الكشافة تعقد ندوة الاتجاهات التربوية الحديثة    مسؤول إسرائيلي: سنقبل ب«هدنة» في لبنان وليس إنهاء الحرب    الصحة الفلسطينية : الاحتلال يرتكب 7160 مجزرة بحق العائلات في غزة    السعودية تتصدر العالم بأكبر تجمع غذائي من نوعه في موسوعة غينيس    السجن والغرامة ل 6 مواطنين.. استخدموا وروجوا أوراقاً نقدية مقلدة    جمعية لأجلهم تعقد مؤتمراً صحفياً لتسليط الضوء على فعاليات الملتقى السنوي السادس لأسر الأشخاص ذوي الإعاقة    هيئة الموسيقى تنظّم أسبوع الرياض الموسيقي لأول مرة في السعودية    التعليم : اكثر من 7 ٪؜ من الطلاب حققوا أداء عالي في جميع الاختبارات الوطنية    الجدعان ل"الرياض":40% من "التوائم الملتصقة" يشتركون في الجهاز الهضمي    مستشفى الدكتور سليمان فقيه بجدة يحصد 4 جوائز للتميز في الارتقاء بتجربة المريض من مؤتمر تجربة المريض وورشة عمل مجلس الضمان الصحي    «الإحصاء»: الرياض الأعلى استهلاكاً للطاقة الكهربائية للقطاع السكني بنسبة 28.1 %    السعودية الأولى عالميًا في رأس المال البشري الرقمي    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    الطائرة الإغاثية السعودية ال 24 تصل إلى لبنان    سجن سعد الصغير 3 سنوات    حرفية سعودية    تحديات تواجه طالبات ذوي الإعاقة    تحدي NASA بجوائز 3 ملايين دولار    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    «التعليم»: حظر استخدام الهواتف المحمولة بمدارس التعليم العام    سعود بن مشعل يشهد حفل "المساحة الجيولوجية" بمناسبة مرور 25 عامًا    «الاستثمار العالمي»: المستثمرون الدوليون تضاعفوا 10 مرات    السد والهلال.. «تحدي الكبار»    ظهور « تاريخي» لسعود عبدالحميد في الدوري الإيطالي    قيود الامتياز التجاري تقفز 866 % خلال 3 سنوات    فصل التوائم.. أطفال سفراء    وفد من مقاطعة شينجيانغ الصينية للتواصل الثقافي يزور «الرياض»    مملكتنا نحو بيئة أكثر استدامة    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    نيوم يختبر قدراته أمام الباطن.. والعدالة يلاقي الجندل    في الشباك    ألوان الطيف    بايرن وسان جيرمان في مهمة لا تقبل القسمة على اثنين    النصر يتغلب على الغرافة بثلاثية في نخبة آسيا    قمة مرتقبة تجمع الأهلي والهلال .. في الجولة السادسة من ممتاز الطائرة    حكايات تُروى لإرث يبقى    «بنان».. جسر بين الماضي والمستقبل    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    من أجل خير البشرية    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    التظاهر بإمتلاك العادات    مجرد تجارب.. شخصية..!!    كن مرناً تكسب أكثر    خادم الحرمين يوجه بتمديد العمل ب"حساب المواطن" والدعم الإضافي لعام كامل    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الرئيس العام ل"هيئة الأمر بالمعروف" يستقبل المستشار برئاسة أمن الدولة    كلنا يا سيادة الرئيس!    القتال على عدة جبهات    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    التوصل لعلاج فيروسي للسرطان    استعراض السيرة النبوية أمام ضيوف الملك    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي في دورته الثانية للعام ١٤٤٦ه    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الفتنة القاعدية»... الخوف من تكفير الذات
نشر في الحياة يوم 20 - 11 - 2014

وسط التفكك الذي يضرب مفاصل «القاعدة الأم» حول العالم، وخصوصاً في العراق وسورية، يبدو أن عناصر وأعضاء الفصائل جديدة وقديمة، وقعت في شر أعمالها، فسلاح «التكفير» الذي اعتادت على تسليطه على خصومها، أضحى مسلطاً على رقابها، في ظل وقوع بعضها في الظروف ذاتها التي استخدمتها أداة لتكفير الآخر. وتوطت فصائل القاعدة بأسمائها وأشكالها الجديدة في مأزق تكفير بعضها، أو الخوف من «تكفير الذات»، في ظل خروج بعضها على بعض.
