كتاب يحمل العنوان أعلاه للدكتوره مريم بنت خلف العتيبي، الصادر عن دار «جداول»، ابتعته من معرض الرياض للكتاب العام الماضي. يجب أن أعترف أنه من الكتب التي استمتعت بقراءتها أولاً، لجدة الموضوع وأهميته، فنحن للأسف نقرأ عن تاريخنا المحلي عما كتبه عنا الرحالة المستشرقين، وهذا ليس بجريرة علمية، ولكن نحن نحتاج إلى مؤرخين ومؤرخات محليين، يقدمون لنا تاريخنا المحلي بموضوعية وعمق، بعيداً عن أهواء ومصالح قد نجدها في كتابات الرحالة عنا. تتطرق الباحثة في كتابها إلى تاريخ محافظتي الأحساءوالقطيف في الدولة السعودية الثانية، وتبدأ في تقديم لجغرافية تلك المحافظتين وأهم قراها، بل إنها تسرد أسماء العيون فيهما، وتفصّل في شكل إنسيابي النشاط البشري واشتغال سكانها بالزراعة والتجارة والغوص في البحر. وتوضح الكاتبة أهميتهما لمنطقة نجد، إذ إنهما تعتبران المنفذ للعالم الخارجي لها، إضافة إلى علاقتهما الاقتصادية بها في تلك المرحلة. لا شك في أن هذا الترابط أوجد مرحلة محاولة السيطرة والنفوذ السياسي بينهما منذ فترة ليست بالقصيرة، واستخدمتا العامل الاقتصادي كأداة ضغط على «نجد» ممن يسيطران عليهما. أهمية الأحساءوالقطيف ل «نجد» في تاريخ الدولة السعودية الأولى والثانية لا تخفى على أحد، كانت تلك المحافظتين تخضعان لقوى نفوذي تلك المرحلة، سواء من البريطانيين أم العثمانيين، واللذين كانا يتخوفان من امتداد الدولة السعودية الثانية تجاه الشرق والاتصال بالعالم الخارجي. وتشير المؤلفة إلى أن مشكلات مرت بها محافظتا الأحساءوالقطيف في تلك الفترة أقل من المحافظات الأخرى، على رغم المغريات الاقتصادية التي تتمتعان بهما، والتي تعتبر من أهم الأسباب التي تغري القوى المجاورة فيهما، إضافة إلى مساحتهما الكبيرة مقارنة بالمحافظات الأخرى، وإضافة أيضاً إلى التنوع المذهبي فيهما، إلا أن مثل هذه العوامل جعلت الدولة المركزية في الرياض تفرض الأمن والاستقرار لأسباب اقتصادية، لما تمد به تلك المحافظتين جيوش الدولة من موارد، إضافة إلى أنهما مطلتان على المياه أعطت الدولة السعودية الثانية فرصة التمدد لمناطق أخرى إلى ما وراء البحار، فوصلت سيطرتها إلى عمان، عكس المناطق الغربية التي لم تصل إليها القوات السعودية في تلك المرحلة، مقارنة بالسيطرة التي امتد إليه النفوذ السعودي في الدولة السعودية الأولى. وهناك سبب آخر، تورده المؤلفة لاستقرار الأحساءوالقطيف في تلك المرحلة، وترجعه إلى حسن الإدارة من حكام الدولة السعودية الثانية، بخاصة سياسة الإمام تركي بن عبدالله التي كان يغلب عليها التسامح الديني من دون النظر إلى الخلفية المذهبية، سواء كانت سنية أم شيعية، وكان لهذه السياسة مشاركة الأهالي في الأحساءوالقطيف في القتال مع الجيوش السعودية، وبخاصة مشاركتهم في حرب الإمام فيصل بن تركي في معركته، للدفاع عن بعض مناطق نفوذه أمام القوات المصرية. وترجع المؤلفة إلى أن من أهم سقوط الدولة السعودية الثانية هو احتلال القوات العثمانية الأحساءوالقطيف اللتين تعتبران المصدر الاقتصادي لمنطقة قلب الدولة المركزية «نجد»، وهي المنطقة التي تتسم بشح الموارد، والتي بدورهما تؤثران في استمرار وتمويل قواتها. وتورد المؤلفة وصفاً دقيقاً للازدهار السكاني في تلك المحافظتين من حيث النشاطات الحرفية التي يزاولها السكان، والتي نجد بعض العوائل فيهما تتوارث تلك المهن. أما على المستوى الزراعي فكانت محاصيل التمر والبرسيم تأتي في مقدم ما تنتجانه، إضافة إلى مزاولة صيد الأسماك وتجارة اللؤلؤ في مياه الخليج وصناعة السفن، بخاصة في القطيف التي كانت أخشابها تستورد من الهند. جميل أن نقرأ تاريخ مناطقنا السياسية من باحثين وباحثات بهذا المستوي العلمي، بخاصة أن معظم ما كتب عن هاتين المحافظتين تاريخياً كان من مستشرقين مرتبطين بمصالح دولهم. كثيرة هي الدراسات والأبحاث الأكاديمية التي تقبع في الأدراج، ولكنها لم تطبع وتنشر للجمهور، فشكراً لدار «جداول» لطبعها هذه الأطروحة المميزة، ولمؤلفتها الدكتورة مريم بنت خلف العتيبي. [email protected] @akalalakl