الدمام – بيان آل دخيل مرت خمسون سنة وأنا في معمعة المسرح كنا نقدم العروض في أحيان كثيرة بدون إجازة ثقافة الصحراء عجيبة ولا يوجد ما يماثلها في العالم لو حضر المجتمع للمسرح لحضرت المرأة في المسرح أتمنى أن تفعِّل وزارة الثقافة يوم المسرح بما يليق به يصادف اليوم الثلاثاء احتفال مسرحيي العالم باليوم العالمي للمسرح، بعد اقتراح قدمه رئيس المعهد الفنلندي للمسرح الناقد والشاعر والمخرج أرفي كيفيا إلى منظمة اليونسكو في عام 1961م، حيث احتفل العالم بهذا اليوم لأول مرة في 27 مارس 1962م، في افتتاح مسرح الأمم في باريس، ليصبح من يومها عادة سنوية تقام فيها فعاليات مسرحية عديدة. وبهذه المناسبة التقت «الشرق» أحد رواد المسرح السعودي، الكاتب محمد العثيم، الذي تحفَّظ على الألقاب التي تطلق عليه، تواضعاً، فرفض لقب «رائد»، كما رفض سابقاً في مقابلات مع صحف محلية ألقاب «العراب»، و»الرمز»، ليكتفي اليوم بالحديث عن تجربته في المسرح السعودي: – متى دخلت إلى عالم المسرح؟ – لاحظت ميلي لهذا النوع من الفن في المرحلة المتوسطة، وإنْ كنت أجهله، فمعرفتي به كانت تقتصر على القراءات الأولى في ذلك الزمن. وبداياتي كانت تجارب متقطعة، أحياناً تجد التشجيع فتدفعني لمحاولات جديدة. وهكذا مرت خمسون سنة وأنا في معمعة المسرح، جدالاً ونقداً وتحكيماً، وما إلى ذلك. ولم أنقطع إلا فترات محددة فرضتها ظروف المرض، أو ما شابه. – كيف كانت البداية تحديداً؟ – كان لدي إرهاصات «شخصية»، ومنها ما تحول إلى قصة في الصحافة، ففي ذلك الوقت لم يكن المسرح موجوداً فعلاً. ومع قدوم الأساتذة والمهنيين إلى جامعة الملك سعود أثناء انتسابي إليها كطالب، ثم معيد، ومحاضر، اقتربت أكثر إلى عالم المسرح، وعالم الطلاب الممثلين، وأسست ورشة في فترة وجودي كمحاضر، وما أزال مستمراً في هذه المرحلة حتى الآن. – هل كانت لكم تجارب في المسرح المدرسي؟ – لا، بداياتي في الجامعة، لكنني كتبت في المدرسة، ولم أوفق في عرض ما كتبت. ومرة، كدت أن أعرض أحد نصوصي على الخشبة في مناسبة عالمية لم أعد أتذكر ما هي، لكن ذلك لم يتم، بسبب توقف النشاط الفني عموماً. وفي الثانوية، كنت أعمل في التلفزيون، وكنت وقتها طالباً منتسباً، ولا أذهب إلى المدرسة صباحاً، لأنني كنت أعمل حتى وقت متأخر من الليل. هذا أثناء عملي كمذيع في تلفزيون القصيم. وبطبيعة الحال، لم يكن هناك أي نشاط مسرحي في المدرسة في ذلك الوقت. – كيف كنت توفق بين الإعلام والمسرح والدراسة؟ – لم يكن المسرح عملاً بالنسبة لي، بل كان هواية ساكنة. وعندما كنت طالباً في الجامعة، كنت أكتب لصحيفة «الرياض»، وأعمل محرراً للأخبار، ومذيعاً، وهذه المهن الأربع لم تعطني مساحة لمشاركة زملائي حلمهم في المسرح في ذلك الوقت. ولم أشارك في المسرح إلا بعد عام 1985م، بعد عودتي من البعثة، وكانت عضلاتي الفنية أقوى من قبل. – ما الذي استفدته من تجربة الابتعاث؟ – كان تخصصي الدراسي في الابتعاث هو الصحافة، ولم يكن مسموحاً أن تدرس المسرح، أو الفن، لكنني حرصت على القراءة وحضور الأعمال، والمسرح في مدينة «ترنزو – كاليفورنيا» لم يكن مزدهراً وقتها، فهي مدينة قروية وزراعية شبه حدودية بين لوس أنجلوس، وسان فرانسيسكو، ولم يكن فيها أماكن ثقافية، لكنني كنت أسافر لأحضر المسرح في أماكن أخرى، كما قرأت كثيراً في الأدب والمسرح. – وكيف كانت الفترة الجامعية في جامعة الملك سعود؟ – عايشت الجامعة منذ عام 1973، كطالب، وكنت مذيعاً في التلفزيون حتى عام 1999م، وتقاعدت من الجامعة مبكراً، لكنني طيلة عشرين سنة في الجامعة لم أتخلَّ عن طلابي، حتى عندما تم إغلاق شعبة المسرح في جامعة الملك سعود. وعندما كنت أُدرِّس فيها انتقلت لجمعية الثقافة والفنون، وطلبت منهم تأسيس ورشة، وعمرها اليوم 12 عاماً، وتشبه معهداً مصغراً، لكنها لا تجد أي دعم، أو تشجيع، لكنها موجودة، تعيش أحياناً، وتموت في أحيان أخرى. – وكيف كنت تعاني مع الطلاب؟ وما طبيعة تلك المعاناة؟ – المد الصحوي قتل فينا الإبداع، ورفض أن نتمدد في جامعة الملك سعود، وحوَّل المسرح إلى الوعظ والإرشاد، مع أن المسرح فن قائم، وله أصوله، ومنعت الموسيقى التي كانت ممكنة في السابق، وكان علينا تحديد النشاط، وكنا نقدم العروض في أحيان كثيرة بدون إجازة، فنُعدُّ العرض كبروفات ونعرضها، وكان علينا أن نقاوم بأي طريقة، ولم نتمكن من تقديم الأعمال إلا بهذه الطريقة. كنت غير محظوظ، لأن مسيرتي بدأت مع هذا الرفض التام اجتماعياً للمسرح، فالمسرح كله تحول، وأمام هذه الصعوبات، توجهت للكتابة بدعم من جمعية الثقافة والفنون، التي كانت ترسل أكثر من نص من نصوصي إلى الخارج، وكانت تتعب وتصرف وتشارك بها في مصر، وتونس، والخليج، وهذا جعل المسيرة لا تتوقف ولو في الخارج. – ما هي طبيعة النصوص التي كنت تكتبها؟ – كتبت كثيراً من النصوص، لكنها لم تكن النصوص التي أريدها، لأنها كانت توائم الوضع القائم، حيث كنا في مرحلة الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفييتي قبل سقوطه، وكان الوضع العام مكهرباً، وفي وضعنا الداخلي كانت العروض والثيمات المطروحة مكررة، كما كان هامش الحرية ضيقاً، فالكاتب مضطر للجوء إلى الرموز، والدوران حول الموضوعات بأدبيات واسعة لا تعطي الكلمة مباشرة، حتى سميت خطأً فيما بعد بالمسرح النخبوي، وهو مسرح الضرورة ليس إلا. – وما طبيعة الرقابة التي كنتم تواجهونها، وكيف كانت تجاز النصوص؟ – في البدايات، لم يكن لدينا في السعودية رقابة بمعنى رفض النص. لم أقترب من المحظورات، وكانت كتاباتي أدبية لا تباشر القضايا الاجتماعية، أو السياسية، حتى لا تصطدم مع الواقع، أو المجتمع، في تلك الفترة. وفيما بعد، عندما بدأ المسرح يعالج قضايا اجتماعية بدأت مسألة الرقابة «هذا يقال وهذا لا يقال»، ولم يكن هناك وعي عند بعض الكتاب، وكانوا يدخلون عن طريق الكوميديا، لكنها ربما لا تكون مقبولة حتى أخلاقياً، فتسببت في خلق المشكلات. – لديك كتب عديدة لم تطبع حتى الآن، فلماذا تحرم القراء من هذه الفائدة؟ – فعلاً، لدي سبعة كتب، بين النصوص، والنقد. والمسألة ليست في حرمان القارئ من الفائدة. إنها التجارة بالنسبة للناشرين، فكتب المسرح لا تباع كالروايات، وكتب الطبخ، ودائماً ما أواجه هذه المشكلة، لكنني إن شاء الله سأطبع مؤلفاتي عبر المؤسسات الثقافية. – وما هي طبيعة المؤلفات؟ – تتضمن ثلاثة أعمال مسرحية: الشعبي الذي يتخاطب مع الجمهور بقيم فنية أكثر مما يرى غالبية الوسط، وحرصت فيها على القيمي الذي يمس تقابلات القيم في المجتمع؛ ومسرح الطفل؛ وأوبريتات غنائية اجتماعية. والنوع الثاني «مسرح النخبة» الذي كتبته في البدايات، ويعالج قضايا وطنية ذات طابع اجتماعي، كالإرهاب، والتقابلات الاجتماعية في الفكر الثقافي، وصدامات الثقافة بين التغيير والتحول. وآخر أعمالي هو مشروع عن مسرح شعراء المعلقات، وفيه مسرحيتان، وإن شاء الله سأكتب عن بقية شعراء المعلقات. – هل هناك سبب معين يدفعك للذهاب نحو شعراء المعلقات تحديداً؟ – السبب كان سوق عكاظ، ومسرحية «امرؤ القيس»، التي قُدِّمت هناك. اطلعت على التاريخ العربي ما قبل الإسلام، وتشجعت أن آخذ منه، لأنه أساس كل ثقافة العرب وشعره، وهو الركيزة القديمة التي تتكئ عليها الدول العربية، فهو قاعدة ثقافية للعرب، لأنها ثقافة الصحراء العجيبة، ولا أعتقد بوجود ما يماثلها في العالم. – وكيف، في اعتقادك، سيستقبل الجمهور مثل هذه المسرحيات؟ – أحرص أن تكون المسرحية جماهيرية، ليستمتع بها الجمهور. وبعد عقد الثمانينات، أدركت أنه لابد أن يكون الجمهور الأساس في أي عرض مسرحي، بتقديم المتعة له. لقد كتبت «طرفة بن العبد» بأسلوب كوميدي، دون انتقاص الشاعر، واحتفيت به كوميدياً، مع إسقاط على السياسات العربية. – كيف تقيم التجارب المسرحية الحالية في المملكة؟ توجد نماذج عديدة، وأساتذة نعرفهم بالاسم. ومع الأسف، فأعمالهم مبعدة لصالح العملة الرديئة، والعملة الرديئة تطرد العملة الجيدة. وهناك أعمال كثيرة مطروحة لكنها لا تسر. ومع الأسف، السائد هو أعمال التهريج، لأن المنتج والتاجر يريد هذا النوع من الأعمال. – ماذا عن الشباب؟ – هناك جيل من الشباب ممن يستهويهم السوق، والمسؤول الأول هو المنتج الذي لا تهمه إلا الجماهيرية، ولا يهمه تقديم المسرح القيمي، على غرار ما قدمه عبدالحسين عبدالرضا، وعادل إمام، وأولئك لا يهمهم سوى إضحاك الجمهور ساعة وينصرفون. – دائماً ما تنتقد التجارب الشبابية في المسرح التجريبي. ما تعليقك؟ – كلمة تجريبي غير موجودة، لدينا مسرح تتابعه النخبة، ويكتنفه كثير من الزيف. قبل أن تعمل مسرح للنخبة يجب أن تكون ملماً بالمسرح، أوسكار وايلد يقول «لا يكسر قواعد المسرح إلا من يعرفها»، يعني أنت لا تستطيع كسر قواعد المسرح والقفز للتجريب وأنت أصلاً لا تمتلك مسرحاً اجتماعياً قائماً، فكيف تقفز لمناطق مظلمة، وأنت في الأساس لم تؤسس لك منطقة. لا بأس أن تتقبل المرحلة بما فيها، وتشجع القائم بالعمل، لكن أيضاً لا يجوز الإفراط في تشجيع القافزين على القيم الثقافية والاجتماعية. – سمعنا عن مشكلات في السابق بينك وبين الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون. ماذا عن علاقتكم بها الآن؟ – أنا الآن عضو مجلس إدارة، وكانت هناك مشكلات في السابق حول العمل، إلا أن المجلس الجديد جيد، ووجود عبدالعزيز السماعيل ساهم في تشجيع الشباب على الإنتاج وكتابة المسرح، وبدأ يقود الدفة نحو الأحسن. – ماذا عن جمعية المسرحيين السعوديين؟ – ولدت ميتة، ومن البداية تقدمت كعضو مسرحي، وليس كمؤسس، ثم انصرفت إلى حالي لما رأيت الحال. لم يعجبني الحال إدارياً، ولا عملهم في التخطيط للمستقبل، فانصرفت لأنني لا أحب أن أكون في معمعة غير صحيحة. وببسيط العبارة، قفزت فئات جاهلة على العمل، ما أدى إلى تدهور الجمعية. – ما رأيك في مهرجانات المسرح المحلية؟ – العمل في المسرح هو حالات وجهود فردية، ولم يصل لأن يكون عملاً مؤسساتياً بأي حال من الأحوال. وأذكر الجهد الكبير الذي بذلته أمانة مدينة الرياض في الجنادرية في العروض المسرحية سابقاً، والذي استمر 24 سنة، وخدم كل المناطق، وكان شباب المناطق يأتون ويعرضون ويتعلمون من النقد. أظن أن ذلك النشاط تقلص الآن. – ماذا عن مسرح أمانة منطقة الرياض؟ – هو مسرح استهلاكي لا يركز على المسرح النوعي القيمي، مع احترامنا للجهد الكبير، وصرف الأموال الكثيرة، ونتمنى أن تتعاون الأمانة مع وزارة الثقافة والإعلام لتقديم مسرح وطني، بما أن المال موجود، وأعتقد أن أربعة عروض تتكرر طوال السنة أفضل من العروض الاستهلاكية. أما عن رعاية الشباب، فقد شجعت المسرح حين كان نشطاً في السبعينات، قبل أن يتوارى المسرح الاجتماعي. وبقي مسرح الجامعة يقاوم حتى أواخر الثمانينات، لكنه أصبح الآن وعظياً، بحكم سيطرة الفئات الصحوية عليه. – ما رأيك في جماهير المسرح اليوم، فغالباً ما يذكر أن الجماهير الحقيقية كانت موجودة في السابق، أما اليوم فيعاني المسرح من هجران الجماهير له؟ – الجمهور موجود ومتعطش، لكن أين المسرح الذي يأتيه الناس؟ نحتاج إلى بنى أساسية، ومسارح في الأحياء، فغياب البنى الأساسية جعل المسرح عالة على الأنشطة الأخرى، كون المسارح غير مؤهلة، ونستثني مسرح الملك فهد، والباقية كلها مسارح ضمن إدارات، ولا يوجد مسرح قائم بذاته. والمشكلة تبقى في التركيز على العروض دون البنى الأساسية، كالتدريب الأكاديمي، ووجود مراكز ثقافية، بحيث تكون حاضنة للنشاط المسرحي والسينمائي، وتكون فيها قاعات متاحة للمسرحيين. – تمتلك عدداً من التجارب في تحكيم المسابقات المسرحية. ما هي نظرتك في هذا الخصوص؟ – سأحدثك عن الخليج ككل. فالمسرح يحتاج إلى فكر جديد، وفي كل الخليج هناك شباب متحمس، وجمهور مساند، لكن المسرح يحتاج إلى تغيير الدعم. – في السابق كان هناك إمكانية أن يقوم الرجل بدور المرأة، واختفى هذا الدور. ماذا عن مأزق عدم وجود المرأة في المسرح؟ نعم، في البدايات كنا نقوم بهذا في أندية القصيم، فالرجل يلبس ملابس امرأة، ويقوم بدور الأم مثلاً، ثم جاءت فتاوى تحرم ذلك لاحقاً. وأرى أن السبب الاجتماعي هو من يعيق عمل المرأة في المسرح، كون المجتمع لا يتقبل بعدُ ظهور المرأة بجسدها على المسرح، وإن قبلها في التلفزيون. وأذكر أنه في فترة سابقة، عانينا من منع الشباب من الدخول للأسواق، لكنهم اليوم عادوا إليها، وهذا بمثابة تدرج في التقدم. بالمختصر، لو حضر المجتمع للمسرح لحضرت المرأة في المسرح. – وماذا عن اليوم المسرح العالمي، وما قيمته وأهميته؟ – فرصة تشجيعية تلفت نظر الجمهور إلى أن المسرح لايزال حياً، رغم كل الظروف الصعبة، لكنه لا يعطي فارقاً لدينا كما يعطيه في بلاد المسارح العالمية من خلال الاستعداد للمهرجانات. أتمنى أن تفعِّل وزارة الثقافة هذا اليوم بما يليق به، وكذلك المؤسسات الثقافية الأخرى، والجامعات، والمفترض أن يكون الاحتفال شبه عام، لكن ما يحصل أن الجمعية تقيم بعض المناسبات لهذا اليوم، ولا أحد آخر. – كلمة أخيرة تقدمونها. - المسرح اليوم في حالة كمون وخفوت، ولدينا شباب رائع يستحق التقدير، وهم متحمسون للمسرح، وهم حملة الراية عبر المملكة. ولو نظرنا إلى خريطة المسرح في المملكة في الثمانينات وما قبلها، لن نجده إلا في الرياض، وجدة، وقليل في الأحساء والدمام، والقصيم. الآن، عبر المسرح كل حدود المملكة، بفرقه، وبالشباب المتحمس، ولا ينقصه سوى الدعم والتوجيه والجانب الأكاديمي والعلمي. من مسرحية «امرؤ القيس» (الشرق)