يؤكد الدكتور نذير العظمة أن الوحدة الاجتماعية التي تتميز بها سورية قائمة على محددات طبيعية- جغرافية- استراتيجية، لا عرقية أو مذهبية، مشيراً إلى أن يوسف العظمة لم يدافع عن سورية وفق حدود سايكس- بيكو، بل عن سورية الكبرى التي تشمل الموصل وكيليكيا واسكندرون. ويتحدث في حوار مع «مدرسة الحياة» عن تجربته الحزبية التي يقول إن في بعض فتراتها أجمل مراحل حياته... وهذا نص الحوار: * كيف تعرفت على الحزب السوري القومي الاجتماعي وانتميت إليه؟ تعرفت على الحزب في سن ال18 حين كنت طالباً، إثر اطلاعي على المبادئ التي تحوي الوحدة والفكر الحر المعتدل. وبعد سنة من قراءة التراث العقائدي للحزب، انتسبت إليه عام 1947، وأصبحت عضواً عاملاً وتحملت مسؤوليات بسيطة، وتدربت على الإدارة والوطنية، وإجراءات التوجيه، لتتبدل حياتي باتجاه الولاء للوطن والفكر الجديد. * لماذا اخترت الحزب السوري القومي الاجتماعي دون غيره من الاحزاب التي وجدت آنذاك؟ أعتقد أن الأحزاب الأخرى لا تقل عقائدية عن حزبنا، لكن فكر (مؤسس الحزب القومي) أنطون سعادة وتاريخ الحزب وطبيعة تكون الأمة من مختلف الأديان والشرائح الشعبية، كلها عوامل شجعتني على هذا الانتماء. حزبنا يرى الأمة هيئة اجتماعية واحدة. * لماذا رفض الحزب المكون اليهودي في الداخل السوري، وأنتم تقولون إنكم تركزون على الوحدة الاجتماعية؟ لا يرفض الحزب اليهود بالمطلق، لأن فكر انطون لا يرفض الفكر الديني، إنما يرفض استخدام الدين لعصبية تدعي حقاً بجزء من أجزاء الأمة السورية. نظرة أنطون سعادة للإسلام مختلفة تماماً، كونه مشتق من المفهوم القرآني بقول سعادة «منا من أسلم لله بالإنجيل، ومنا من أسلم بالقرآن، ومنا من أسلم لله بالحكمة، وليس لنا من عدو يقاتلنا في ديننا وأرضنا إلا اليهود»، و«كتاب الإسلام في رسالتيه» لسعادة يركز على المفهوم الإبراهيمي للإسلام الموجود في القرآن، والإسلام حقيقة هو التوحيد لله، وتوحيد الأمة جزء من العقيدة، وسعادة لم يكن ضد الدين، لكنه كان مع الدين الحضاري، والدولة الدينية كانت مرحلة حضارية في تاريخ أمتنا. في المقابل، تشديد سعادة في فصل الدين عن الدولة، ومنع رجال الدين في التدخل في شؤون الحكم يعبّر عن المفهوم الموجود في مبادئ الحزب، وعلمانية سعادة ليست العلمانية الفرنسية التي دعت إلى عبادة العلم، وليست كالثورة الماركسية المبنية على الإلحاد. سعادة ليس إلحادياً كون الدين له وظيفته الحضارية، وللدولة وظيفتها، من دون التعارض، مع وجود جميع الأطياف الدينية في الحزب بوجود المواطنة الفعالة لا المذهبية التي تدمر القاعدة الأساسية للدولة ومفهومها. سعادة وقف ضد الاستغلال الديني في سبيل تحقيق أغراض سياسية وتفكيك القاعدة القومية. * أليس من الغريب نشوء الحزب بالتزامن مع نشوء أحزاب غربية مشابهة، تستخدم الأسلوب التناظري في الشعار وكره اليهود؟ بالنسبة لسعادة نحن أعطينا الغرب الأبجدية والصفر ومراكز الترجمة، وأعطيناه النهضة التي نُقلت إلى أوروبا، وليس مترجما فقط وإنما مفسراً ومشروحاً بتواصل الحضارات، والإغريق لم يبقو إغريقاً إنما دولة سورية روّجت الفكر الإغريقي لفكر سوري استخدم في سبيل تقدم الإنسان. أما بالنسبة للنازية فهي كالصهيونية تماماً، قائمة على أساس التميز. سعادة لا يقول عرق سوري، إنما أمة سورية، تمثل الكثير من الشرائح المكونة من تفاعل السوريين وولادة تاريخ موحد. الأمة السورية ليست منزهة، وإنما مميزة، والأمم جميعها تشكل حضارة واحدة ويوجد تمايزات قومية تخدم الفكر الإنساني. التعصب العرقي خطأ لأنه يقوم على مبدأ الأفضلية لعرق واحد، والباقي خدم، فالصهيونية تعتقد أن اليهود هم «شعب الله المختار»، بينما «الغوييم» هم بقية البشر المخلوقين لخدمة اليهود. ولو أن اليهود قامو بفكرهم الديني لما تميزوا وادعوا أنهم متفوقون، وأن فلسطين أرض ميعادهم، وأن «يهوه» معهم ضد بقية البشر. * أقسمت قبل إعلان دولة «إسرائيل» بسنة. ما هي التأثيرات والتغيرات التي وجدتها كونك كنت متحمساً لسورية الكبرى الطبيعية؟ ولدت في عائلة وطنية خرج منها شهداء ووزراء ومؤسسو أحزاب، وكانت عائلتي تقول إن نذير ترك فكر العائلة وتوجّه نحو سعادة، وهذا أمر طبيعي لعدم وجود نزعة عائلية قبلية. وما جذبني هو الوحدة الحضارية والاجتماعية في فكر سعادة، كل القوميين أينما كانوا يفتتحون اجتماعهم باسم سورية، وهذا شيء مدهش على رغم تشديد سايكس- بيكو على التقسيم، فالمحبة هي الرابط الذي سقط من أجله الشهداء الذين آمنوا بالثورة التي أعلنها سعادة للحفاظ على وحدة سورية الطبيعية. * يقول كثيرون إن الحزب السوري القومي الاجتماعي دموي وإنه حزب سلاح، ما سبب ذلك؟ الحزب السوري القومي الاجتماعي هو حزب شامل، هدفه نهضة الفكر الثقافي والسياسي والاقتصادي والدفاعي وصيانة الهوية القومية وتحقيق المصير، والسعي نحو انبعاث قوة الأمة من خلال تاريخها، ونيلنا حريتنا وتحقيق مصيرنا وتثبيت هويتنا في ساحة الحراك السياسي، بالسيطرة على مقدراتنا وثرواتنا السورية. * أليس من واجب الحزب العمل على توحيد دول الأمة السورية بهدف الانطلاق نحو توحيد الأمة ككل؟ الإحتلال الفرنسي بدأ بلبنان، تلاه احتلال سورية، لأن غورو احتل الساحل قبل ميسلون، يوسف العظمة ترأس أركان الجيش السوري وانشأ مكتباً خاصاً لاستقطاب الحركات الشعبية لمقاومة الفرنسيين ومنع دخولهم إلى دمشق بلا مقاومة تذكر، وسقط شهيداً في المعركة التي يذكرها العالم بأسره، حتى أن سعادة قيّم يوسف العظمة بقوله إنه أول بطل قومي سوري، كان فكره واستشهاده في سبيل نيل حرية سورية وكرامتها. لم يستشهد يوسف العظمة من أجل سورية، بحسب سايكس- بيكو، بل من أجل الأمة السورية كلها، وعلى سبيل المثال: الموصل كانت محافظة سورية، لكن التنافس بين انكلترا وفرنسا، والعثور على النفط في الموصل، دفعا إنكلترا إلى ضمها للعراق. مجمل الكلام أن الطبيعة الجغرافية هي من الدلالات التي تؤكد وحدة الأمة السورية، حتى أن كليكيا التي تقع في شمال سورية احتلت أيضاً لمصالح استغلها كمال أتاتورك، ومارس ضغطاً كبيراً على الفرنسيين، ما جعل الفرنسيين يستغنون عن كليلكيا، لكن ليس من أجل السوريين بل لاسترضاء لتركيا. وهكذا أيضاً في اسكندرون، من خلال اتفاقيات لتمزيق الوحدة الطبيعية للوطن السوري، كون سورية قائمة على طبيعية تحديد جغرافي استراتيجي، وليس على أساس عرقي أو مذهبي، وأيضاً للتميز التاريخي بوحدتها منذ القدم حتى العهد العثماني، واستغلت القوى الاستعمارية تقسيم المنطقة ليتسنى لها البقاء أطول فترة ممكنة على مبدأ «فرق تسد». * ما سبب حكم الإعدام الذي صدر بحقك غيابياُ، وما الذي دفع إلى اعتقالك إثر اغتيال عدنان المالكي؟ عدنان المالكي ليس بعثياً إنما قائد عسكري وطني، وعندما اغتاله يونس عبد الرحيم بقرار شخصي وبأمر من جورج عبدالمسيح، صدرت أحكام باعتقال القوميين من عسكريين ومدنيين، واعتقلت على إثر الاغتيال. قرار اغتيال المالكي لم يصدر عن المؤسسة الحزبية، بل كان قراراً شخصياً وعوقب جورج عبدالمسيح على قراره هذا وفصل من الحزب. أما بالنسبة لحكم الإعدام الذي صدر عام 1962، من قبل المحكمة العسكرية، فكان حكماً بالجملة على أعضاء المجلس الأعلى، على رغم رفضي للانقلاب عندما كنت العضو الأصغر في المجلس الأعلى للحزب، لعدم إيماني بالانقلابات. وبالفعل لم يستطيع القوميون السيطرة على القصر الجمهوري ووزارة الدفاع، بعدها ذهبت بالسيارة إلى البقاع، ووصلنا إلى منطقة التسلل ثم إلى الزبداني، ووصلت إلى دمشق من أجل الحصول على جواز سفر عن طريق ابن عمي بشير العظمة، الذي كان رئيساً للوزارة، وقال لي «دخلت إلى سورية بشكل غير شرعي، فأخرج منها كما دخلت»، ولم أستطع تأمين جواز سفر لأخرج. ثم تسللت مع كمال خير بيك إلى عمان، ونظمنا الحزب السوري القومي الاجتماعي، وشكلنا مجلساً، رداً على الاضطهادات، وأوقفنا الحزب على قدميه لتكون هذه المرحلة من أهم المراحل في حياتي.