فتح الرئيس المكلف تأليف الحكومة اللبنانية سعد الحريري كوة في جدار الخطاب السياسي المتشنج الذي سبق اعتذاره عن عدم تأليف الحكومة ورافقه، غداة تكليفه مجدداً التأليف بأصوات الأكثرية ونائبين من المعارضة أول من أمس، فدعا الى «أن لا نضع شروطاً مسبقة على بعضنا بعضاً، لا في الشكل ولا في الصيغ ولا في نوع الحكومات أو غيرها...». وأجرى الحريري أمس جولته التقليدية على رؤساء الحكومة السابقين، التي يبدأ عادة أي رئيس مكلف مشاورات التأليف بها، وشملت زعيم «التيار الوطني الحر» ميشال عون بصفته رئيساً سابقاً للحكومة، وقال إن الحوار خلال اللقاء كان «واضحاً وصريحاً وجدياً». وقال مصدر مقرب من رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي لم تسمّ كتلته الحريري لرئاسة الحكومة خلافاً لتكليفه الأول في 27 حزيران (يونيو) الماضي أن «لدى البرلمان قراراً بالتعاون والتفاهم مع الرئيس الحريري على رغم عدم تسميته وسترون حين نلتقي به أننا متجهون لتسهيل مهمته من دون شروط عليه لاعتقادنا بأنه الأفضل والأصلح لتشكيل الحكومة الجديدة ومواجهة الاستحقاقات المقبلة». وقال الحريري في تصريحاته بعد أن التقى كلاً من عون والرؤساء: سليم الحص، رشيد الصلح، عمر كرامي وفؤاد السنيورة واتصاله الهاتفي بالرئيس نجيب ميقاتي لوجوده في المملكة العربية السعودية حيث قابل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أن اعتذاره (عن عدم تأليف الحكومة قبل أسبوع) «حصل بعد ارتفاع حدة الخطاب السياسي لدرجة مرتفعة جداً لم يعد بعدها ممكناً أن يتنازل أحد منا للآخر». وأضاف: «أنا أطلب من الجميع أن تجرى المشاورات في غرف مغلقة وأن يتم خلالها الكلام في شكل واضح وصريح وعدم التسريب... لأن الإنسان حين يضع نفسه في الزاوية تصبح الكلمة التي تخرج من فمه ليست ملكه». وفيما أضفى الحريري أجواء إيجابية على انطلاقة مشاوراته بعد تكليفه الثاني بتصريحاته، تحدث عن إجراء المشاورات النيابية مع مختلف الكتل النيابية بعد عيد الفطر «ثم نبدأ العمل لتشكيل الحكومة... وهو أمر يجب أن يتم في أسرع وقت، بعد أن تكون كل الكتل عبّرت عن رؤيتها حيال شكل الحكومة». ورفض الحريري الخوض في تفاصيل الحكومة وشكلها رداً على سؤال حول ما إذا كانت صيغة 15 وزيراً للأكثرية و10 وزراء للمعارضة و5 لرئيس الجمهورية التي كان اتفق عليها في تكليفه الأول مع كل من الرئيس ميشال سليمان وبري و «حزب الله» ووافق عليها عون. إلا أن الرئيس كرامي أوحى في تصريحه بعد لقائه الحريري أن موضوع هذه الصيغة «مفروغ منه ويتفق عليه الجميع ولا أعتقد أنه سيتغير ونحن نريد أن نحلحل ما تبقى من عقد». وعكس العماد عون من جهته أجواء التهدئة التي حكمت تصريحات الحريري بالقول إنه اتفق معه «على ضرورة الحفاظ على الهدوء والابتعاد عن التشنج في ظل أوضاع اقتصادية نامية وحال أمنية مستقرة». واتصل الحريري برئيس الجمهورية ميشال سليمان مساء ووضعه في أجواء جولته على رؤساء الحكومة السابقين. وكان الحريري أكد في كلمة له في إفطار غروب أول من أمس الأربعاء أنه سيكون «بالي أطول هذه المرة» من تكليفه السابق، وقال أمس عن اعتذاره: «لا تكرهوا شيئاً لعله خير لكم». وشدد السنيورة على أن حكومة تصريف الأعمال برئاسته «ليست بديلاً على الإطلاق والظروف تقتضي أن نشكل حكومة في أسرع وقت ممكن»، داعياً الى استخلاص العبر والنتائج من الفترة الماضية. على صعيد آخر، رفض الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون امس طلب وزير الخارجية السوري وليد المعلم اجراء تحقيق في ما أسماه «تجاوزات» القاضي الالماني ديتليف ميليس، الرئيس السابق للجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري. وقال بان في مؤتمر صحافي امس ان التحقيق «ليس ضمن صلاحياتي»، مشددا في الوقت نفسه على «الثقة الكاملة» بالمدعي العام في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان القاضي دانيال بلمار، ومشيراً الى ان «المحكمة الخاصة انشأها قرار لمجلس الامن». وكان المعلم بعث كتاباً الى كل الأمين العام ورئيس مجلس الأمن حول «تجاوزات» ميليس ومساعده غيرهارد ليمان متهماً إياهما بالتورط في خطة، ومنذ بداية التحقيق، تستهدف توريط سورية «بأي ثمن» في جريمة اغتيال الحريري «عبر محاولتهما إقناع اللواء الركن جميل السيد بالسعي لدى سورية لتقديم ضحية دسمة تعترف بالجريمة ثم يعثر عليها لاحقاً مقتولة بحادث انتحار أو حادث سيارة ليصار بعدها الى تسوية مع سورية». وطلب التحقيق في القضية وإطلاع بلاده على الإجراءات المتخذة في هذا الصدد، معلناً احتفاظ دمشق بحقها في اتخاذ الإجراءات القانونية بحق ميليس ومساعده. وسألت «الحياة» القاضي ميليس تعليقه على الرسالة السورية، فاكتفى بالقول «ثقتي كاملة بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان» و «ما عثرنا عليه انا وفريقي في اللجنة الدولية مبني على الأدلة، وهو موجود في تقاريرنا الى مجلس الأمن». ورفض ميليس الخوص في تفاصيل الرسالة السورية قائلا: «اتفهم ازدياد توترهم مع استمرار التحقيق وانشاء المحكمة الدولية».