يشكو مهجرو رفح الذين أخلت القوات المصرية منازلهم وهدمتها لإقامة منطقة عازلة مع قطاع غزة، من سوء المعاملة، مؤكدين أنهم في أماكن كثيرة عرضة لمعاملتهم وكأنهم "ليسوا مصريين". في 29 تشرين الأول (اكتوبر) الماضي بدأت السلطات المصرية، بعد بضعة أيام من اعتداء أوقع 30 قتيلاً في صفوف الجيش في شمال سيناء، في إخلاء نحو 800 منزل على الشريط الحدودي لإقامة منطقة عازلة بعرض 500 متر وبطول 13.5 كيلومتر. وأعلنت الرئاسة المصرية أن الهدف من هذه المنطقة العازلة "إغلاق الباب أمام عناصر إرهابية تخترق الحدود المصرية وتهدد الأمن القومي"، في إشارة الى الأنفاق الموجودة على هذا الشريط الحدودي الذي يقسم مدينة رفح الى جزءين أحدهما في مصر والآخر في قطاع غزة. واعتبر الناطق باسم وزارة الداخلية المصرية هاني عبد اللطيف المنطقة العازلة ضربة قوية للمسلحين المتشددين الذين يشنون هجمات ضد قوات الأمن في شمال سيناء. وقال عبد اللطيف لوكالة "فرانس برس"، "بعد المنطقة العازلة هم (المسلحون) شبه محاصرين الآن". ويقول أبو محمود، أحد السكان المهجرين من المنطقة الحدودية إنه أُمهل وعائلته ثماني ساعات فقط لإخلاء منزلهم الذي هدم. ومثل منزل عائلة أبي محمود، الذي فضّل عدم ذكر اسمه خوفاً من الانتقام، تم هدم أو سيتم هدم 800 منزل، وتهجير 1100 أسرة، وفق الجيش. ولا تتردد العائلات في اعتبار هدم منازلها "انتقاماً جماعياً". ولكن في العريش، عاصمة شمال سيناء المطلة على البحر المتوسط والتي لا يفصلها عن رفح وخط الحدود مع غزة سوى 35 كيلومتراً، يجد الزائر لدى السكان رأياً مخالفاً عن مهجري رفح، ومزاعم تقول إنهم "كونوا ثروات بالملايين" خلال السنوات الأخيرة من عائدات الأنفاق التي فتحوها في منازلهم أو في مزارعهم مع غزة. ويقول محمد، وهو موظف حكومي في عقده الخامس لم يفصح عن اسم عائلته "معظم الذين تم إخلاء بيوتهم لإقامة المنطقة العازلة ليسوا هنا، لقد رتبوا أمورهم منذ فترة طويلة واشتروا أراضي في منطقة الصالحية (في محافظة الشرقية في دلتا النيل) أو في الإسماعيلية (على قناة السويس) أو في التجمع الخامس (ضاحية راقية في القاهرة) وبعضهم شيد بيوتاً في العريش وانتقل للإقامة فيها". ويتابع "كل الذين تم تدمير بيوتهم كانوا يقيمون على الشريط الحدودي، وهؤلاء جميعاً كانت لديهم انفاق وكوّنوا ثروات هائلة من ورائها". ويؤيد أحمد وهو في الثامنة والعشرين، وُلد وعاش في رفح قبل أن ينتقل العام الماضي الى العريش، هذا الرأي. ويقول أحمد "معظم هؤلاء أصبحوا مليونيرات، وليسوا في حاجة الى التعويضات التي أعلنت الحكومة أنها ستصرفها لهم" والتى تبلغ في المتوسط 650 ألف جنيه ( قرابة 90 ألف دولار) عن كل منزل. ولتأكيد هذه المزاعم، يتابع الشاب الذي كان يمتلك محل بقالة صغيراً في رفح أغلقه العام الماضي ونقل نشاطه الى العريش، "كان العامل الذي ينقل البضائع من الشاحنات الى داخل النفق يحصل على أجر يومي يراوح بين 1000 و1500 جنيه (قرابة 140 الى 213 دولاراً)، فلكم أن تتخيلوا صاحب النفق نفسه كم كان يربح". ولا يشكو المهجرون انفسهم كثيراً من مشكلات مالية، وإنما مما يعانونه عندما يذهبون الى "الوادي" وهو الاسم الذي يطلقه أهالي شمال سيناء على محافظات دلتا النيل بما فيها القاهرة. أمام ثلاث بنايات جديدة متجاورة ذات واجهات أنيقة، كانت مجموعة من شباب أسرة تم تهجيرها من رفح تجلس في سيارة من طراز "شيفروليه كروز" تتبادل الحديث وتمزح. رفض الشبان ذكر اسم عائلتهم وفضلوا استدعاء آبائهم للتحدث الى "فرانس برس". يقول أبو محمود، والد أحدهم، "ليس لدينا مشكلة في المنطقة العازلة أو في الإخلاء، ولكنهم أعطونا مهلة لا تتجاوز ثماني ساعات فقط لنقل كل محتويات المنزل". ويضيف "على أية حال لدينا مشكلات أهم الآن، أهمها الطريقة التي نعامل بها عندما نخرج من العريش، فالضباط (الجيش أو الشرطة) في نقاط التفتيش على الطريق الى القاهرة أو الإسماعيلية عندما يجدون أن السيارة مسجلة في شمال سيناء يسيئون معاملتنا ويتعمدون تعطيلنا وتفتيشنا تفتيشا ذاتياً". ويتابع "ليس الضباط فقط، وإنما الأهالي عندما يلاحظون إننا من شمال سيناء يتهموننا بالخيانة والعمالة، بل لقد تم تهشيم زجاج سيارتين تحملان لوحات من شمال سيناء في الإسماعيلية (على قناة السويس) وفي الغربية (دلتا النيل)". ويقول "نعامل كأننا من دولة أخرى ولسنا مصريين". ويضيف شقيقه محمد "الإعلام يلعب دوراً سلبياً للغاية ويحرض علناً ضد أهالي شمال سيناء"، مشيراً على وجه الخصوص الى اثنين من وجوه نظام حسني مبارك اللذين عادا لتقديم برامج تلفزيونية مسائية على قنوات خاصة. ويضيف "هؤلاء الإعلاميون يعممون وكأن كل أهالي شمال سيناء إرهابيون، ينبغي أن توقف الدولة هذا التحريض".