«البيعة» و«محاربة دولة داعش» التي تواجه حملة عسكرية دولية، خنقت الفصائل الإسلامية التي كانت تناصب تنظيم «الدولة الإسلامية» العداء، فبينما انقسم «القاعديون» بين مبايع وغير مبايع، ظهر كابوس «الناقض الثامن» الذي طالما استخدموه ضد خصومهم، ليمنعهم من محاربة أتباع البغدادي خلال الحملة الدولية.
البغدادي يعتبر من خلع بيعته أو انشق من الخوارج، وفي المقابل تعتبر جبهة النصرة وفصائل أخرى تناصب «داعش» العداء، البغدادي ورجاله «خوارج»، في حين يبقى طرف ثالث يقف على الحياد، ربما كان ينتظر رجحان كفة على أخرى، أو الابتعاد عن الدخول في «الفتنة القاعدية».
ويستنتج مراقبون أن البغدادي أعلن «الدولة الإسلامية» و«الخلافة» استباقاً لمحاولة جعله «خارجياً»، ولقلب الطاولة وجعل خصومه الجدد في موقع «الخوارج» على «أمير المؤمنين». أمر آخر يعتبره «الداعشيون» سبباً لتكفير «الإخوة الأعداء» من الفصائل الإسلامية في سورية، وهو قتالهم إلى جانب حركة «حزم» التي يزعمون أنها تتواصل وتتعاون مع الأميركيين، وهو أمر كاف بالنسبة إليهم لتكفيرهم. ومن لم يكن منهم «خارجياً» فهو على الأقل «خائن».
الضربات الجوية تشلّ مقاومي «داعش» عقديّاً
كابوس «الناقض الثامن» يجبر «الفصائل الإسلامية» على «مهادنة» البغدادي
إذا كان موقف فروع «القاعدة» في جميع أنحاء العالم تشظى وانقسم أقساماً عدة، أقلقت زعيمه أيمن الظواهري، وعادت إلى تشكيل الفسيفساء القاعدية من جديد، فإن الفصائل السورية هي الأخرى غير ذات موقف موحد من تنظيم «البغدادي»، وهي تتعرض في كل آونة لنوع من المراجعة، وتحرك الخطوات إلى الأمام والخلف، بحسب المجريات المتنوعة، التي كانت الأخيرة منها الضربة الجوية الدولية للتنظيم في العراق وسورية.
تنقسم الفصائل الإسلامية في سورية إلى مبايعة وغير مبايعة، فأما تلك المبايعة مثل فرع «النصرة» في البوكمال، أو بعض عناصر الجولاني في حمص، فهذه أصبحت في حكم دولة «داعش» نفسها، لها ما لها وعليها ما عليها. كما أن ثمة أجزاء من فصائل أخرى غير مبايعة للبغدادي، تقف موقف الحياد منه في بعض المناطق التي تتشارك معه السيطرة عليها، أو تلك التي تخوض فيها معه عمليات مشتركة ضد نظام بشار الأسد، ومن تلك الفصائل على سبيل المثال «نصرة» القلمون، وبعض المقاتلين المستقلين عن «النصرة» من غير المنضمين إلى حلف «مجلس شورى مجاهدي الشرقية».
