من المسائل المطروحة بقوة على الساحة السياسية بشقيها المجالي والفكري، مسألة عائمة بالنسبة إلى بعض سكان الشارع من المتظاهرين، وقد غلا فيها أقوام وفرط فيها آخرون، لماذا؟ - لأنها ليست معادلة رياضية تحسب بالأعداد، ويتوقف الجميع عند عدد محدد، بل مسألة شطرها الأعظم معنوي، والمعنويات مظنة التخبيص والتخبيط والخرص. - ولضعف اتصال الناس بالسنة النبوية وضعف الانقياد في القلوب. - ولأن هناك من يتماهى مع الاستبداد، ويحب القيود، فيردد هذه الكلمة، لأنه عبد أسير. - ولأن هناك انتهازيين يستفيدون من هذه الكلمة، فيرددونها ليس اعتقاداً منهم بوجوب الطاعة، وإنما لتحقيق مآربهم وقضاء حوائجهم، فهم بذلك أسهموا في تشويه هذا الأصل العظيم من أصول أهل السنة والجماعة. - ولعدم الوقوف على الفواصل بين أمر ولي الأمر بالمعروف ونهيه عن المنكر ونصيحته وبين وجوب طاعته وعدم الخروج عليه. - ولعدم التفريق بين إنكار المنكر والنصيحة، والعجيب أن كثيراً من «المسولفجية» في المجالس الذين ينتقدون بشدة الأوضاع والفساد وتشبيك الأراضي، يتحدثون بروح ناقمة وبلغة تحريضية، وهم من أضعف الناس قلوباً عند الشدائد، فإذا انفردت بأحدهم بعد انفضاض السمار، وسألته عن قوله، قال لك: أنا لا أريد الثورة، ولا أريد اختلال الأمن، بل ولا أريد أن ترحل الأسرة الحاكمة! إذا ماذا تريد؟ أريد الإصلاح! أوردها سعد وسعد، ما هكذا يا سعد تورد الإبل، أولاً، ما قمت به مخالفة شرعية، لما فيه من الغيبة وإيغار صدور الناس على ولي أمرهم والظلم والكذب في أحيان كثيرة. ثانياً، ما تقوم به ليس من إنكار المنكر، وليس من النصيحة، وإنما «سوالف» في مجلس ضررها أكبر من نفعها إن وجد. ثالثاً، إذا كنت لا تريد الثورة ولا اختلال الأمن، فأنت توري شرارتها لن أقول هنا ما يقوله غيري دائماً، نحن لا ننكر وجود الفساد ووجود الفقر والبطالة والتشبيك والأخطاء، لأن المجال هنا ليس لسرد الاعترافات، بل لمناقشة أصل من أصول السنة، وسنركز أيضاً على إذا ما كان ولي الأمر ظالماً جائراً، فكيف نتعامل معه في أي بلد وفي أي زمن، فالإسلام صالح لكل الأزمان وكل البلدان، وأما ولي الأمر الذي يطعم رعاياه الزبد بالعسل، فالناس لن يتذمروا منه، ولن يحتاجوا التركيز والتذكير الدائم بهذا الأصل، وإن كانوا متعبدين به، وليعلم أن الخروج على ولاة الأمور لا يكون إلا لأمرين: الأول، ديني كفتنة القول بخلق القرآن، ووقف الإمام أحمد كالطود الأشم من دون الخروج وإسالة الدماء، وصبر على الجلد والسجن، ودعا لولي الأمر، فمن لنا بأمثال إمام أهل السنة عطر الله ذكره. الثاني، دنيوي كفتنة الخوارج، لما ولى عثمان رضي الله عنه قرابته، ووهبهم المال، فقتلوا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوج ابنتيه، ودفع مهر الجنة مرتين. هل للسلف قولان في الخروج على ولي الأمر الجائر، كما لهم قولان في الخروج إذا حصل كفراً بوحاً عندهم فيه من الله سلطان. الحافظ ابن حجر ذكر أن للسلف في الخروج على ولاة الأمور قولين، ثم استقر أمر أهل السنة والجماعة على حرمة الخروج على الولاة، وأثبتوا ذلك في عقائدهم، والحقيقة، أن بعض السلف اجتهد اجتهاداً شخصياً، سوغ فيه الخروج، وهذا في مقابل النصوص المستفيضة المحرمة لهذا الفعل، وفي مقابل فعل وقول الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة الإسلام ودواوين السنة، والمقررون لمنهج أهل السنة والجماعة في الولاية والخروج، وعليه فلا يتابع هذا المجتهد وإن كان من السلف وله جلالة القدر وسمو المنزلة على هذا الأمر، بل ومن الهوى نسبة هذا القول لمنهج أهل السنة والجماعة، بل ينسب إلى قائله أو فاعله. ويبين أنه تأول واجتهد ولم يقر على فعله وقوله، فنحن لا نتخذ أحبارنا ورهباننا أرباباً من دون الله، ونتنكب الصراط المستقيم، وهو توحيد مصدر التلقي، عاملين بالكتاب والسنة، وفق فهم الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة الإسلام ودواوين السنة، وهذا لا يقتصر على باب الإمامة، بل إذا أحدث أحد من السلف قولاً في الأسماء والصفات فإنه لا يسوغ أن يعد هذا قولاً لأهل السنة والجماعة، فيقال إن للسلف قولين في هذه المسألة أو تلك، بينما هذا القول صدر عن واحد من التابعين في مقابل النصوص، ومع ذلك، فابن حجر ذكر أن الذي استقر عليه أمر أهل السنة والجماعة هو حرمة الخروج على ولي الأمر المسلم الذي يحكم بالكتاب والسنة، وللحديث بقية بإذن الله. [email protected]