المعضلة الثانية الكبرى في غزة، بعد الكهرباء، هي السفر الى الخارج. فالطريق الى الضفة الغربية او الى اسرائيل او عبر اسرائيل غير متاحة سوى الى عدد قليل لا يذكر من أهالي القطاع. اما الغالبية العظمى، فعليها التوجه الى الخارج عبر مصر. أما السفر عبر مصر، فليس متاحاً في كل الأحيان، فهناك قيود تتعلق بالظروف الأمنية في سيناء، والظروف السياسية في القاهرة التي وضعت قيوداً على التنقل عبر معبر رفح منذ سيطرة «حماس» على القطاع بالقوة المسلحة عام 2007، وهي قيود خفت بصورة كبيرة في مرحلة حكم الرئيس «الإخواني» محمد مرسي، لكنها عادت لتظهر مجدداً، وبقوة اكبر، بعد اطاحته. وأغلقت السلطات المصرية المعبر لفترة طويلة بعد إطاحة مرسي، وفتحته في وقت لاحق للحالات الإنسانية فقط، مثل التحويلات الطبية وللطلاب والعاملين في الخارج. ولا يوجد نظام محدد لفتح وإغلاق المعبر في هذه الأيام حتى وفق آلية الطوارئ الإنسانية. ففي الأسبوع الأخير، فتح المعبر لثلاثة ايام فقط سبقها إغلاقه لمدة 12 يوماً متواصلة. وكثيراً ما يجري إغلاق المعبر بعد ساعة من فتحه بسبب عطل فني تقول عنه حكومة «حماس» انه مجرد عذر لتبرير الإغلاق والتضييق على سكان القطاع لدفعهم الى التذمر، وتالياً الثورة على حكم الحركة. وأمام هذه التعقيدات، يصبح المواطن «الغزي» غير واثق من قدرته على السفر، وبالتالي غير قادر على القيام بأي ارتباطات خارجية. خسائر «حماس» وعمدت الحكومة المصرية الجديدة الى اغلاق وتدمير كل الأنفاق الواصلة بين قطاع غزة ومصر عقب اطاحة مرسي. وألحق اغلاق الأنفاق البالغ عددها 850 نفقاً، خمس خسائر استراتيجية بحركة «حماس» في غزة: اولى هذه الخسائر هي ايرادات الحكومة من الضرائب على البضائع المستوردة عبر الأنفاق، وقيمتها 15 مليون دولار شهرياً. ووفق مسؤولين في الحكومة، فإن هذه الإيرادات كانت تساوي نحو 40 في المئة من المصاريف الجارية للحكومة، بما فيها رواتب الموظفين البالغ عددهم نحو 40 ألف موظف. وباتت حكومة «حماس» غير قادرة على دفع رواتب موظفيها بصورة منتظمة منذ اغلاق الإنفاق، اذ تلقى الموظفون نصف راتب عن معظم الأشهر التي تلت الإغلاق. وما زالت الحكومة غير قادرة على دفع راتب تشرين الأول (أكتوبر) الماضي حتى اليوم، اذ يشارف تشرين الثاني (نوفمبر) على الانتهاء. اما الخسارة الثانية للحركة من اغلاق المعابر، فكانت عدم قدرتها على نقل اموال المساعدات القادمة من الخارج، والتي كانت تنقل مباشرة عبر الأنفاق، او عبر التجار والمستوردين. والخسارة الثالثة، هي توقف تدفق السلاح من الخارج الى غزة عبر الأنفاق التي تشكل الشريان الوحيد لنقل السلاح الى غزة. أما الخسارة الرابعة فهي ارتفاع اسعار السلع في القطاع، وكلها سلع باتت تتدفق من إسرائيل بعد توقف تدفق السلع المصرية الرخيصة نسبياً، وهو ما انعكس في تذمرات شعبية ملحوظة في القطاع. والخسارة الخامسة هي عدم قدرة اي من قادة «حماس» على السفر الى الخارج. وتبلغ الموازنة السنوية لحكومة «حماس» 800 مليون دولار. وكانت إيرادات الحكومة تسد 40 في المئة من هذه الموازنة قبل اغلاق الأنفاق، وبات عليها اليوم توفير كامل المبلغ. ويضاف الى موازنة الحكومة موازنة سرية لحركة «حماس» التي لديها جيش من المقاتلين المتفرغين، وعدد من الموظفين في الوظائف الحركية التي تقدر بنحو ثلاثة آلاف وظيفة تدار عبر ديوان موظفين خاص للحركة. ولا بديل لمعبر رفح الحدودي مع مصر سوى معبر «إيريز» الحدودي مع اسرائيل. لكن طريق العابرين الى اسرائيل، على قلتهم، ليس دائماً يسيراً، فكثيراً ما تواجههم العقبات الكبيرة منها والصغيرة. العقبة الأولى هي الحصول على تصريح اسرائيلي وهو ليس متاحاً سوى في حالات قليلة، مثل المرضى وكبار التجار والمستوردين والعاملين في المنظمات الدولية. وحتى في هذه الحالات القليلة، فإن المسافرين كثيراً ما يتعرضون الى محاولات الابتزاز من اجهزة الأمن الإسرائيلية. ابتزازات روت امرأة في الثامنة والعشرين من عمرها تنتمي عائلتها لحركة «حماس»، انها تعرضت الى الابتزاز على معبر «ايريز» اثناء عبورها لعلاج رضيعها الذي يعاني مرضاً في القلب. وقالت ان امرأة من جهاز الأمن الإسرائيلي اتصلت بها على هاتفها النقال، بعد الزيارة الأولى الى المستشفى الإسرائيلي، وعرضت عليها التعاون في مقابل العلاج. ومما قالته المرأة المتصلة: «مستعدون ان نوفر لطفلك أخصائي خاص من الولاياتالمتحدة، لكن في المقابل عليك التعاون معنا». حملت السيدة التي لديها اشقاء ناشطون في «حماس» قصة الابتزاز الذي تعرضت اليه الى الحكومة المقالة التي وفرت لطفلها العلاج في مستشفيات تركيا. ويروى المواطنون الكثير من حالات الابتزاز التي تعرض اليها ذوو الحاجة من رجال ونساء وكبار وصغار، لا فرق. وكما هي مشكلة الكهرباء والمعابر، هناك أيضاً مشكلة الغاز المنزلي الذي تقيد اسرائيل كمياته المرسلة الى قطاع غزة، اذ يصطف الناس في طوابير دائمة امام محطات التعبئة. وقال مواطنون انهم يسجلون من اجل الحصول على انبوبة الغاز المقبلة للبيت قبل فترة طويلة تتراوح من شهر ونصف الشهر الى شهرين، حتى ان «غزيين» كثراً باتوا يحسبون الوقت الذي يقضونه في طوابير الانتظار للدلالة على أعمارهم التي تضيع هباء تحت الحصار والانقسام.