أما موقف الفصائل الإسلامية الأخرى غير المنضمة إلى «داعش» أو المحايدة تجاهها في الميدان السوري، فهو موقف آيديولوجي وميداني على السواء، فمن الناحية الآيديولوجية يصفون أتباع البغدادي بأنهم خوارج وحرورية (كلاب النار)، والأحق بالقتل، وعلى أنهم «أحفاد ابن ملجم وابن العلقمي»، وحصل التوسع في ذلك بحسب قيادات هذه الفصائل، كما هو الحال لدى قائد «الجبهة الإسلامية» زهران علوش، أو عند شرعي «النصرة» أبي الحسن الكويتي، الذي وصف «الدولة الإسلامية» بالإيرانيين والخوارج، فنجد أن اللهجة والحدة في الوقوف في وجه البغدادي من جانب خصومه تتفاوت من فصيل إلى آخر، وربما تتفاوت من شرعي إلى آخر، أو حتى من رجال دون آخرين.
بيد أن التأصيل الشرعي في وصف «داعش» بالخوارج وتجويز قتاله، هذا كله استمده «مجاهدو سورية» من لسان الظواهري أخيراً، ثم من منظري «القاعدة» والمتعاطفين معها من شتى منظري الأطياف الإسلامية في العالم العربي والإسلامي، وهؤلاء جميعاً اتفقوا على قتال البغدادي وجنوده قتال الخوارج، وفاقاً لما قرره زعيم «القاعدة الأم» في خراسان، غير أن الظواهري نفسه عاد وغيّر رأيه عند إعلان التحالف الدولي لقتال «داعش»، وأمر بعدم قتاله، واستجاب زعيم «النصرة» الجولاني لهذا الأمر، فأصدر بياناً بعنوان «لأهل الوفاء يهون العطاء» شجب فيه الضربة الجوية، ودعا إلى الوقوف في وجهها.
وكان أن استجابت لهذا الأمر الذي قرره زعيم «القاعدة» فصائل عدة، من بينهم فصيل «الجبهة الإسلامية» بقيادة زهران علوش، الذي عقد هدنة قبيل بدء الضربة بيومين مع «الدولة الإسلامية»، وهو الأمر الذي جعلها تتوقف عن الزحف تجاه الغوطة وحمص، لتنقل جزءاً كبيراً من قواتها على الأرض إلى الشمال، قرب الحدود التركية، كما أن «الجيش الحر» الذي اشترك مع «جيش المهاجرين والأنصار» و«داعش» في عملية مطار منغ قرب حلب هو الآخر أعلن أنه لن يقف في وجه تنظيم البغدادي ولن يساعد الحلف الدولي ضده، إلى جانب أن بعض شرعيي «النصرة» الذين يعدّون ألدّ أعداء البغدادي ودولته دعوا إلى هدنة عامة بين جميع الفصائل، واقترحوا توقف قتال الفصائل فيما بينها، وبأن ترعى هذه الهدنة جماعة «أنصار الدين» في سورية المكونة من أربع فصائل جهادية متحدة، الأمر الذي لم يرفضه «داعش» بصراحة، وإن كان تعامل معه بنوع من التوجس والسخرية، خصوصاً مع بعض «السروريين» الذين طرحوه وطالبوا به مثل عبدالله المحيسني، لأن «الدولة» تخشى أن تكون هذه الدعوة إلى الهدنة تمهيداً لاتحاد جميع الفصائل للانضمام يداً واحدة لقتالها على الأرض، تحت وقع الضربات الجوية الدولية.
