أكد علماء ودعاة على اتباع منهج السلف الصالح في النصيحة والبعد عن النصيحة العلنية التي تثير الفتنة وتزرع الشقاق بين أفراد المجتمع، لافتين إلى أن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين رحمهم الله كانوا يتبعون منهج النصيحة سرا لولي الأمر ويرون النصيحة العلنية مخالفة لشرع الله وإثارة للفتن. وفي سؤال وجه إلى عضو هيئة كبار العلماء عضو اللجنة الدائمة للإفتاء الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان عن خروج أحد الدعاة في قناة فضائية وحديثه عن الإنكار العلني وأنه طريقة الصحابة والتابعين، قال الفوزان: «هذا الكلام خطأ.. الإنكار على الولاة لا يكون علانية، وإنما يكون بالاتصال بهم ومناصحتهم مباشرة بين الناصح والمنصوح»، مستشهدا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من كانت عنده نصيحة لذي سلطان فلا يكلمه بها علانية وليأخذ بيده وليخل به فإن قبلها قبلها وإلا كان قد أدى الذي عليه والذي له» رواه الحاكم. وأضاف: من يقول بالإنكار على الولاة علانية هذا يسبب فتنة وشرا، ويكذب على الصحابة والتابعين؛ لأن السلف الصالح ما فعلوا هذا. أساس متين من جانبه، قال أستاذ كرسي الأمير نايف لدراسات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ الدكتور غازي بن غزاي المطيري: «ثمة علاقة وطيدة بين النصح والمرحلة والعلاقة والظروف المحيطة، فهذه الرباعية أساس متين لصياغة قولبة النصائح، ولا سيما في القضايا الحساسة التي تأخذ أبعادا ومفاهيم وتنتهي إلى مآلات قد لا يسيطر عليها الناصح، ولعل ما أثير حديثا حول ما صرح به بعض الدعاة يعد في نظري قصورا يفتقد إلى الرؤية الصائبة والتقدير الدقيق، ما جعل هذا الموضوع يأخذ ردود فعل مختلفة أدت إلى التباس في المفاهيم وتحذيرات جانبت الصواب، مع الأخذ بالاعتبار أن المخطئ يناصح، فلا بد أن توضع الأمور في مسارها الصحيح بدلا من إحياء محاور وصراعات لا مبرر لها، والحق أن الظروف الموضوعية للمملكة العربية السعودية تختلف تماما عن غيرها من البلدان، من حيث التقويم المستقبلي والتقدير الموضوعي للأحداث المتصل بالنصح حول الموضوع المثار ذكره، وانطلاقا من ذلك فلا بد من اتخاذ رؤية ومنهجية يتواطأ عليها سائر الدعاة، حيث أن المستقبل المنظور يؤكد علينا جميعا التعاون والتعاضد والتشاور، فلسنا في حاجة لفتح صراعات ونقاشات جديدة عانت منها الدعوة أكثر من عقد كامل، وبخاصة أن الظروف الحالية تلزم الجميع بالتلاحم والتآلف في ظل الهجمات الإعلامية والجاسوسية التي تستهدف مقدرات البلاد ووحدتها، وهذه دعوة كذلك لسائر الدعاة أن يحذروا من إطلاق الأحكام دون إدراك لمآلاتها وما ذكره شيخنا الفوزان يعد قاعدة منهجية دعوية أصيلة تستلزم الظروف والضرورات المحيطة أن تتخذ قاعدة ومسلكا ومنطلقا للجميع». منهج السلف من جانبه، أوضح عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء الدكتور هشام بن عبدالملك آل الشيخ أن منهج أهل السنة والجماعة وسلف الأمة واضح فيما يتعلق بالنصيحة، سواء أكانت العامة أو الخاصة، إذ أن العامة الموجهة لعامة المسلمين والخاصة الموجهة للولاة والحكام والعلماء وأهل المكانة والشأن. وقال: العامة ينصحون بطريقة مناسبة تتناسب مع مكانتهم ومنزلتهم التي هم عليها حتى لا تكون فتنة وإشاعة للبلبلة وافتتان الناس بمثل تلك النصيحة، فالواجب على المسلم إن رأى شيئا ينكره ولا يرى أنه صحيح أن يؤدي النصح وإنكار المنكر حسب استطاعته وقدرته، دون أن يشيع ذلك المنكر ويبثه عند الناس ويقول فلان فعل كذا وكذا، ويوصل هذا الأمر لمن لديه قدرة في التواصل مع أولي الأمر. ولفت إلى المخرج الذي جعله الله لعامة الناس بأن يؤدي عنهم العلماء وأهل الحل والعقد يتولون مثل هذا الأمر؛ لذلك فعامة الناس يرجعون للعلماء وأهل الحل والعقد عندما يرون أمرا ينكرونه والعلماء يؤدون النصيحة وفق منهج سلف الأمة بطريقة مناسبة تتناسب مع الحال والزمان والمكان؛ لذلك لا يجوز الإنكار على الحكام والولاة جهارا نهارا أمام الناس، وإنما توجه النصائح لهم سرا من أهل الشأن والحل والعقد من العلماء الكبار، وألا يتولى ذلك عامة الناس وجهالهم ؛لأنهم إن تولوا الإنكار على الكبار كالولاة والعلماء فتحوا بابا عظيما من الفتنة لا نعلم كيف يغلق، وربما كان في إغلاقه شيء كبير من الفتن التي تحصل في الأمة الإسلامية. وذكر أن ما يفعله البعض من النصح العلني للحكام والعلماء علنا يسمع به القاصي والداني منكر يخالف ما كان عليه أهل السنة والجماعة الذين كان منهجهم يقوم على النصح للحاكم سرا دون أن يكون علنا حتى لا يفرح بذلك الجاهل ومن كان في قلبه مرض. والإمام الشافعي رحمه الله قال: تعمدني بنصحك في انفرادي.. وجنبني النصيحة في الجماعة .... فإن النصح بين الناس نوع.. من التوبيخ لا أرضى استماعه. وقال: الفرق بين الفضيحة والنصيحة هو إشاعة النصيحة بين الناس فأبين للناس أني على حق وأن من أنصحه على باطل وموغل في البطلان، لكن السلف الصالح أكدوا على لحمة الأمة، فنحن لم نتكلف إذا أخطأ شخص بأن يكون حسابه علينا، بل مطالبون بالنصح سرا وإيصال الأمر للعلماء الكبار وهم يتولون إيصاله. وكان سماحة المفتي أوضح مجيبا على سؤال عن طرق النصيحة وكيفيتها، أن النصيحة مطلوبة ولا شك فيها، لكن كل مقام له مقال، وكل إنسان له مقال، مضيفا «النصيحة تكون في الأول بالدعاء ثم بتوجيه الخير ثم إيصالها بالطرق المناسبة، أما التحدث والتشهير والنقد اللاذع لا يؤدي إلى خير، هذا يثير الفتن ولا يحقق خيرا»، وبين أن الناصح يعرف أسلوب النصيحة وكيفيتها ووسائلها، لكن الفوضى والاضطراب والنقد والشتام والسباب العلني هذا أمر غير مقبول ولا مرضٍ ولا يحقق الهدف، بل يملأ القلوب حقدا، المسلم مدعو لجمع الكلمة وتوحيد الصف.