الزمان: الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) 1986. المكان: المنطقة الصناعيّة ومجموعة المصانع الكيماويّة في مدينة بازل السويسريّة. استيقظ الناس صبيحة ذلك اليوم ليجدوا الحرائق في كل مكان، وأطناناً من المواد الكيماويّة تشتعل ثم تتساقَط في نهر الراين. وتحوّل النهر كُتلة لَهَب تمتد لتلتهم كل ما في طريقها. ودُمّرت الحياة المائيّة في الراين الذي شارف على الموت. كان هذا الحادث نقطة فارقة في تاريخ الراين، وكذلك الحال بالنسبة الى التعاون بين دول حوضه. وعلى رغم وجود اتفاقية «بيرن» لحماية الراين (1963) وقَبلَها «الهيئة الدوليّة لحماية الراين» (1950)، إضافة الى سلسلة مؤتمرات وزراء الراين، تعرّض النهر حتى قبل حادث «ساندوز» لأسوأ أنواع التَلَوّث المتأتي من الصناعة والزِراعَة والصرف الصِحي. وشكّل حادث «ساندوز» لَطمَة قويّة أفاقت على أثرها دول الراين، فأقرّت في 1987، خطة عمل الراين التي تتعاون فيها الدول كلّها لتقليل التَلَوّث وتوفير مياه نقيّة للشرب. وأُعطيَت الأولوية لمكافحة المواد الشديدة الخطورة، وعلى رأسها ال «كادميوم» والزئبق والرصاص وال «ديوكسين». واستطاعت دول الراين بالفعل تقليلها بنسبة 70 في المئة خلال عشر سنوات امتدّت حتى 1995. وتوالت التحرّكات الجماعيّة الجادّة لحماية النهر. ووُضِع نظام للإنذار المُبكّر لمواجهة الفيضانات. وفي العام 1999، وُضِعَت اتفاقية جديدة لحماية النهر. وبدأ تنفيذها في العام 2003. وكذلك جرى صوغ «برنامج الراين 2020» في العام 2000، إضافة إلى إطار عمل المياه للاتحاد الأوروبي. وفي 2007، جرى الاتفاق على برنامج لإدارة الفيضانات. وتوالَت الخُطوات التي تعمل على حماية نهر الراين، والتنوّع البيولوجي فيه والإطار الطبيعي المحيط به، والمياه الجوفية والأراضي المتاخمة للنهر، إضافة إلى تحديد الاستخدام المُستدام والاقتِسام العادل لموارده المختلِفَة. مفهوما المشاركَة والاستِدامة بعد 27 عاماً من حادث «ساندوز»، يفوز نهر الراين في العام 2013 ب»الجائزة الأوروبيّة للأنهار». ويكتب في حيثيات الفوز أن دول الراين نجحت في تنفيذ الإدارة المُتَكامِلة لموارده، وتطوير نُظُم اسْتِخدام المُخلّفات بأنواعها، وتحسين نوعية المياه في النهر. وأُنشئ ما يزيد على 260 محطّة لمراقبة جَودة مياه الراين وكمياتها ونوعيتها، ومواجهة عدد من التحدّيات التي ما زال يتعرّض لها حتى الآن. وتشمل هذه التحدّيات، تسرّب المُبيدات والأسمدة الكيماويّة بأثر من الزِراعَة الكثيفة في الأراضي المُتاخمة له. وكذلك جاءت بعض الآثار السلبيّة من الاسْتِخدام المُكَثّف للنهر في أغراض النقل لأنّه يزيد ترسيب المياه وتَلَوّثها، كما تتسبّب السُدود والخزّانات في تحويل النهر سلسلَة من البحيرات التي تعوق هجرة الأسماك، وتُعمّق مجراه عند مصبّه. ويتأتى من هذا الأمر هبوط في خزّان المياه الجوفيّة. وتؤدي مشاريع الإنشاءات على جانبيّ النهر إلى تسارُع موجات الفيضانات وتمزيق الشبَكات البيئيّة الطبيعية بين النهر والأراضي المُتاخِمَة له. ويضاف إلى ذلك ارتِفاع درجة الحرارة والتغيّر في المناخ وأحداث التطرّف البيئي مثل الفيضانات التي تتسارع وتيرتها باستمرار.