الهدنة.. فراراً من «الردة»
لفهم ما يجري على الأرض من توقف صريح عن التعاون مع الحلف الدولي ضد «الدولة الإسلامية»، حتى من بين الفصائل التي جرى الذبح وقطع الرؤوس وإرسال الانتحاريين بينه وبينها، فإنه لا بد من أخذ الجانب الآيديولوجي في الاعتبار، إذ إن هذه الفصائل خصوصاً الجهادية منها لا تجد مفرّاً من التوحّد مع البغدادي تجاه النظام، وذلك أولاً لأن المستقرّ في أدبيات «القاعدة» عدم مساعدة الغرب على أي فصيل جهادي، حتى لو كانت الحرب ناشبة بينه وبين مخالفيه، وثانياً لأن من الأصول المستقرة في منهج «القاعدة» في التكفير، وهو مما يجمع عليه كل من ينتسب إليها بنسب أو بسبب، عدم قتال المسلمين مع الكفار، ولو كانوا خوارج، وتكفير واستحلال دم من يفعل ذلك أو يتورط فيه، وهذا ما صرح به قائد «جيش المجاهدين» أبوعبدالله محمد المنصور العيساوي، في كتابه المعنون ب«الدولة الإسلامية بين الحقيقة والوهم»، على رغم أنه ألّف الكتاب من أجل السخرية والهزء من «دولة البغدادي»، ومن أجل الإدلاء بشهادته المناهضة عليهم، وهو من خصوم «داعش» اللدودين. ومع ذلك فإنه قرّر في كتابه هذا أنه يرى أن مساعدة الدول الكافرة على الخوارج ردة، وخروج عن ملة الإسلام.
أما «داعش»، فلم يتغير أي شيء من سياساته وقناعاته تغيراً ذا بال، وإن كان يستثمر هذا الأصل (تكفير مساعد الكفار على المسلمين) سلاحاً أدبياً ناجعاً، لإحراج أي فصيل «جهادي» يفكّر في أي تعاون مع التحالف الدولي ضده، ولأن «الدولة الإسلامية» حين تضمن عدم خوض أي جهة «جهادية» الحرب عليها برياً فإن ذلك يمكّنها من تجنب الأضرار الحقيقية للضربة الجوية بالمناورة على الأرض، كما أنها تستطيع مع استمرار الضربات وتململ الشعب السوري أو المدنيين المتضررين منها جلب أكبر قدر من التعاطف، ولو من خصومها المحاربين، كما حصل ذلك عندما انضم فصيل من «النصرة» في حمص، بعد تعرضه لضربة جوية، جعلت رجاله ينفضون أيديهم من عداء البغدادي ويبايعونه بالأيدي المنفوضة نفسها أميراً للمؤمنين.
ويرى «داعش» أن جميع الفصائل المناهضة له «غادرة»، وهذا حكم عام، خصوصاً التي تقاتله، كجبهة النصرة، التي يسميها «جبهة الغدر»، محتجاً لهذا الوصف بأن «النصرة» كانت تأخذ البيعة للبغدادي في البداية وتقاتل باسمه وتبعاً له، ثم بعد ذلك استقلت بأمرها وأفلتت بالأمور، وانضم إليها من الشرعيين من انضم إليها، فانزاحت بعيداً عن أسلوب البغدادي ومنهجه، ولم تعد تابعة له.
لذا، عندما أدرك البغدادي ذلك سارع من دون الاجتماع بأحد ومن دون استشارة أي شخص من هذه الفصائل إلى قيام «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، استباقاً لإعلان «النصرة» انفصالها الرسمي عنه، الأمر الذي واجهته «جبهة النصرة» بأن بايعت الظواهري الذي أقرها على ذلك، بعد أن لامها على المسارعة إلى مبايعته قبل أن ترجع إليه. بعدها، وقف الظواهري مع «النصرة» جنباً إلى جنب، وأيد التحالف ضد البغدادي، ودعا إلى المحاكم المستقلة التي كان من شأنها أن تقضي بانفصال «النصرة» آخر الأمر عن البغدادي، فما كان من الأخير إلا أن انتقل إلى الخطوة الجديدة التي هي إجهاض مشروع الظواهري بإعلان «دولة الخلافة الإسلامية»، التي انضم إليها وبايعها طيف واسع من فروع «القاعدة» نفسها.
أما من حيث التفصيل في خلاف «داعش» مع خصومه المحاربين، فيختلف حكم رجاله وقادته ومنظريه على الفصائل الإسلامية في العراق، إذ يرى أن من يقاتله إما «خارجي» أو «خائن»، وأن من يستعين عليه بالأموال الأجنبية ويعقد غرف اجتماعات لقتاله مع فصائل غير إسلامية «مرتدون»، وأن من يريد الانضمام إلى أي حلف مع الحكومات العربية أو الغربية هم أيضاً «مرتدون».
