واعترافا بثورة 30 حزيران (يونيو)، ومنها ما ينظر إلى اختيار منافسه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وكأنه اختيار للحق وترجيح للعدل وانتصار لدين الله، ومنها ما يتعامل مع استطلاع المجلة الأميركية ليس باعتباره اختياراً لشخصية العام الأكثر تأثيراً سلباً أو إيجاباً، ولكن باعتباره تنصيباً لأفضل شخصية أنجبها التاريخ وأنتجتها البشرية. البشرية التي ابتدعت شراء أصوات الناخبين البسطاء بالشاي والسكر والزيت، والتاريخ الذي سطر بحروف من ظلمات كيف أقنع بعضهم آخرين بأن أصواتهم تقودهم إلى الجنة أو إن تصويتهم لفلان هو تصويت لدين الله لم تألو جهداً في نقل أفكارها الخلاقة وإبداعاتها الخفاقة إلى تصويت مجلة «تايم»، إن لم يكن عبر الصندوق فعلى الأقل من خلال تشويه الاختيار وتحقيره وتكفيره والحشد ضده والشحن عليه في حال تفوق السيسي، أو عبر تبجيل الاختيار وتعظيمه وتحليله والحشد له والشحن من أجله في حال تفوق أردوغان. لكن للتاريخ وجوهاً عدة وللبشرية منتجات كثر. فحين يخرج كاتب كبير ومحلل عتيد يدعو جموع المصريين إلى التصويت ب «نعم» للسيسي والاستقرار، فإنه هالك في دنيا النفاق لا محالة. وحين يتفتق ذهن محرر نشرة إخبارية ليجعل من تقدم السيسي على أردوغان خبر النشرة الرئيس، فإنه هالس (خفيف العقل) لا محالة. ويمضي التصويت قدماً. وتشكو المجلة من محاولات قرصنة من قبل لجان إلكترونية، وجهود اعتراض من قبل عناصر من «الجيش السوري الحر» على اختيار الرئيس السوري بشار الأسد ضمن القائمة، وعمليات تزوير أصوات لمصلحة النجمة مايلي سايروس والتي تعد المنافس الحقيقي لطرفي الاستقطاب السياسي والديني والمصري والإقليمي والدولي والعنكبوتي. ولم يتبق سوى أغنية تصدر من بيوت المصريين «تسلم الأيادي تسلم يا تايم أمريكاني. تسلم ياللي رشحتلنا حبيبنا، وقولت المايلة لازم تعدلها، لا أردوغان ولا زيه مية، إنشالله تكون نهايتها حياة أو موت»، وذلك على أن ترد مسيرات الشرعية والشريعة وتظاهرات الحرائر و «الشباب عماد الثورة» وبيانات «تحالف دعم الشرعية» بأهزوجة «تصويت ده ولا انقلاب؟»، منشدين ومنشدات «تصويت ده ولا انقلاب؟ لما تلغي تصويت الإخوان، لما تقتل فرصة أردوغان؟ لما تختار السيسي شخصية العام، لما السيسي إللي باعنا يتفوق على أردوغان؟». وبينما ينتظر العالم نتيجة تصويت «شخصية العام» بحسب مجلة «تايم» ثم يمضون إلى أعمالهم وحياتهم ومستقبلهم، ينتظر المصريون النتيجة نفسها ثم يمضون إلى استقطابهم وتظاهراتهم وبكائهم على لبن انسكب أو في طريقه للانسكاب.