افاد تقرير لبنك «بيكتيه» السويسري للخدمات المصرفية الخاصة، بأن أزمة المال والاقتصاد العالمية التي عصفت بالعالم خلال العامين الماضي والجاري، شكلت اختباراً قاسياً للاقتصادات النامية وأسواقها المالية، إذ تأثرت أسواق الدين النامية سلباً بضائقة السيولة العالمية، بعد ان تضخمت الفروق بين سعري العرض والطلب في سوق سندات الخزانة الأميركية من أقل من 300 نقطة أساس في حزيران (يونيو) 2008، إلى 900 نقطة أساس بعد أربعة أشهر، لكن هذا المعدل انخفض إلى ما دون 400 نقطة أساس أخيراً بفضل تحسّن بيئة الأخطار العالمية. ولفت التقرير الى أن «وضع الاستثمار في ديون الأسواق النامية المسعرة بالدولار يبقى قوياً، وأن هذه الفئة من الأصول لا تزال تنطوي على قيمة». وتابع: «بعض أسواق السندات النامية لا يزال يوفر قيمة جيدة للمستثمرين في المدى المتوسط، وأن ديون الأسواق النامية المسعرة بالدولار نجحت في اجتياز الامتحان الذي فرضته الأزمة، ومن المتوقع أن تتقلص علاوات الأخطار المستقبلية عليها مع تنامي ثقة المستثمرين تدريجاً». وسجل التقرير «ارتفاع الارتباط بين فئات الأصول المختلفة، خلال فترة هبوط الأسواق، ما بدا واضحاً خلال الأشهر ال12الماضية. إذ تحملت أصول الأسواق النامية الوطأة الكاملة لانكماش السيولة الذي رافق الخطة العالمية للوصول إلى برّ الأمان، وأدت إلى انسحاب واسع من فئات الأصول كافة التي تنطوي على مستوى عال من المخاطرة». وأفاد بأن مصرف «يو بي إس» السويسري اشار إلى أن رأس مال يبلغ 500 بليون دولار غادر الأسواق النامية خلال الفترة الممتدة بين أيلول (سبتمبر) من العام الماضي وآذار (مارس) من هذه السنة، يشكل نصف صافي التدفقات النقدية للسنوات الخمس الماضية. ولفت تقرير «بيكتيه» إلى «تجدد شهية المستثمرين على المخاطرة، ما أدى إلى تركّز التدفقات النقدية خلال النصف الأول من العام الجاري في صناديق الأسواق النامية المسعّرة بالدولار». إذ سجل الأسبوع الأخير من تموز (يوليو) الماضي وحده تدفق سيولة إجمالية بقيمة 462 مليون دولار إلى صناديق السندات في الأسواق النامية، وفقاً لبنك «إتش إس بي سي» البريطاني. وسجلت الأسواق النامية لسندات الدين بالدولار ارتفاعاً نسبته 20 في المئة خلال الأشهر الستة الأولى من السنة الجارية، وفقاً لمؤسسة «جي بيه مورغان» المالية، مقارنة بعائد قيمته 4 - في المئة لسندات الحكومة الأميركية. وأضاف: «سلّطت أزمة المال الأخيرة الضوء على الاعتماد المتبادل للدول المتطورة والنامية في اقتصاد عالمي واحد». إذ خصص أعضاء اجتماع «قمة العشرين» في نيسان (أبريل) الماضي دعماً كبيراً للأسواق النامية عبر زيادة موارد صندوق النقد الدولي من 250 بليون دولار إلى تريليون دولار في صناديق جديدة، إضافة إلى استحداث حقوق السحب الخاصة، أرسلت إشارة واضحة إلى المستثمرين مفادها أن «الدول المتطورة والمنظمات الدولية ترى في الأسواق النامية عاملاً جوهرياً لسلامة الاقتصاد العالمي». وتبنّى معظم الدول النامية سياسة مالية ونقدية أكثر استدامة ساهمت في تحسين موازينها التجارية وخفض مستويات الدين الشخصي والحكومي، واعتمدت سياسات اقتصادية أكثر تشدداً، بعد ازمات نقدية متلاحقة في العقود الأخيرة، أدت في نهاية المطاف إلى تعزيز الثقة بالإدارة المالية لهذه الاقتصادات، إلى جانب الإصلاحات الهيكلية التي اعطتها مرونة خلال الركود العالمي الحالي. وأظهرت أسواق نامية بوادر تحسّن ملحوظ في الطلب المحلي والتصدير على نحو مفاجئ في النصف الأول من السنة، كما ساهم الانتعاش الأخير الذي سجله النشاط الاقتصادي في الصين في تحقيق تحسّن كبير في أسعار السلع، ما ساعد في تحسين موازين الحسابات الجارية لبعض الاقتصادات النامية المصدّرة لسلع معينة، لاسيما منطقة أميركا اللاتينية. وعززت صناديق التقاعد المحلية حضورها في أسواق الدين المسعرة بالعملة المحلية والدولار، حيث تجاوز الطلب المتزايد عليها مستويات العرض الجديدة في الأسواق. وفاق حجم الاكتتاب على إصدار حديث في البرازيل 10 أضعاف حجم المعروض، ولا يزال الطلب قوياً من المستثمرين الباحثين عن عائدات أعلى في البيئة الحالية ذات العائدات المنخفضة. وأشار التقرير إلى أن «أداء أسواق الدين النامية سيبقى مرتبطاً ببيئة الأخطار العالمية، وأن هذه الأسواق قد تسجل بعض التصحيح، لكنها تواصل الاستفادة من آلية إيجابية للعرض والطلب من شأنها أن توفر الدعم لأسعار الأصول». وتوقع لأسواق الدين النامية، «إذا استمرت البيئة العالمية للاقتصاد الكلي في أدائها المشجّع، أن تحافظ على مسارها التصاعدي خلال الأزمة الأخيرة».