ول«داعش» تفصيل في ذلك، فربما يصف فصيلاً - على سبيل المثال «النصرة» - بأنهم «خوارج»، لكنه يكفر بعضهم، ولذلك فإن تنظيم البغدادي كفّر قائد «الصقور» وحليف «النصرة» أبوعيسى الشيخ ومن معه بتهمة أنهم اشتركوا مع حركة «حزم» المتواصلة مع الأميركيين بغرف عمل منسقة لمحاربته، باعتبار أنهم وقعوا في «الناقض الثامن من نواقض الإسلام»، وهو مظاهرة المشركين على المسلمين، وهذه النقطة التي يتعاطف فيها مع البغدادي أكثر فروع «القاعدة»، خصوصاً المحايدين والمتوقفين منهم، لأنها من أصول التكفير المتفق عليها بين «الجهاديين» عموماً.
«داعش» في العراق يصنف «السنّة»..
«مبايعين» و«صحوات» و«بعثيين» و«علمانيين»
منذ تكوين تنظيم «الدولة الإسلامية» وهو يقسّم سنة العراق إلى أربعة فسطاطات معادية، لا يستثني منها إلا «أنصار السنة» (الأكراد المتشددين) وأتباع البغدادي الداخلين في بيعته.
ففي ما يتعلق ب«جماعة النقشبندية» التي يترأسها عزت الدوري، لا يتردد تنظيم «الدولة الإسلامية» في إطلاق اسم «البعث الخبيث» عليهم، فيما يسمي عزت الدوري «المنافق المرتد»، وخاض معارك شرسة مع من يسميهم «الصحوات» منذ نشأتهم إلى أن وقّعوا على اعتزالهم قتال «الدولة الإسلامية» هم والأكراد في الشمال.
وترى دولة البغدادي أن الأكراد (البشمركة) قبل بضعة أشهر نقضوا هذا الاتفاق عندما تقدم «داعش» تجاه التاجي، وأن «البشمركة» إنما تقدموا بأوامر أميركية لوقف زحف البغدادي، فحولت «الدولة» مسار زحفها إلى أربيل، وإلا فهي كانت أصلاً متوجهة إلى كركوك، ثم دخلت دهوك.
أما الآخرون المنضمون إلى الحكومات العراقية (سواء السابقة أم الحالية) فالتنظيم يرى أنهم «خونة»، خصوصاً حزب «الإخوان» في العراق (الإصلاح)، لأنه يرى أنه حزب مولع بما يسميه «الحكومات الصفوية».
كما أن البغدادي ينحي باللائمة عليهم في سبب انسحابه من سامراء بعد سيطرته عليها، لأنهم حشدوا الشعب على التنظيم وانتظروا الفرصة المناسبة لمهاجمته من الخلف، فانسحب التنظيم الذي لا يزال حتى الآن يحاصر سامراء متوعداً حزب «الإصلاح» وجميع من يقف ضده من صحوات العراق حالياً، بحكم أنهم داخلون في حكم «المرتدين الناقضين للعهود».
من جهتهم، فإن عشائر العراق تنظر إلى تنظيم البغدادي على أنه امتداد لحال من الاضطراب والبلبلة والفوضى نشأت في المجتمع العراقي السني، وبدأت بقتال حول الأموال والغنائم والسلب، سواء بين مقاومين وقطاع طرق أو بين «مجاهدين» من جماعات مختلفة في بداية الأمر، أو بين الناس فيما بينهم. ودخل في أتون هذه الفوضى قتال نابع عن أحقاد عشائرية وثارات جاهلية، تمت تغطيته بغطاء الفصائل والأحزاب والجماعات بسبب انتماء بعض أفراد تلك الجماعات، وممارستهم الانتقام بجلباب الجماعة التي يعملون بها، وأضيف إلى ذلك القتال الذي دار بين جماعات وقبائل حول أحقية السيطرة على المناطق وحول أحقية البيعة لأمرائها، وغير ذلك من مسائل الخلاف التي ليس لها علاقة بالكفر والردة في نظر أولئك.
