ينشغل الوسط السياسي العراقي بالحديث عن حجم التغيير الذي سيطرأ على القوى داخل البرلمان بعد الانتخابات العامة المقررة في الثلاثين من نيسان (أبريل) المقبل مع بدء الكتل الرئيسة مبكراً تحضيراتها الانتخابية المكثفة. ولا تخفي أوساط سياسية ارتباط أي تغيير محتمل على الخريطة السياسية بحظوظ الكتل الكبيرة في التنافس على منصب رئاسة الوزراء. إن توقع أي تغيير في المشهد العراقي يتطلب، أولاً، معرفة قدرة الأحزاب المعارضة لبقاء رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي بمنصبه لدورة ثالثة، على تقديم مرشح جديد ينجح في كسب رحلة التوافق التي تحكم المشهد السياسي العراقي منذ عام 2003. ومع الانقسام الحاد الذي سيطر على العلاقة بين ائتلاف «دولة القانون» بزعامة نوري المالكي و«التيار الصدري» بزعامة مقتدى الصدر، تتداول تلك الأوساط سؤالاً هو: «هل أن الأوضاع السياسية الحالية داخل العراق هي التي ستفرز ملامح رئيس الوزراء المقبل»؟ ويدعم هذا التساؤل شكل التحالفات التي انتجتها الانتخابات المحلية والتي أجريت في الربيع الماضي ونجاح تحالف الصدر وعمار الحكيم بتشكيل أغلب مجالس المحافظات الشيعية بمعزل عن ائتلاف المالكي. ولا يتردد أعضاء في تيار الصدر والحكيم في الحديث عن نية تحالفهما للحصول على منصب رئاسة الوزراء بعد الانتخابات المقبلة. يقول عضو كتلة «الأحرار» التابعة للتيار الصدري النائب حاكم الزاملي إن «رئيس الوزراء سيكون إما من كتلة «المواطن» (المجلس الأعلى الإسلامي) أو «الأحرار» وهذا ما سنكشف عليه خلال المرحلة المقبلة». الاختيار للشعب ويضيف الزاملي ل «الحياة» إن «الاختيار يعود للشعب في الانتخابات وهو من يقرر اختيار الشخصية المناسبة لمنصب رئيس الوزراء. كتلتا «الأحرار» و «المواطن» أثبتتا خلال انتخابات مجالس المحافظات نجاحهما وحصولهما على المناصب المهمة في بغداد والمحافظات لذا فالشخصية القادمة لرئيس الوزراء ستكون من «المجلس الأعلى الإسلامي» أو «التيار الصدري» . ومعروف أن ائتلاف «دولة القانون» أعلن في أكثر من مناسبة تمسكه بترشيح زعيمه نوري المالكي لولاية ثالثة لكن أسماء أخرى يجري تداولها لخلافته أبرزها وزير المال السابق باقر جبر الزبيدي ونائب الرئيس السابق عادل عبد المهدي ورئيس ائتلاف «العراقية» أياد علاوي ورئيس حزب «المؤتمر الوطني» أحمد الجلبي. ويرى النائب عن المجلس الأعلى الإسلامي محمد اللكاش أن «الحديث مبكر عن ملامح المرشح المقبل لأن نتائج الانتخابات هي من ستحدد الأكثر مقبولية بين المرشحين». لكنه يؤكد ل «الحياة» أن «المجلس الأعلى الإسلامي قادر على ترشيح شخص لمنصب رئيس الوزراء إذا ما طلبت منه الكتل السياسية الأخرى». الخوض في تفاصيل مواصفات رئيس الحكومة القادم يتطلب المرور عند عدة اشتراطات يفترض أن تتوافر في من سيتولى أعلى سلطة تنفيذية في العراق للسنوات الأربع المقبلة. ويوضح المتخصص بالشأن السياسي عبد المنعم الأعسم أن «مجموعة عوامل هي التي ستحدد شخص رئيس الوزراء منها نتائج الانتخابات ومن سيحصل على نسبة عالية من الأصوات وموقف البيت الشيعي والوضع الإقليمي وموقف المرجعية الدينية في النجف التي ستكون لها كلمتها وما إذا كانت ستدفع الكتل الشيعية للوقوف وراء المالكي أو أي مرشح آخر». وعما إذا كان الخلاف بين الأحزاب الشيعية الرئيسة سيغير من معايير اختيار رئيس الوزراء يقول الأعسم ل «الحياة» إن «هناك قضية محورية وأساسية وهي أن الأحزاب الشيعية لا تختلف على إبقاء منصب رئيس الوزراء داخل البيت الشيعي بمعنى آخر، إذا كانت الاختلافات ستودي بمنصب رئاسة الوزراء إلى كتلة أخرى فإنهم سيتفقون». ويضيف أن «إحجام الكتل داخل البرلمان ستحدد أيضاً كيفية التنافس على هذا المنصب، وأتوقع أن يفوز المالكي بأعلى الأصوات في الانتخابات لكنه لن يفوز بثقة غالبية الكتل النيابية وحتى يحصل على ولاية ثالثة أظن أن عليه أن يقدم الكثير من التنازلات». ومع الحديث عن دخول الدور الإقليمي كعامل حسم في تحديد شكل الحكومة المقبلة والمناصب العليا في العراق فإن لغة الأرقام داخل مجلس النواب الجديد هي التي ستحدد خيارات الموقف الخارجي. فحتى الدول المؤثرة في العراق تنتظر ما سيفرزه الاقتراع العام بعد نحو خمسة أشهر بمعنى أن الذي سيكون رئيساً للوزراء عام 2014 يحتاج إلى الفوز مرتين الأولى بالانتخابات والثانية بالتوافق الداخلي السياسي والقبول الإقليمي والدولي.