شهد مسرح الثقافة الجماهيرية خلال السنوات الأخيرة، انكفاءً ملفتاً للجمهور عن عروضه المُقدمة، ما جعل المهتمين يبحثون عن الأسباب التي أدّت إلى هذا الغياب. «مدرسة الحياة» التقت عدداً من المخرجين والمعنيين للوقوف على أسباب عزوف الجمهور عن العروض، وسبب معالجة هذا الواقع. وفي وقت أكد بعضهم أن الأسباب تعود إلى ضعف الإنتاج وغياب الدعاية وفقر النصوص، ردّها آخرون إلى أسباب سياسية وأمنية تمنع الناس من التجمّع. وفي ما يلي آراء المعنيين... المخرج حسن فرو، عدّد الأسباب التي أدت إلى انصراف الجمهور عن مسرح الثقافة الجماهرية في شكل تدريجي، ومنها أولاً: نقص الإنتاج، إذ أن ميزانية البيت الواحد في التسعينات كانت تصل إلى 25 ألف جنيه، أما الآن فأصبحت الميزانية 15 ألف جنيه. وأدى ذلك إلى نقص الخامات المستخدمة لأي عرض، من ديكور وإضاءة وموسيقى، فالمشاهد يريد أن يرى شكلاً مبهراً للعرض يجذب انتباهه. وترتّب على نقص الإنتاج أيضاً تدني أجور العاملين في القطاع. ثانياً، هناك مشكلة النصوص، فالإدارة تخلت عن دورها، ولم تتعاقد مع مؤلفين جدد. لذلك لم تمدّ المخرجين بنصوص جديدة، خلال السنوات الأخيرة، وأصبح المخرجون يختارون المواد التي تتناسب مع حجم الإنتاج، والتي هي بدورها قديمة. ولم تعد العروض تحاكي واقع الجمهور الذي يريد عادة أن يرى عرضاً يناقش مشاكله وواقعه. ثالثاً، فقر الدعاية والإعلان. فالجمهور لم يعد يعلم بوجود عروض تقام على مسرح الثقافة الجماهيرية، إذ أن أقصى ميزانية للدعاية والإعلان تصل إلى 200 جنيه. رابعاً، المعادلة الصعبة بين الجمهور واللجنة، فالمخرج يريد أن يقدم عرضاً جماهيرياً فيه استعرضات ووسائل جذب للجمهور، وفي الوقت نفسه عرض بسيط يصل إلى جمهور الثقافة الجماهيرية، أما اللجنة فتريد أن ترى عرضاً علمياً وعالمياً، ليس له علاقة بالجمهور، وهكذا أصبح المطلوب من المخرج أن يقدم عرضاً يرضي اللجنة، ويرضى الجمهور في الوقت نفسه، وهذه معادلة صعبة. وقالت الممثلة وفاء عبدالله إن المشكلة تتلخص في سببين: أولاً، الدعاية والإعلان، وثانياً توزيع الميزانية، فالميزانيات جيدة لكن المشكلة في توزيعها، لأن التوزيع الخاطىء يؤدي إلى قلة أجور الممثلين. واعتبر المخرج حسن محمود عباس إن السبب الأساسي لتلك الظاهرة هو ابتعاد مسرح الثقافة الجماهيرية من الجمهور. وأصبح المسرح الذي يُقدم في حالة غربة واغتراب عن البيئة التي تعرض فيها المسرحية، بالإضافة إلى نظام الإدارة الموجود، والذي يتعامل مع مسرح الثقافة الجماهيرية على أساس أنه مسرح للمحترفين. وعندما ننظر إلى لجان التحكيم وإدارة المسرح، نرى أنها لا تهتم بالجمهور. وهناك أيضاً خلط بين هذا النوع من المسرح، والمسرح العادي، حيث يقوم المخرج بتقديم عرض يتلائم مع بيئته. على سبيل المثال، إذا قدّم عرضاً للبيئة الموجودة في كفر الشيخ، فربما لا يتناسب مع جمهور القاهرة، لذلك أقترح أن يتم إقامة مهرجانات إقليمية فقط، والعروض الفائزة على المستوى الإقليمي، يتم عرضها في المهرجان القومي للمسرح. هناك أيضاً الاستعجال غير المبرر الذي يحدث في المهرجانات الإقليمية إلى درجة أن الإنتاج يصل إلى العروض قبل ليلة عرضها بيومين أو ثلاثة، ما يجعل العروض غير جاهزة. وقال المخرج صلاح الحاج إن السبب الأول لتلك المشكلة هو قصور الثقافة نفسها، فهي تتعامل مع العروض وكأنها سرية. والقائمون على الحركة والموظفون في قصور الثقافة مقصّرون في عملهم، وادارة المسرح في غيبوبة، فيجب أن تقام علاقة تواصل بين قصر الثقافة والمنطقة او المحافظة حيث توجد، أي علاقة تواصل مع الجمهور. وأكد المخرج سيد فجل أن عروضه لم ينقطع عنها الجمهور، وكان الحضور كبيراً في غالبية المسرحيات. لكن في أحيان كثيرة يبدأ الناس بالانصراف بسبب المستوى التقني للعروض نفسها، لأن المشاهد ذكي، وعندما يشعر أن الفنان يحترم ذكاءه ويقدم له عرضاً محترماً يليق به، سيذهب إلى المسرح. إذاً فالتقصير من العروض نفسها، وليس من الجمهور. هناك أيضاً مشكلة الدعاية والإعلام، إضافة إلى أن العروض التي تقدم موسمية. وقال الدكتور سامي عبدالحليم إن الجمهور انصرف عن هذا النوع من المسارح بسبب فقر الإنتاج، بالإضافة إلى وجود ظروف سياسية وأمنية تمنع الجمهور من التجمع، كما أنها تشغلهم عن حضور المسرح عموماً. والفنانون الكبار أيضاً انصرفوا عن مسرح الثقافة الجماهيرية، وأصبح كل المتواجدين أو معظمهم من المبتدئين، فمسرح الثقافة الجماهيرية مهم ومفيد جداً، لكن إذا تم الاهتمام به. وقال المخرج محمد الجانيني إن المشكلة الكبرى كانت قبل ثورة يناير، لأن الثقافة الجماهيرية لم تهتم بواقع المجتمع، فما تقدمه كان بعيداً من واقع الناس ومشاكلهم، وصار الجمهور يضع في الاعتبار أن مسرح الثقافة الجماهيرية هو مسرح حكومي (لسان حال السلطة)، لذلك حدثت حالة من عدم الثقة بين الجمهور والمسرح. وحتى الآن ما زال المؤلفون مصممون على عدم تقديم واقع الناس في عروضهم. وأشار المخرج محمود الشوكي إلى أن الأسباب تتلخص في نقاط عدة، أولاً: العروض المقدمة في أغلب الأحيان ليست على قدر من المستوى حتى يلتف حولها الجمهور، ثانياً: لا يوجد معرفة بوجود عروض بسبب التقصير في الدعاية والإعلان، ثالثاً: عدم وجود أماكن مستقرة للعروض. وأهم الحلول أن نهتم بمسرح الشارع، حتى نتجه إلى الجمهور في الميادين والشوارع والقرى، لنستعيد فكرة وجود مسرح. وقالت مدير ادارة المسرح في الثقافة الجماهيرية دعاء منصور إن انصراف الجمهور ليس بسبب إدارة المسرح، لكن المشكلة تعود إلى المؤلف أو المخرج. فالمخرجون يقومون بعروض كثيراً ما تكون مكررة، ولا تناسب الأقاليم التى تُعرض فيها.