بيد أن الأمر الذي كان مثاراً للاختلاف حول مسألة العمالة أو الردة هو اقتتال هذه الأطياف المتنازعة بعضها مع بعض بمساعدة الأميركيين أو حكومة المالكي (سابقاً) أو لمصالح الأميركيين، أو مصالح هؤلاء الأفراد، أو لجماعاتهم.
ولا يزال التيار السني العراقي مهدداً بمزيد من الاحتراب والاقتتال، ليس فقط من أجل أن «داعش» يريد إجبار الطيف السني كله على بيعته، وإنما أيضاً من أجل الاحتراب الداخلي وفراغ السيادة وغياب الأمان الوطني والمشاركة السياسية الحقيقية للطيف السني في سياسة وحكم ومصير العراق الحالي.
يذكر أنه في ظل ثورة العشائر العراقية السنية وسخطها على حكومة الرئيس السابق نوري المالكي تغاضى بعضها أخيراً، عن زحف «داعش» على المساحات التي سيطر عليها، في الوقت الذي كان التنظيم يعد فيه العدة لبسط نفوذ «الخلافة الإسلامية» قدر مستطاعه في مناطقها.
دعوات منتمين إلى «السلفية»
لمراجعة «العذر بالجهل» «ونواقض الإسلام»
لم يعد انتقاد الفتاوى المتعلقة بنواقض الإسلام ومسائل التكفير حكراً على الاتجاهات المناهضة للسلفية، إذ ظهرت إلى النور أقلام سلفية ليست على وفاق تام مع السلفية التقليدية، خصوصاً في مسائل العذر بالجهل ونواقض الإسلام، بيد أن هذه الأصوات لا تزال تقتصر على أسماء معينة في نطاق التخصصات الشرعية، وبعضها يأتي من سلفيين إصلاحيين أو من شرعيين سلفيين جذورهم العائلية إما صوفية، وإما تتحدر من مناطق كان بين رموزها وبين السلفية ما صنع الحداد.
وأخيراً، أصبح مثقفون وشرعيون سعوديون من التيارات السلفية يتداولون بحثاً بعنوان: «الأجوبة الوفية عن الأسئلة الزكية في العذر بالجهل ومناقشة الحركة النجدية» للكاتب السلفي المتحدر من عائلة صوفية الحسن بن علي الكتاني، في حين يرى سلفيون تابعون للمدرسة النجدية أن الكتاني عالم سلفي لديه بعض الملحوظات التي يحاول أعداء السلفية استغلالها.
وفي فصل من الكتاب بعنوان: «موقف العلماء من الحركة النجدية»، يقسم الكتاني علماء القرن ال12 وما بعده في مواقفهم من الحركة النجدية إلى ثلاثة أقسام: الأول «الرفض التام للدعوة والحركة، واتهام أصحابها بأنهم خوارج ضلال مجرمون يجب القضاء عليهم»، ويعلق: «وكان هذا موقف غالب علماء ذلك الوقت من سائر المذاهب». والثاني: «الموافقة على الدعوة في الجملة، ومخالفة الحركة وسياستها، أو بعض ذلك». موضحاً: «وهذا كان حال جماعة من أهل السنّة والأثر، ومن دعاة تجريد التوحيد، لكنهم كانوا تابعين للعثمانيين معظمين لهم، يرون أنهم خلفاء المسلمين وأمراء المؤمنين». والثالث: «الموافقة والتأييد للدعوة وللحركة»، وأضاف: «وهذا كان حال بعض علماء الأحساء، وكثير من علماء عسير، وغير ذلك، على قلة بين الناس، والعديد من أهل الحديث في الهند».
ويوثق الكتاني أن العداء للحركة والدعوة النجدية كان هو حال جل العلماء من الأحناف والشافعية والمالكية والحنابلة فضلاً عن الزيدية وغيرهم من أهل البدع»، مشيراً إلى أن سبب ذلك «ديني وسياسي». وعزا الكتاني السبب الديني إلى أن جل المسائل التي يدور حولها خلاف أولئك مع الحركة النجدية هي: حكم البناء على قبور الصالحين، والاستغاثة بالأموات، وحكم التوسل بهم، وحكم شد الرحال لزيارة قبور الصالحين، والمولد النبوي، ومسائل الأسماء والصفات وما إلى ذلك».
أما السبب السياسي فيرى الكتاني أنه قتال النجديين للعثمانيين وتكفيرهم لهم، موضحاً أن رد النجديين هو «أن الدولة العثمانية حامية للشرك وداعية إليه، وغيرت الشرع واستبدلت القانون السويسري في القوانين الجنائية به».
أما الموافقون للدعوة النجدية مع مخالفة الحركة فيذكر المؤلف أنهم «كانوا يوافقون دعوة ابن عبدالوهاب ويرونها إحياء لدعوة شيخ الإسلام ابن تيمية ومنهاج السلف، لكنهم استنكروا تسارع النجديين في التكفير وسفك دماء الناس واستحلال أموالهم».
وذكر من أولئك جماعة من الحنابلة المعظمين لابن تيمية وابن القيم، مثل جملة من تلاميذ الإمام السفاريني وابن فيروز، الذي كان من كبار الحنابلة لكنه كان موالياً للعثمانيين، ومن هذا القسم أيضاً من غير الحنابلة الإمام السيد محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني ومحمد بن علي الشوكاني، أما أهل الحديث في الهند، فيذكر المؤلف أنهم تارة يوافقون النجديين وتارة أخرى ينكرون عليهم غلوّهم (بحسب رأي الكتاني).
بعد ذلك ينتقل الكتاني إلى ذكر أنصار الدعوة النجدية، مبيناً أن «جماهير علماء نجد كانوا من أشد أنصار الحركة النجدية، وتخرج على يد الإمام محمد بن عبدالوهاب عدد كبير من العلماء وصنفوا التصانيف الكثيرة في بيان فكرتهم والرد على المخالفين، جمعها العلامة عبدالرحمن بن القاسم العاصمي في «الدرر السنية في الفتاوى النجدية» ومن أشهر أولئك العلماء، أئمة الدعوة النجدية أبناء وأحفاد محمد بن عبدالوهاب مثل ابنه عبدالله وابنه سليمان الشهيد، وعبدالرحمن بن حسن وابنه عبداللطيف ثم حفيده محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف، مفتي الدولة السعودية وشيخ مشايخها. ومن كبار تلاميذ الشيخ وتلاميذ تلاميذه حمد بن ناصر بن معمر وعبدالله أبابطين وحمد بن عتيق وسليمان بن سحمان وغيرهم كثير.
ويتابع: أمَّا من غير أهل نجد فقد تحمس أهل عسير وبلاد تهامة للدعوة النجدية وقاموا معها خير قيام، مثل أحمد بن محمد الحفظي، آنف الذكر، وإن كان انتقد المقاتلين النجديين نصيحة للحركة، ومحمد بن حسين النعيمي صاحب «معارج الألباب» والشريف محمد بن ناصر الحازمي، من أصحاب القاضي الشوكاني الكبار من أهل الحديث والأثر، بل جل أسانيد أهل القرن ال13 وال14 لأهل اليمن والحجاز والهند تمر من طريقه رحمه الله تعالى. كما ذكر الكتاني من كبار أنصار الحركة أبوبكر حسين بن غنَّام الإحسائي المالكي. ومن أهل الحديث بالهند، محمد بشير السهسواني.
وعقد الكتاني في كتابه فصلين أحدهما في محاسن الدعوة النجدية والآخر في أخطائها، فذكر من المحاسن: تجديد الدين وإحياء رسومه، وتجريد التوحيد لله تعالى ومحاربة الشرك، ونصرة السنّة والعمل بها، ونشر كتب السلف وإحياؤها. وذكر من الأخطاء: تضييقهم للعذر بالجهل أو نفيهم له، والشدة والغلظة والجهل بالواقع، وتضخيم أبواب التوحيد على غيرها.
والمهنا: الكتاني «يفتري»... ولا «سبي» في تاريخ «الحركة النجدية»
هاجم الباحث الشرعي سليمان آل مهنا في بحث له صدر أخيراً بعنوان: «الإنصاف والانتصاف»، الشيخ الحسن الكتاني، عائباً عليه ما وصفه ب«الافتراء والانتقاد غير المنصف» ل«الحركة النجدية». وفي اتصال مع «الحياة» أكد المهنا أنه فنّد «مزاعم الكتاني» التي ذكر فيها أن الدولة السعودية استعانت بطائرات الإنكليز ضد «الإخوان»، موضحاً أن هرب هؤلاء إلى حدود العراق والكويت واقتحامهم لها هو ما عرضهم لضربات الإنكليز.
كما شنّع المهنا على الكتاني «أغلوطته» الزاعمة أن مشايخ الدعوة ورجال الدولة السعودية الأولى كانوا يرون سبي النساء والذراري، مستشهداً بأن أئمة الدعوة، ومن بينهم عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب كذّبوا هذه الدعوى. واستطرد: «هذا التاريخ شاهد، فلا يستطيع أحد أن يدعي أن رجال الدولة السعودية الأولى أو الثانية أو الثالثة سبوا نساءه وذراريه».
وتابع المهنا: «الخلاف بين العلماء الذين ذكر الكتاني أن بعضهم حنابلة وسلفيون وشافعية وبين الدعوة النجدية لم يكن في قضايا التكفير المعاصرة، بل كان في قضايا التوحيد مثل الاستغاثة بالأموات ودعائهم، والأسماء الذين احتج بهم الكتاني في انتقادهم للدعوة كان بعضهم من غلاة القبوريين كدحلان، وبعض هؤلاء كان يرى أن كل من يثبت لله الصفات والأسماء على الوجه الصحيح فهو مجسّم مشبه، فضموا إلى بدعتهم القبورية بدعة تضليل كل من يثبت أسماء الله وصفاته، وبدعة تضليل كل من دعا إلى تجريد التوحيد لله تعالى».
وأفاد المهنا أنه ذكر في بحثه المذكور ردوداً أخرى تعقب فيها اتهام الكتاني للإمام محمد بن عبدالوهاب بأنه وقع في تكفير بلدة كاملة من أجل أنها رفضت الدخول في طاعته، مبيناً أن هذه «كذبة باردة»، وأن تكفير هذه القرية لم يكن للمعينين فيها.
لمشاهدة «شجرة القاعدة» من صفحة «تحقيقات» بصيغة ال (PDF).
شجرة «الجهاديين» تطرح ثمارها في أرجاء العالم («القاعدة» تنجب قَتَلَتَها.. وتصنع «سايكس بيكو» ذاتياً)
الفروع المضطربة تهيم على وجوهها («إمبراطورية الفتات»... ميليشيات «متناحرة» وتقلّب في المناهج)
زعيم « القاعدة» الأم يصاب ب«هستيريا» النقض.. و«لعبة الكراسي» تفضح المستور( حلف «الظواهري - الجولاني»... جشع السلطة يبتلع «الاعترافات» و«التزكيات»)
تهمة «الخوارج» تلاحق الجميع و«الخيانة» حد أدنى («الفتنة القاعدية»... الخوف من تكفير الذات)
البغدادي يسيطر على شرق سورية وينقل قواته من الجنوب إلى الشمال (في مذبح الفوضى السورية.. اللحم ل«داعش» و«النظام» والعظم ل«البقية»)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.